مقالات وآراء سياسية

عِفّة أم خوف ؟

خالد حسن

في أسفارنا وهجرتنا وتنقلنا بين مناطق مختلفة في العالم نعايش أنماط مختلفة من سلوكيات البشر . مجتمعات تخاف وأخرى تستعفف .

كنت احد قاطني منطقة في الولايات المتحدة ، على الرغم من ان البلد ككل تعتبر خطرة تكثر فيها الجريمة وتحاط بالفرد المخاطر في تنقله ، سواءا كان ذلك من ناحية المرور عبر الطرق او من خلال مصادفة نماذج لا تخلو من اؤلئك المجرمين .

بعض المناطق السكنية تعتبر آمنة لتدني نسبة الجريمة فيها ، حيث وجدت نفسي ذات مرة في منطقة لو تركت سيارتك في الشارع مفتوحة ودائر محركها لايام لن يمسها احد . تعود لتجدها كما هي بكامل محتوياتها .

كثير من مناطق المملكة السعودية هي كذلك ، فعند قدومي لها وهذا منذ عدة سنوات مضت ، اصحاب المحلات يتركون محالهم التجارية مفتحة الابواب ببضاعتها ونقودهم في الادراج ، ويذهبون لأداء الصلاة او يغادرون لقضاء حاجة ما .

سلوكيات الناس نتاج لتداخل المفاهيم وما يحملونه من قيم يتصرف على إثرها الفرد . كمفهوم العفة والنزاهة والإستغناء عن ما عند غيرك من الناس ، فلا يعنيك ما عندهم بشئ ، ولن تمد يدك لتأخذ ما ليس لك .

مفهوم آخر يخالج وهو الخوف من القانون وفضح الأمر والتعرض للجزاء والعقاب . ولقد تقنن هذا الامر مع ظهور وسائل الرقابة وإنتشارها الواسع .

من الناس من لا يأبه بالقوانين ولا تلجمه القواعد الأخلاقية كالإستعفاف وترك ما للغير وشأنه ، فهو بذلك يحطم داخله كل ما من شأنه ان يلجمه ويجنبه مخاطر إرتكاب الجرم القانونية والإجتماعية والدينية .

أمثال هؤلاء ينسجون الحيل ، ويخططون للمكر ، ويترصدون للإنقضاض وفعل الفعائل الشنيعة بإختلاف أنواعها . وتبرير معظمهم الحوجة هي الدافع ، بعد أن تغلقت كل الابواب وتحججهم كذلك ، بالعجز عن إستجلاب الرزق بالطرق الشريفة

لا بل أكثر من ذلك ، فمنهم من تتوفر لديه النعم ، مستكفي في معيشته ، ولكن رغما عن ذلك ينتابه النهم وحب الإستحواذ والشغف لجلب المذيد بشتى الطرق والوسائل . مثل هذا الصنف من الناس يتخفون وراء هندام أنيق او وظائف مرموقة او مستوى عالٍ من الحياة البذخية .

تكمن الخطورة في وجود كل تلك النماذج السيئة في مجتمع واحد ، ومع إنتشارها على المستوى العريض . فصغار المجرمين يقلدون كيارهم ويتخذونهم نموذجا او ذريعة لسكب سمومهم في المجتمع . ومنهم من ينتج فعله من تلقاء نفسه وجنوحه الذاتي للإجرام .

كنا دوما ننادي بنزاهة وإستقامة المسئولين والآباء والكبار لعكس وتوريث نموذج يحتذي به العامة والشباب والاطفال . لكن مالم يكن في الحسبان ، ان الاجيال الناشئة نجدها تأثرت باخبار الفساد وكشف الستار عن المجرمين عبر المحاكمات ومن خلال لجان محو الفساد او إزالة التمكين .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو ؛ كيف نجعل الثورة هي الهوة الفاصلة بين الفساد والإصلاح ؟ وكيف لنا ان نترجم ونجسد ذلك؟ بالتاكيد إصلاح العمل وبيانه ووضوحه وشفافيته من جهة والتشديد على الإستقامة والأمانة والاخلاص هما المطلب الأساس

ايضا وجوب الإشارة للمارسات الفاسدة و المنبوذه في مناهج التربية المختلفة وبالأخص للإطفال لتحصينهم. ، وان نجعل من الثورة الجدار الفاصل والواقي من الإنحطاط وفقدان بوصلة القيم .

يقال ان في الحياة فرص ، كما وان للشعوب كذلك فرص يجب إقتناءها وإستثمارها بطريقة مثلى ، ومن ذلك تنغيذ العقاب الرادع للمجرمين وسن القوانين الصارمة وتكثيف الرقابة كأمور لا شك في نجاعتها وجدواها . لكن الامر الهام كذلك ، ارى انه لابد من توسعة السجون او بناء سجون إضافية لتسع المذيد من المجرمين والمخالفين . ويا حبذا لو قمنا بذلك عن طريق العون الذاتي دعما للدولة المترنخة ، في محاولاتنا لتنقية المجتمع وإجتثاث بذر الفساد والإجرام منه . وهي ذات الاسس والدوافع التي الحت على ابناء الوطن عندما تبرعوا لطياعة مناهج تعليمية وتربوية جديدة .

هذا الإستثمار في مجالي التربية للأطفال ، والتاهيل بالسجن هما كفتي ميزان ، توقيته الأنسب هو الآن ، فالتوعية والإرشاد وغرس القيم وتعديل السلوكيات لبناء الجدار في هذه الهوة – بين الفساد والإصلاح – لابد وان تواكب كل الترتيبات من إتفاقيات السلام ، والتحرر الإقتصادي ، والبدء في مشارع التنمية المتعددة المرتقبة .

كما كان همنا بناء إقتصاد دولة متين ، علينا وضع اللبنات الأساسية لنشاة أجيال صالحة ، ولمجتمع سليم معافى ، ولوطن آمن في حاضره ومستقبله إن شاء الله ، ذلك بتمهيد الطريق للشباب وجيل الغد لكي يكون وطننا كما نتمناه أو كما ينبغي له ان يكون .

عِفّة أم خوف أية منهما او كلاهما معا ، النتيجة واحدة ، وهي خلق مجتمع آمن ومواطن صالح ووطن نامي بخطىً ثابتة

أما دون ذلك من نهب وسلب وإجرام كما يحدث الآن ، فهي مؤشرات ودلالات غاية السؤ ، منكرة ومدحوضة بأيدي وألسن وأقلام النبلاء وولاة الأمر . هذا الحديث لعقول واعية وأذن صاغية ، فالويل كل الويل لكل معتد أثيم ، إعتقد نفسه جبار أشر ، فليس هناك من قوة تعلو على الحق ، او إرادة الشعوب .

العزة لشعب السودان الصابر

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..