دجاجي يلقط الحب..!!

ويجري وهو غبيان. فقد يرتكب الطفل الصغير خطأ صغيرا، كأن يكسر كوبا أو يلقى الأشياء على الأرض، وعلى الرغم من أنك شاهدته وهو يفعل ذلك، وهو يعلم أنك شاهدته، فإنه قد يشير إلى شقيقه أو شقيقته بالإتهام، أو يبادر بالقول: دا ما أنا!. فإنه يظن أن مجرد إنكاره فعلته هي وسيلة مناسبة للهروب من العقاب المتوقع، مع أنها فى الحقيقة قد تضاعف عليه العقاب لأنه يكذب.

ثم ينمو الطفل ويكبر، فيصير واحد من إثنين: إما إنسانا ناضجا يعترف بأخطائه ويعالجها فينموا على جادة الصواب وإما طفلا كبيرا يظل يكذب ويرمي بلاويه على الأخرين ويشير إليهم ويردد دائما: دا ما أنا!.

وما ينطبق على الأفراد ينطبق فى النهاية على المجتمعات، والأوطان التي يؤلفها الأفراد. فإما يكون هناك مجتمع ووطن ناضج أو ما تزال تحبو وتكذب كما الأطفال الكبار الذين لم يتربوا.

إذا نظرت لهذه النظرية ستجدها ماثلة في الشعوب التي ثارت. في تونس قالوا: لقد هرمنا وهذا الذي حدث لنا بسبب بن علي، وفي ليبيا: ليبيا دفعت ثمن 42 من حكم الديكتاتور القذافي، وفي مصر: كم إتظلمنا بسبب هذا الفرعون مبارك. ونحن مكانك سر مع الإنقاذ وسنقول مثل ما قالوا وزيادة ولكن متى؟، الله أعلم!.

مثل هذه المقولات لا تترك لك سوى تفسيرين:
الأول: أن صدفة ملعونة جعلت كل تلك الشعوب التعيسة والمغلوب على أمرها ترزح تحت هؤلاء الطغاة المجرمين.

الثانى: أن ثمة قانونا مجتمعيا جعل هذه ظاهرة مشتركة، أو هنالك تفسيرا إجتماعيا يوضح لماذا جثمت تلك الأنظمة المستبدة على صدور تلك الشعوب.

إن أخذت بالتفسير الأول (الصدفة)، فالمشكلة بسيطة وليس عليك سوى أن تغيّر رأس النظام فتنتهى المشكلة. ولكن هذا التصور خاطئ لأن الصدفة لا يمكن ان تكون جهنمية لهذه الدرجة، وأن تلك المشاكل لم تنتهي بعد في تلك الدول التي غيرت رؤوس أنظمتها.

إذا التفسير الثانى هو الأكثر واقعية. فإذا أخذت به ربما تصل إلى أصل الداء.
التفسير هو أن أصول الإستبداد قائمة فى جذور ثقافتنا نفسها. الثقافة الحالمة بإنطباعية و التى طالما تتمنى عودة الزمن أو ظهور (المستبد العادل)!، وضيعناك وضعنا وراك. بالطبع لا يوجد مستبد عادل ولكن هي ثقافة الإستبداد التي يتوجس فيها المواطن من كلمة (الحرية) قدر توجس الحاكم المستبد نفسه من الكلمة.
لإجراء إختبار سريع: إسأل نفسك أو أقرب واحد لك عن: هل تود السودان أن تكون بلد الحرية؟. ستقول لنفسك أو سيرد عليك: نريد حرية ولكن بضوابط، وماهي الضوابط؟ لتجد نفسك أنك ولجت في مستنقع يضيع فيه مفهوم الحرية لتصب الرؤية مع نفس مفهوم المستبد الظالم الذي يحكم. فهل هناك من داع لنيل الحرية!.

إذا إنها ثقافة الإستبداد التى يطالب فيها المواطن برقابة الحكومة قبل أن يعرف حقوقه و حدود القانون. إنها الثقافة التي يستفز فيها المواطن المشاهد لحبيبين متشابكي الأيدي، بأكثر مما يستفزه مشهد شاب يشاغل بنت ناس بجانبه ويتحرش بها في الشارع. وقد يزيد: هي طالعة من بيتهم ليه!.

وبالتالي تجد الكثير من الأخبار التي تظن أنها كفيلة بإسقاط النظام كجلد وإعتقال وإغتصاب وإغتيال الحرائر، والقصف العشوائي على المواطنين الأبرياء في جبال النوبة والنيل الأزرق والذي يقطع “نياط القلب”، وغيرها، ولكنها رغما عن ذلك لا تحرك ساكنا في المجتمع ليخرج عفويا ولو للتعبير فقط عن الإمتعاض لهذا الوضع.

إذا مشكلة المجتمع يثبت أنه طفولي بثقافته التي جاءت بهذه الحكومات الطفولية والمتطفلة.
فبالمقابل نجد الطغمة الحاكمة نفسها تتخذ نفس النهج و تسيق نفس الأعذار الطفولية، وتعتبر من تخاطبهم من المواطنين اطفال ولديهم قنابير وريالتهم سائلة. ففي أي محنة أو مصيبة تدخل فيها البلاد تقول: دا ما أنا، ودي مؤامرة ضد الإسلام، وأصلو نحن مستهدفين من إسرائيل و..و…

أزمة العقل الطفولي إنه يعادي نفسه بالجهل ولكنه قد يتعلم من الأخطاء وينضج كلما إزداد وعيا. فالطفل إذا لمس شيئا حارقا تذكره و لن يلمسه بعد ذلك. أما المجتمع الطفولي يعلم الخطر ولكنه يظل يندفع ويجري وهو فرحان بسذاجة في وادي الذئاب.

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..