أخبار السودان

السودان: سلطة هلاميّة تسترخي فوق كوم من الرماد

تعرضت تظاهرات 25 تشرين الأول/اكتوبر التي جرت بمناسبة مرور عام على انقلاب 25 تشرين الأول/اكتوبر 2021 وفض الشراكة بين العسكريين والمدنيين، لقمع تميّز بالقسوة الشديدة والعنف المفرط. وظل هذا الأسلوب هو الطابع الملازم لأسلوب السلطات السودانيّة في تصديها للاحتجاجات المعارضة لها، فاستخدمت الرصاص المطاطي والقنابل الصوتية والاعتقال التعسفي والتعذيب، بل والقتل أثناء الاعتقال، ومن بينها اغتيال الصبي قاسم أسامة (20 عاماً) وعدد من الإصابات التي وردت تفاصيلها في تقرير صادر عن لجنة أطباء السودان المركزية والتي رصدت 185 إصابة، هي التي سجلتها المستشفيات، غير تلك التي تم علاجها ميدانيّاً، منها إصابتان في الرأس بأجسام صلبة.

سلاح الاوبلن

أما الذي يجعلنا نلح على تناول العنف المفرط فهو ما ورد عن تعرّض متظاهرين قبل تظاهرات 25 تشرين الأول/اكتوبر الجاري مما أورده «محامو الطوارئ» في تقاريرهم الدورية عن استئصال عين نتيجة لاستخدام الحصى كمقذوف ما يعرف بسلاح الاوبلن وهو ما تمخضت عنه عبقرية الشرطة الوحشية في حشو قاذفات البمبان بالحصى والزجاج وإطلاقها على المتظاهرين من مسافة قريبة.
ويضيف تقرير «محامو الطوارئ» أنه «على إثر ذلك رصدنا أربع حالات خطيرة، ثلاث منها في امدرمان والرابعة في الخرطوم وتأكدنا ان الشرطة استخدمت صامولة بدلا الحصى، ونتج عن الإصابات خضوع المصابين لعمليات جراحيّة».

تقرير خبراء أمميون

وفي إطار مرور عام على الانقلاب طالب 17 من خبراء حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة عشية الذكرى الأولى للانقلاب بإجراء محاسبة فعالة للحملة القمعية الوحشية التي امتدت طوال العام ضد الاحتجاجات السلمية المعارضة للانقلاب العسكري الذي وقع في تشرين الأول/اكتوبر 2021 لكسر حلقة الاضطرابات الشرسة في البلاد، ودعا الخبراء الأمميون أيضًا إلى قيام آلية مستقلة للمساءلة والعدالة الانتقالية مع تفويض بمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة أثناء الاحتجاجات.
ومضى الخبراء يقولون في تقريرهم الصادر يوم 26 تشرين الأول/اكتوبر الجاري «على مدار العام الماضي، تلقينا تقارير متواصلة عن مقتل متظاهرين واختفاء قسري وإصابات وتعذيب وتعرض للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الجندر)». وأضافوا إن محاكمة الجناة، بمن فيهم من القادة رفيعي المستوى المسؤولين عن هذه الانتهاكات، أمر بالغ الأهمية لضمان انتقال سوداني مستدام إلى حكومة مدنية ديمقراطية ذات مصداقية.
ودعا الخبراء إلى إنشاء «آلية مساءلة مستقلة وفعالة ومزودة بموارد كافية تركز على الضحية بشكل أساسي» وتتصدى للانتهاكات الجسيمة المبلغ عنها فيما يتعلق بقمع الاحتجاجات السلمية منذ الانقلاب العسكري. وحث الخبراء كذلك على اتخاذ تدابير جادة لإنهاء التحقيقات من قبل لجنة التحقيق الوطنية التي تم تشكيلها سابقًا في جرائم فض الاعتصام (اللجنة التي يرأسها المحامي نبيل اديب) وتحقيق العدالة لضحايا الجرائم الخطيرة أو التي ارتكبت خلال احتجاجات 2019.
وقال الخبراء في تقريرهم: «إذا لم تتم معالجة هذه الفظائع، وإذا حُرم الضحايا مرة أخرى من العدالة والتعويضات، وإذا لم تُسمع أصوات المتظاهرين، فستستمر دورة الاضطرابات السياسية والقمع الوحشي في السودان .»
وكان خبراء الأمم المتحدة قد قرعوا ناقوس الخطر مرارًا وتكرارًا، بشأن التقارير المتعلقة بالاستخدام غير القانوني والمفرط للقوة والاعتقالات، حيث السلطات العسكرية تقوم بقمع الاحتجاجات السلمية منذ الانقلاب.
وحسب ما ورد، استخدمت قوات الأمن المشتركة بانتظام القوة المميتة، إما بشكل مباشر أو بإطلاق النار العشوائي على المتظاهرين. وتسببت التكتيكات غير القانونية في مقتل ما لا يقل عن 117 متظاهرا وإصابة ما يقدر بنحو 7700 بينهم آلاف الأطفال، بإصابات خطيرة، بناء على حالات موثقة من قبل ممارسين صحيين سودانيين. وكانت غالبية الإصابات ناجمة عن استخدام الأسلحة النارية أو قنابل الغاز المسيل للدموع.
وواصل تقرير الخبراء يقول «نحن قلقون للغاية من أنه نتيجة لذلك، أصيب بعض المتظاهرين بشلل دائم أو طويل الأمد وتعرّضوا لبتر أطرافهم وفقدان البصر وقلع العيون».
وقال الخبراء إن هناك «مؤشرات مقلقة على أن العديد من القتلى والجرحى في سياق الاحتجاجات كانوا ضحايا لهجمات مستهدفة.»
وأثار الخبراء مخاوف جدية من اعتقال المئات، بينهم نساء وأطفال، لممارستهم حقهم في التجمع السلمي، ومن دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
وحسب ما ورد تعرض العديد من المعتقلين للتعذيب وسوء المعاملة في الحجز، بينما اختفى بعضهم قسراً أو احتُجزوا سراً. وقال الخبراء إنه يجب التحقيق في هذه الحالات بشكل شامل ومستقل وعلى السلطات الكشف على الفور عن مصير ومكان وجود المتظاهرين المفقودين. وقال الخبراء إن هناك أيضا تقارير عن تعرض النساء للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الجندر) بما في ذلك الاعتداء والاغتصاب الجماعي، في مواقع قريبة من الاحتجاجات أو أثناء الاحتجاز.
وقد ارتكبت هذه الانتهاكات في ظل تدابير طارئة مطولة، مما أعطى سلطات موسعة وحصانة من الملاحقة القضائية لقوات الأمن.
وقال الخبراء: «إن الاستخدام المتكرر للأساليب القمعية ضد المتظاهرين السلميين يؤكد بقوة الحاجة إلى المساءلة وإصلاح قطاع الأمن والعدالة، بما في ذلك التعويضات، لضمان أن يتمكن الناس من ممارسة حقوقهم الأساسية والمشاركة بفعالية في التحول الديمقراطي في البلاد».
وأورد التقرير ان»غياب المساءلة عن الجرائم المزعومة له تأثير مخيف على حق الناس في حرية التجمع السلمي والمشاركة في الشؤون العامة».
وحث الخبراء المجتمع الدولي على ضمان أن تكون المساءلة أساسية للمحادثات السياسية الجارية والعملية الانتقالية في البلاد. كما دعوا المجتمع الدولي إلى ضمان مشاركة المجتمع المدني والضحايا في المحادثات السياسية.
وطالب الخبراء الـ17 السلطات العسكرية الامتناع عن قطع الإنترنت والاتصالات قبل أو أثناء أو بعد الاحتجاجات.

الخبراء المشاركون

والخبراء الذين شاركوا في إصدار التقرير هم: كليمان نيالتوسي فول، المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات؛ إيرين خان، المقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير؛ ماري لولور، المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان؛ ميريام إسترادا كاستيلو (الرئيسة – المقررة)، ومومبا ماليلا (نائب الرئيس) وإلينا شتاينرت، وبريا غوبالان، وماثيو جيليت، الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي؛ دوروثي إسترادا تانك (رئيسة) وإيفانا راديتش (نائبة الرئيس) وإليزابيث بروديريك، وميليسا أوبريتي، وميسكيرم جيسيت تيشان، الفريق العامل المعني بالتمييز ضد النساء والفتيات؛ آوا بالدي (الرئيس – المقرر) وغابرييلا سيتروني (نائب الرئيس) ولوتشيانو هازان، وأنغانا نيلابيجيت، وغرازينا بارانوسكا، والفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي.
وهؤلاء الخبراء هم جزء مما يعرف بالإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان. والإجراءات الخاصة، التي تعتبر أكبر هيئة للخبراء المستقلين في نظام الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، هي الاسم العام لآليات المجلس المستقلة لتقصي الحقائق والرصد .
وقد دعت الفيدراليّة الدوليّة لحقوق الإنسان «FIDH» والمركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام «ACJPS» والمرصد السوداني لحقوق الإنسان «SHRM» إلى وضع حد فوري لاستخدام القوة من قبل قوات الأمن السودانية، التي يجب أن تحمي كل المدنيين.
وأدانت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان وأعضاؤها الافتقار إلى الشفافية في الاتفاقات السياسية التي تتم صياغتها، وطالبت الجهات الفاعلة احترام الإدماج الكامل للمجتمع المدني، وضمان احترام مطالبته تجاه الانتقال المدني.
وأعلنت أليس موغوي، رئيسة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، أن «الأزمة الحالية في السودان والعنف المتصاعد فيه، يؤكدان على الحاجة إلى انتقال عاجل إلى نظام ديمقراطي يستجيب لاحتياجات الشعب ويخضع للمساءلة».
ومنذ الانقلاب، تدهور الوضع الأمني بشكل مستمر في جميع أنحاء البلاد. وشعرت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان وأعضاؤها بقلق عميق من تصاعد العنف في النيل الأزرق حيث قُتل ما لا يقل عن 220 شخصًا مؤخرًا. وتدعو الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان وأعضاؤها إلى إجراء تحقيقات مستقلة حتى تتم محاسبة جميع الجناة وإحقاق العدالة للضحايا.
وقد اتهمت وزارة الداخلية من خلال بيان أصدرته مساء 25 تشرين الأول/اكتوبر الجاري يحمل ترويسة الوزارة ورئاسة قوات الشرطة وتوقيع المتحدث الرسمي باسم الشرطة، اتهمت من اسمتهم بالقوات المدربة بتشكيلات عسكرية وجماعات منظمة ومتمردة ومتفلتة وخلايا نائمة تتبنى العنف والتخريب بتسليح كامل بأسلحة نارية وبيضاء وعبوات غاز تحت تأثير المخدر والمواد السامة.

انتفادات قانونية

وأشار أحد المحامين (المحامي سمير شيخ ادريس) ان ذلك يفترض أنه قد تم القبض على كل أو بعض منسوبي هذه القوات المدربة وتحرير الأسلحة المذكورة وإجراء فحص المخدرات على المقبوضين ومن ثم تقييد البلاغات في مواجهتهم بعد التحريات الدقيقة تمهيدا لتقديمهم للمحاكمة، غير أن البيان والمضابط الشرطية السابقة لم تشر لأي من ذلك.
وكانت السلطات في السابق تتحدث عن طرف خفي أو ثالث بين المتظاهرين يتحمل ارتكاب حوادث القتل والعنف واقتحام المنازل يختبئ بين المتظاهرين وذلك درءا لأي اتهام ضد منسوبيها على الرغم من ثبوت عدد من الاعتداءات الموثقة لمنسوبي الشرطة وبقية الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين.
وما دام البيان صادر عن وزارة الداخليّة فإن هذا يدل على ان أجهزة الوزارة هي التي تدير المشهد السياسي للبلاد إذ أن البلاد ظلت بلا حكومة على مدى عام كامل.
وأخيرا يبدو ان رهان السلطة على الاعتماد على دور عنصر الزمن في إرهاق رافضي الدكتاتوريّة ودفعهم للانسحاب قد صار رهانا ضعيفا ان لم يصر خاسراً.

القدس العربي

‫2 تعليقات

  1. الحل تدخل الامم المتحدة تحت البند السابع لحماية المدنيين في السودان واقتياد البرهان وحميدتي وكل العفن في المجلس الانقلابي وكل ما يسمي بالحركات المسلحة الي لاهاي وتكوين قوات مسلحة وشرطة وامن من الضباط الوطنيين الاحرار…

    1. اوافقك الرآي تماما.. ويوضع السودان تحت الإدارة الاممية لمدة ثلاثة سنوات لازالة التشوهات الاجتماعية.. والاقتصادية العميقة التي ادخلنا فيها الانقلاب.. ومحاكمة هؤلاء القتلة المجرمين…
      اصبح الخواجة احن وارحم على المواطن من هؤلاء اللصوص وقادة الجيش والشرطة..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..