انجلينا جولي: حياة هوليوود ليس تحياتي… ومنذ ان شاهدت حرباً مشتعلة تغيرت الى الأبد

هوليوود من حسام عاصي:

مرتدية ثوبا من الدانتيل أزرق اللون ماركة )دولشي أند غابانا( وحذاء نسائيا مفتوحا ماركة )جيانفيتو روسي(، عبرت جولي بكل هدوء وتواضع وثقة بالنفس إلى غرفتها في فندق الفورسيزنز الواقع في بيفرلي هيلز.
لا تعكس هذه الحسناء بأي حال من الأحوال الصورة النمطية للمرأة العاملة في الحقل الرسمي، ولكن اهتمامها وعواطفها وجهدها المكرس في دعم ضحايا الكوارث الطبيعية والصراعات السياسية أكسبها الكثير من الاحترام والتقدير، فسميت في العام 2011 كسفيرة للنوايا الحسنة من قبل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ومنحت في العام 2007 عضوية مجلس العلاقات الخارجية لذوي الشأن الرفيع.
وبشكل مغاير للعديد من نجوم هوليود الذين يقتصرون في دعمهم للقضايا الانسانية على تقديم التبرعات العلنية، قامت جولي التي تدير عديداً من حملات التبرعات – بالانخراط الفعال في حشد دعم وتأييد قادة العالم لهذه القضايا فضلا عن التوعية بها عبر وسائل الإعلام.
‘أعتقد أنني أتأثر بشكل كبير إن لم أكن بطريقة أو بأخرى قادرة على الإسهام في الحل وتسليط الضوء على تلك القضايا خلال زياراتي للبلدان المختلفة. أنفجر بالبكاء في عديد من الأحيان وأفقد القدرة على النوم في أحيان أخرى وأنا أفكر بما يمكنني عمله وكيف يمكن لي الإسهام في إيجاد الحلول.’
وقد كشفت جولي لي أنها بالإضافة لزيارتها لأحد مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا الصيف الماضي، فإنها تعمل بهدوء من وراء الستار وتتحدث إلى السياسيين العرب والدوليين وتحثهم على العمل من أجل تخفيف معاناة الشعب السوري ودعمه في نضاله من أجل الديمقراطية.
كنت كلما تعمقت بالحديث مع جولي كلما ازددت إعجاباً بشجاعتها وابتعادها عن الخوف، وقد زارت جولي عددا من أكثر المناطق سخونة في العالم كمدينة مصراتة الليبية أيام حصارها لدعم أبنائها في مواجهة القذافي دون أدنى اكتراث بمخاطرالحرب ، كما قبلت بكل رحابة صدر التقاط صور تذكارية لها برفقة عدد من المعجبين العراقيين حين زارت بغداد التي يضربها الارهاب وتطول القائمة بما لا يتسع المجال لذكره في هذا المقال.

إبنة نجم هوليوود جون فويت وعارضة الأزياء الفرنسية مارشلين بيرتراند لم تعش معاناة كتلك التي يعيشها هؤلاء الذين تحاول مساعدتهم ولا كانت على اطلاع على الصراعات الجارية في العالم الواقع خارج محيطها في مسقط رأسها في لوس أنجلس. لقد عرفت في الحقيقة كطفلة هوليوود البرية بسبب سلوكها الصارخ أمام وخلف الشاشة كأن تصل إلى حفل زفافها الأول مرتدية قميصاً مكتوب عليه بالدماء اسم عريسها جوني ميلر، أو محيطة عنقها بزجاجة فيها دم من زوجها الثاني بيلي بوب ثورنتون وواشمة جسمها بوشم غريب الشكل مشوهة إياه بمجموعتها الخاصة من السكاكين.
لم يكبح فوزها بجائزة الأوسكار للعام 2000 عن قيامها بتجسيد دور ليزا رو المختلة في فلم ‘غيرل إنتربتد’ من روحها الجامحة، إلا أن نقطة التحول كانت أثناء وقوفها على مأساة اللاجئين في الحرب التي مزقت كمبوديا أثناء تصويرها فلم لارا كروفت.
تقول جولي ‘ لقد تغيرت وللأبد منذ المرة الأولى التي زرت فيها منطقة حرب مشتعلة. لن أكون عبثية مرة أخرى. لن أسلم بشكل تلقائي أنني أمتلك ما يكفي لإطعام أبنائي وأنهم بمأمن. لن أعود مرة أخرى للتفكير بتلك الأشياء التي غالباً ما تشغل أذهاننا في هذه المدينة تقصد لوس أنجلس- على وجه الخصوص، حيث ترى الناس متوترين لأسباب غير ذات أهمية في الحياة. لذلك فأنا ممتنة أنني ولسنوات خلت تواجدت وسط مناطق تشهد نزاعات، حيث تعرفت وجهاً لوجه إلى حقيقة ما يحدث في العالم’
بعد أن زارت ما يربو على أربعين بلداً خلال السنوات العشر الماضية ضمن جهودها للتوعية بالمآسي الإنسانية التي تحصل في العالم، قررت سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة أن تنتج فلماً حول الحرب البوسنية التي وقعت في أوائل التسعينيات، حيث حصلت بعض أفظع الانتهاكات بحق الرجال والنساء بينما بقي المجتمع الدولي مدة ثلاث سنوات مكتوف الأيدي يراقب بعجز ما يجري قبل أن توافق الولايات المتحدة على قصف المواقع الصربية.
يروي فيلم ذا لاند أوف بلود آند هوني )أرض الدم والعسل( قصة زوجين – دانجيل )جوران كوستيك( ضابط الشرطة الصربي البوسني وأجلا )زانا مارجانوفيتش( الفنانة البوسنية المسلمة اللذين تمزقت علاقتهما العاطفية كما بلدهما بفعل الحرب وانتهى بهما المطاف متفرقين على جانبي الصراع. وبعد أن تم اعتقال أجلا من قبل صرب البوسنة التقت وجهاً لوجه مع دانجيل الذي كان حينها قائداً للجنود المتورطين باغتصاب وقتل أبناء شعبها. تنازعت مشاعر دانجيل ما بين حبه لأجلا ووفائه لشعبه، وحاول أن يمشي على حد السكين لحماية حبيبته دون أن يخون شعبه.
كانت النجمة العالمية في السابعة عشر من عمرها حين اندلعت الحرب في البوسنة وكانت حدود معرفتها بمجرياتها غاية في البساطة، وعندما حاولت أن تفهم ما جرى قامت بقراءة مكثفة حول الموضوع والتقت بمسؤولين في الأمم المتحدة والحكومتين البوسنية والأمريكية وعدد من الصحافيين الذين قاموا بتغطية الحرب كما التقت بعدد من ضحاياها.
‘كلما بحثت وقرأت حول يوغسلافيا السابقة كلما تأثرت عواطفي بشكل أكبر وشعرت بخجل بسبب محدودية معلوماتي’.
وللهفتها الشديدة لإيجاد أجوبة حول الطبيعة البدائية للإنسان الذي تمكن من ارتكاب هذا القدر من العنف ضد الآخرين – النساء على وجه الخصوص – وعجز المجتمع الدولي عن الاستجابة لواجب حماية ضحايا العنف، كتبت جولي ذلك السيناريو على سبيل التأمل الشخصي دون أي نية لتحويله إلى فيلم.
تؤكد الممثلة الحائزة على جائزة الأوسكار: ‘لم يخطر ببالي مطلقاً أن أعمل كمخرجة، ولكن أصبح ذلك فجأة أمراً واقعاً حين قرر أناس من مختلف أطراف النزاع الاجتماع وصناعة الفيلم ووجدتني مضطرة للقيام بذلك حين شعرت أنها قصة هامة وعلي المثابرة من أجلها’.
لكن مقاومة شديدة لمشروع جولي ظهرت سريعاً في البوسنة بعد أن نشرت الصحافة على نحو زائف أن جولي تنوي إنتاج فيلم يتحدث عن قصة حب بين امرأة مسلمة ومغتصبها الصربي، عمدت جولي مراعاة منها لحساسية الموضوع إلى اطلاع مسؤولين بوسنيين على نص الفيلم، وقام هؤلاء في نهاية المطاف بالموافقة عليه ومنحوها الإذن لتصوير المشاهد الخارجية المطلوبة له. غير أنه تم تصوير معظم أجزاء الفيلم في هنغاريا المجاورة، حيث توفرت هناك محاكاة أفضل للمواقع البوسنية وبشكل خاص مدينة سراييفو التي تشوهت ملامحها بفعل الحرب.
‘لقد انتهت الحرب قبل خمسة عشرسنة فقط وما زالت المشاعر متأججة و لدي قدر كبير من التعاطف مع الناس الذين ما يزالون متوترين، لكنني طلبت من الناس أن يمنحونا الفرصة لنروي الحكاية. إنه من المحبط أن لا يتفهم أحد ما نواياك أوأن يتهمك بشيء معين ـ لكن عليك دائماً أن تبقى متماسكاً وأن تؤمن بأن قلبك ما يزال في المكان الصحيح وان الحصيلة النهائية ستكون كما كنت تنوي وعندها سيكون الناس متسامحين’.
كي تضمن جولي الأصالة والتوازن في روايتها للحكاية، قامت باختيار ممثلين ينتمون لأطراف النزاع كافة ومن خلفيات متعددة، وباستماعها لحكايا الممثلين عن الحرب عمقت من معرفتها وفهمها للصراع مما ساعدها على إخراج الفيلم بصورته النهائية.
‘كان مهماً لي بشكل كبير أن يكون فيلماً يرغبون بتأييده ويشعرون معه أنه من الجيد والمفيد أن يطرح الموضوع للحوار’.
بالرغم من قناعتها الراسخة بنزاهة الرسالة التي يتضمنها الفيلم انهارت جولي تماماً قبل أسبوع من بدء العرض الأول له تحت تأثير الضغط الكبير لواجب أن تكون منصفة تجاه ضحايا تلك الحرب الشنيعة.
‘براد بيت وجدني أبكي وقلت أنني أخاف من كوني فشلت. أخاف من أنني فشلت في هذا الأمر بينما وضع هؤلاء الناس ثقتهم بي. لم أشعر بهذا القدر من الضغط قبلاً لأنني لم أقم مطلقاً بعمل يعنيني بهذا الشكل وفيه الكثير من الناس الذين أهتم لأمرهم والذين هم أصدقائي الآن – بينما البلد بأكمله يشاهدنا. لكنني حاولت أن أعيش حياة جيدة ونزيهة وأن أركز اهتمامي على عائلتي وأن أبذل ما في وسعي’
في الواقع فإن جولي وزوجها الشهير براد بيت متعلقون بشكل كبير بأبنائهم الستة ويصطحبونهم أينما رحلوا، وقد رافق براد والأولاد جولي أثناء تصويرها فيلم )أرض الدم والعسل( في هنغاريا.
‘أتوا إلى هنغاريا وارتادوا المدرسة وكانوا يزورون موقع التصوير عقب انتهاء الدوام المدرسي’ تقول مبتسمة. ‘أثناء الاستراحات كان أفراد الطاقم يلعبون الكرة مع أطفالي وكنا نضحك جميعاً حينها. كنا نقوم بأي شيء ممكن أن يجلب المرح وبعض المحبة حيث كان الظلام مخيماً. بعيداً عن موقع التصوير كنت سعيدة مع أطفالي، أحضنهم وربما أضغط عليهم بحب زائد نتيجة طبيعة موضوع الفلم’
خلال ساعة اللقاء تلك تحدثت إحدى الممثلات البالغة من العمر 37 سنة باهتمام وفهم عميقين وقلق صريح عن مشاكل العالم بدءً من أزمة الديون في أوروبا وصولاً إلى الثورات في الشرق الأوسط، ومن معسكرات الاغتصاب في الكونغو والمجاعة في أفريقيا وحتى مأزق اللاجئين في كمبوديا.
‘أنا قلقة بشكل بالغ فيما يتعلق بالمستقبل’ صاحت جولي كملكة تتفكر في أمرمملكتها.’أشعر أنك يجب أن تكون متفائلاً بطريقة ما لأنك إن فقدت الأمل فستخسر كل شيء وسنبدأ في التدهور’.
لم يكن هناك أي غرور ملموس في صوت جولي رغم كلماتها الجازمة المهيبة. بل على العكس تتحدث الناشطة الانسانية الشهيرة بتواضع مطلق وبراءة صادقة ونكران كامل للذات.
تقول جولي: ‘أنا أحاول فقط أن أكون شخصاً جيداً وأن أطلع على كل جوانب الحياة’ وتضيف: ‘كلانا يعيش حياة هوليوود لكنها ليست حياتنا، ولذلك أحاول أن أمنح نفسي فرصة الاطلاع والسفر. لقد أحببت كوني ممثلة وأقدر النعمة التي حصلت عليها بكوني جزءً من هوليوود، لكن ذلك لا يعدو جزءًا صغيراً مما يحدث حول العالم، وبالتالي لم تشكل هذه التجربة خسارة لي أبداً’
أصرت جولي بعد كل ما خبرتني به أن عائلتها تتقدم على أي أولوية أخرى في حياتها.’ عندما أستيقظ من النوم أكون أماً قبل أي شيء آخر’ قالت جولي مبتسمة.

القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..