مثلث الأزمات..!!(2-2)

أسامة عجاج

تحدثنا في المقال السابق عن الأزمة بين مصر وإثيوبيا حول بناء سد النهضة، ونستكمل اليوم حديثنا عن العلاقات المصرية السودانية المأزومة، وأحد أسبابها سد النهضة أيضاً، خاصة أن القاهرة فوجئت دون استعداد لذلك، بأن السودان تحول من شريك استراتيجي لمصر وداعم لموقفها في رفض بناء السد -أو على الأقل الحد من تأثيراته السلبية على دولتي المصب، وذلك في المباحثات الخاصة بالسد، سواء على المستوى الوزاري، أو في أعمال اللجنة الثلاثية- إلى دور الوسيط بين مصر وإثيوبيا، بل أصبح أقرب إلى الموقف الإثيوبي، بل المفاجأة الأكبر كانت في الإعلان صراحة وعلى لسان رأس الدولة السودانية الرئيس عمر البشير في ديسمبر الماضي، دعم السودان لإثيوبيا في بناء سد النهضة. كما أن السودان عاد إلى ممارسة نشاطه في إطار مبادرة حوض النيل، على الرغم من الموقف السابق الذي كان يجمع البلدين بتجميد النشاط، بعد توقيع ست دول على اتفاقية عنتيبي، كما أن هناك جمودا في اجتماعات اللجنة الفنية المشتركة لمياه النيل منذ عام، بسبب الاعتذارات من الجانب السوداني، وهو ما يعطل الاتفاق على سبل التحرك المشترك على المستوى الفني، دون أن يمنع هذا من استمرار عمل البعثة المصرية الدائمة في الخرطوم، التي تراقب منسوب مياه النيل في السودان، وهي على تواصل دائم مع وزارة الري السودانية لمناقشة تصريف المياه وتقاسم الحصة السنوية. وبعيدا عن فكرة تآمر السودان على مصر، يمكن فهم موقف الخرطوم من خلال عدة عوامل:

الأول: صحيح أن السودان مع مصر يتم اعتبارهما دولتي مصب لنهر النيل، لكن هناك خلافا جوهريا في الاعتماد بين البلدين على مياه النهر، فهو الأساس في احتياجات المصريين، وتختلف الحاجة لدى أهل السودان لمياه النهر، خاصة أن هناك كميات كبيرة من المياه من فاقد مياه النهر تضيع في المستنقعات، بالإضافة إلى أن السودان وفقا لاتفاقيات مع مصر يتنازل عن جزء من حصته تصل إلى حوالي خمسة مليارات متر مكعب ونصف من المياه لمصر. كما يشهد السودان موسم تساقط الأمطار الموسمية، وهناك مساحات ضخمة قابلة للزراعة في السودان، لا تجد من يقوم بزراعتها.

الثاني: الظروف السياسية التي يمر بها السودان وتمنعه من فتح جبهات للصراع مع دول الجوار، مع تعدادهم من جهة بصفة عامة وإثيوبيا بصفة خاصة، والتي تلعب دورا نشطا في المحيط الإفريقي باعتبارها مقر منظمة الاتحاد الإفريقي من جهة، بالإضافة إلى التوسط بين دولتي شمال السودان وجنوبه في ظل تعدد القضايا العالقة بين الدولتين، والدور المؤثر لإثيوبيا على حكومة جنوب السودان في ظل الدعم التاريخي الذي قدمته لقوات جون جارانج والجبهة الشعبية، حتى استطاعت فرض إقامة الدولة الجديدة عبر مفاوضات شاقة واتفاقيات لم تكن إثيوبيا بعيدة عنها، بل كانت راعية لها. كما أن حكومة إثيوبيا تتولى إدارة المفاوضات بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية التي تضم فصائل المعارضة المسلحة ضد حكومة الخرطوم، والتي تضم قوات الحركة الشعبية لشمال السودان، وبعض الناشطين سياسيا، وحركات دارفور المسلحة، خاصة حركة العدل والمساواة.

ولعل الخوف المصري من التحول في الموقف الرسمي السوداني تجاه سد النهضة واستمرار بناء إثيوبيا له وغياب التنسيق بين البلدين، يعود إلى انكشاف الموقف المصري الذي سيصبح وحيدا ويضر بالمشروعية المصرية في التحذير من خطورة الاستمرار في بناء السد أمام دول العالم، خاصة إذا خرج السودان من تلك المعادلة، خاصة مع الموقف الداعم لإثيوبيا من بقية دول حوض النيل.

ولعل الموقف من سد النهضة من أبعاد الخلاف بين القاهرة والخرطوم في الآونة الأخيرة، حيث تعددت الأسباب ومنها الفتور في العلاقات بينهما بعد ٣٠ يونيو، رغم أن أول زيارة قام بها وزير الخارجية الجديد نبيل فهمي بعد تعيينه كانت لكل من السودان في دولتي الشمال والجنوب، في محاولة لجس نبض الخرطوم مما حدث في مصر، رغم أن السودان كان حريصا على التأكيد ومنذ البداية على أنه ينأى بنفسه عن الخوض في الشأن المصري بعد تلك الأحداث، واعتبرها شأنا داخليا، رغم أن قيادات في حزب المؤتمر الوطني الحزب الحاكم في السودان شاركت في الفعاليات الشعبية السودانية أمام السفارة المصرية في الخرطوم، احتجاجا على ما حدث في ٣٠ يونيو والإطاحة بالرئيس محمد مرسي. إلا أن الزيارة لم تنجح في إنهاء هذا الفتور، في ضوء قصر استقبالات الوزير على نظيره دون أي لقاء مع الرئيس البشير أو نائبه. والوقائع تؤكد أن وجود حكم إسلامي في مصر قريب في التوجه مع الرؤية السودانية أثناء حكم الدكتور محمد مرسي، لم يمثل «شهر عسل» في العلاقات بين البلدين، ولم تشهد العلاقات اختراقا ذا معنى في الملفات العالقة بين البلدين رغم تعدد الزيارات للمسؤولين من الجانبين، بل تم استخدام تصريح غير دقيق تم نقله عن الدكتور محمد مرسي أثناء زيارته الخرطوم في مايو ٢٠١٣ في شن حملة على نظامه، بحجة أنه سيتخلى عن منطقة حلايب للسودان رغم نفي الرئاسة لذلك، وهذا أحد الملفات المعلقة بين الجانبين والتي عادت إلى الواجهة وتصدر الأحداث، بعد تصريح وزير الدولة في الرئاسة السودانية الرشيد هارون بأن منطقة حلايب سودانية مائة في المائة، ومن الممكن إقامة حوارات وتفاهم بين الجانبين حول القضية، مما استدعى ردا من المتحدث باسم الخارجية السفير بدر عبدالتعاطي، من أن حلايب أرض مصرية خالصة، والدولة المصرية تمارس أعمال السيادة عليها، والقاهرة لن تقبل بحلول وسط فيها، لأن الموقف المصري واضح ومحدد. وكان مجلس الوزراء المصري، قد أقر خطة في نوفمبر الماضي لتنمية منطقة حلايب وشلاتين باعتمادات وصلت إلى ٧٦٤ مليون جنيه مصري، لاستكمال شبكات المياه والكهرباء والطرق وإسكان وتوطين السكان، ومشروعات للتنمية السياحية والتعدينية بالمنطقة.

وتمتد الخلافات بين البلدين إلى ملف آخر وهو الخاص بتحفظ القاهرة على تنفيذ اتفاق تم توقيعه في سبتمبر ٢٠١٢ لفتح الطريق البري بين الدولتين، وفتح الحدود وإتاحة حرية الحركة والتنقل والملكية والدخول إلى مصر بدون تأشيرة، وهي الاتفاقيات التي تم توقيعها في زمن الرئيس المخلوع حسني مبارك ولم يتم تفعيلها. وجاءت حالة عدم الاستقرار الأمني في مصر بعد ٣٠ يونيو لتشكل عاملا إضافيا في مسألة إغلاق الحدود، خاصة في ظل المخاوف المصرية من عمليات تهريب للسلاح والأفراد بين البلدين، خاصة بعد أن أشاع الإعلام أخبارا تفتقد الدقة والمصداقية عن تورط بعض السودانيين في الأحداث الأخيرة التي شهدتها مصر. بالإضافة إلى هروب بعض قيادات التحالف من أجل الشرعية من مصر عبر السودان.

وقد أسهم ذلك كله، في استمرار التوتر في العلاقات بين البلدين، لدرجة أن القاهرة وافقت على فتح مكتب للحركة الشعبية في الشمال، إحدى أهم فصائل المعارضة للحكومة في القاهرة، كإجراء استباقي لإمكانية استضافة الخرطوم لعناصر من المعارضة الإسلامية المصرية، وهو ما لم يحدث. وقد اعتبرت الخرطوم تلك الخطوة تهديدا للعلاقات بين البلدين. ويبدو أن هناك عوامل مختلفة أسهمت في إعادة النظر في ملف العلاقات بين البلدين في الآونة الأخيرة، من خلال الزيارة التي قام بها وزير الدفاع السوداني للقاهرة عبدالرحيم محمد حسين، ولقائه مع وزير الدفاع المشير عبدالفتاح السيسي، حيث تم الاتفاق على تشكيل قوة مشتركة لضبط الحدود بين البلدين، وأكد الوزير السوداني أن الخرطوم لن تسمح بأي ضرر بمصالح مصر المتعلقة بمياه النيل وحصة مصر منها والتزامها باتفاقية ١٩٥٩، بالإضافة إلى الإعداد لزيارات أخرى، ومنها وزير الخارجية علي كرتي للقاهرة، للبناء حول ما تحقق.

ولعل التحركات الأخيرة تشكل رغبة في الحفاظ على مستوى العلاقات التاريخية بين البلدين، دون أن تكون هدنة مؤقتة، تعود بعدها العلاقات إلى الفتور والجمود من جديد.

العرب
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. علينا التمسك بسد النهضة لأنه يخدمنا كثيرا وعلينا تقوية العلاقات مع أثيوبيا والوقوف معها صفاً واحداً..والخزى والعار لحكومتنا التى تستمع لمثل هذه الوساخات المصرية والاهانات المقصودة ولا تحرك ساكناً..

  2. مصر واثيوبيا تستضيف الحركات المسلحة ضد السودان وشاركو في دعم الحركة الشعبية فقط لاجل مصالحهم الخاصة ويعملون بكل جد علي عدم استفرار السودان اححححححححح
    اين حكامنا واين زعماء المعارضة الذين لا يعملون ولا يعلمون الا كرسي الحكم كانهم المبعوثون الاليهون الذين ارسلوا ليسوسو الشعب السوداني .
    وكل من تولي فينا سلطة لبس جلدا اخر ورفع انفه في السماء ( معارضة وحكومة ) زعماء يقودون احزاب لما يذيد عن 40 عاما ولا يعلمون انهم فاشلون ولا اعضاء احزابهم يرون هذا الفشل ياعـــــــــــــــــــــــــــــــالم نحن نتصدر دول العالم فشلا وفسادا وجوعا وتخلفا وجعتو قوبنا الله لا كسب فيكم

  3. السؤال الذى على حكومة المؤتمر الواطى الاجابة عليه هو لماذا تصرون على تفعيل الحريات الاربعة – ماذا يستفيد السودان ؟ من تلك الحريات – انها ملطشة ومهزلة يجب ان تتوقف – كل دولة تمارس سيادتها عل اراضيها دون هيمتة او وصاية – الشعب السودانى متى ما مامتلك زمامه لن يسمح بتلك الحريات المزعومة فهى مجرد وجود تجسسى فقط .

  4. الاحترام الذائد يورث الاحتقار نحن نعلم ان اكثر الصحفيين السودانيين يتدربوا في مصر عشان يتعلم واي قلم سوداني متأثر بمصر ظاهر من الانبطاحيه الكتاب المصريين يكيلوا لكم كيلا وانتم الواحد عامل فيها ابو الاخلاق والطيبه والسذاجه ولكن الحقيقه اقلامكم عاجزه علي الرد عليهم اذا تخليتم عن المصريين لن تفقدوا الا الحلويات المستورده من الصين وبعض الدول بالرخيص وتعاد تعبئتها في مصر لتباع لكم بالغالي

  5. سنقاتل حتي اخر رجل في الدفاع عن سد النهضة
    ولن تنكسر لنا قناة يافراعنة يا انانيين قناة جونقلي
    الحمد لله لم تتم لانها في صالحكم ومنطقة السدود هي اكبر مزرعة طبيعية للاسماك
    في العالم وسد النهضة هو المفتاح للتنمية الحقيقية للاثيوبيا والسودان
    شئتم ام ابيتم وفي عينكم كمان زمن الانسان السازج انتهي وليس لكم حق تاريخي
    اثيوبيا المياه تسقط في اراضيها وانتم تجيكم صافية ياحلاوة—-

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..