رمتنى بدائها و انسلت

رمتنى بدائها و انسلت

ابراهيم بخيت

على قدر ما حاولت و بحثت فى الامثال و الاقوال و الشهادات عن عنوان اتوج به هذا المقال لم اجد من بينها الموافق و المتوافق مع ما يحمله من مضامين سوى ” رمتنى بدائها و انسلت ” و هذا حال الكاتبون المتباكون على ضياع هيبة الدولة من المنظرين الحضاريين البدريين و من الصحفيين الكتبة . و مع علمى بانه اصبح عنوانا كثير الترداد و كاد ان يكون ممجوجا الا انه فى هذا المقال ينطبق وقع الحافر على الحافر فى ما قال به احد فراعنة و عتاة المؤتمر الوطنى . هذا الجهبذ يريد ان يقول للمواطنين ان نظامه الحاكم يعرف و بتفاصيل دقيقة كل العيوب والمثالب التى يمكن ان تهوى باى نظام الى مزبلة التاريخ . و يريد ان يؤكد ان نظامه مبرأ منها ، و لكنه فى قرارة نفسه يعلم تماما مجافاته لكل القوانين و التقاليد و الاعراف الانسانية و بعده تمام البعد عن تعاليم كل الديانات الارضية و السماوية و على الاخص تعاليم الدين الاسلامى . و لانه لا يريد ان ينكأ جراح المواطنين بتاريخ حزبه الطويل فى الحكم المجافى لطبائع البشر والبعيد كل البعد عن اخلاق و طبائع و مثل وقيم السودانيين حتى قال فيهم المرحوم الطيب صالح قولته تلك الشهيرة . ما اورده هذا الجهبذ من دفاع عن نظام الحكم الذى يرفل فيه بالجاه و السلطان و الثروة . وفوق كل ذلك بالحرية التى تسمح له باطلاق لسانه على طوله فى اخص ما يخص الاخرين و تحقيرهم دون خشية من منع النشر او أى قضاء يقضى لمقاضييه بالعدل و الانصاف . دخل على موضوعه مدخلا يكشف تماما منهجه الاستعباطى لقارئيه و لا اقول للمواطنين عموما . وقارئوه على قلتهم – و انا منهم – تنفجر دواخلنا بالضحك اشفاقا عليه كونه اوحل نفسه فى ما لا يريد . و اصبح مثل القرموط يحاول ان يتنظف منه، بالتنكر اليه ، و فى ذات الوقت يتلذذ بوجوده فى “طراوة” و”حلاوة” و”رطوبة” ذات الوحل الحضارى , و هو إن درى او لم يدر فلا احدا يحترم من اوقع نفسه بنفسه فى الوحل و صار متسخا بعطنه و روائحه . و هذا العطن و هذه الروائح ليست بالخافية عنه لا عن غيره فهى تمشى بين الناس فى الاجهزة الاعلامية و فى عيون البسطاء الذين يكابدون شظف العيش و يرون الفارهات الجياد تتمخطر مزدرية بكل التقارير و توصيات اللجان و مسنودات الوثائق بختم و توقيع المراجع العام .لماذا يريد اى عاقل من المواطن او اى كائن ان يحترم من يزدريه و يرسل امانيه و تطلعاته الى العدم من خلال الاستغفال و الاستهبال و الاحتقار لكل قانون او دستور او عرف او علاقة انسانية . فانظر يا رعاك الله ماذا فعل و يفعل المؤتمر الوطنى بالوطن و المواطن . و من اين تكتسب السلطة احترام المواطن ان كانت هى ذاتها لا تحترم هيئاتها و منظماتها و دستورها و قوانينها التى صاغتها بنفسها و ارتضتها . و استرجع ايضا كيف ان القضاء على كافة درجاته يصدر حكما لا تلتزم بتنفيذه السلطة التنفيذية لاهداف سياسية ” قضية مفصولى البنوك واحدة و ليست وحيدة” حسنا دعونا من القضاء و العدل و للنظر كيف تسير كل وحدات و هيئات و دواوين الدولة بعيدا عن كل ملزم من قرار او قانون او دستور او لوائح . تصدر السلطة فى اعلى مستوياتها الرئاسية امرا و ليس قرارا بمنع الجبايات و الرسوم خارج مواعينها و ارانيكها المعرّفة و المعروفة التى يمكن رصدها وحساب عائداتها و منافذ صرفها ، فلا تلتزم اية جهة بهذا الامر حتى الجهات التى عليها المتابعة مثل وزارة الداخلية . لن نسأل عن كيف استطاعت هذه الوزارة السير بارانيكها للجبايات و الرسوم بين الناس و فى الشوارع حتى تلك القريبة جدا من القصر الجمهورى . و هنا يحق للناس السؤال لماذا على المواطن احترام اى مسئول لا يحترم قرارات و اوامر رؤوسائه على اعلى درجاتهم و لا ينصاع لهم ،و لا يتعامل معه بموجب نصوص الدستور و القانون ؟ او كيف يمكن للمواطن ان يفهم ان نصوص الدستور و بنود القوانين تخص و لا تعم ؟ حين يرى رجال القانون هم اول من يخرقونه فى الشوارع او فى غيرها من الاماكن و المواقع التى يجبر المواطن على الوقوف امامها لقضاء حوائجه. و متى كان المواطن يذهب الى مواقع المسئولين ليشتمهم دون سبب ؟ و كيف للدولة ان تفرض هيبتها اذا كان قادتها و قياداتها لا يأبهون لما يصدر عنها ؟ او ان ذات هذه القيادات هى من تصدر القوانين و القرارات و الاوامر التى تقود الناس قودا لمخالفتها حتى تستطيع ان توقع بهم العقوبة القاسية اعتقادا منها انها بذلك تحقق هيبتها ؟ و اليكم كل القوانين المقيدة للحريات و المانعة للتحول الديموقراطى التى تحاور فيها الشريكان قبل الانفصال ردحا طويلا من الزمن و خرجا منها بمصفوفة صفّت فى دار الوثائق . او اليكم قوانين الحركة المركونة و التى يتعامل بغيرها رجال الشرطة بمفهوم ” الربط” و الحوافز . كيف يخفى رجال الحركة اجهزة الرادار حتى يقع السائق فى المخالفة و تتم عقوبته بدلا عن توعيته ؟ لا بل كيف لرجل الحركة ان يكون خصما و حكما فى ذات الوقت باورنيك سداد مخالف لقانون المحاسبات ولا يعرف احد اين يذهب ريعه ؟ نحن نتفق مع القائل ان هيبة الدولة تغيب عندما” لا يتورع شرطيُُ كلف بتنظيم حركة السير لقبول الرشاوى للتغاضي عن المخالفات المرورية، ويفقد من ولي أمراً الإحساس بالمسئولية، فلا يتردد من بيع ضميره، فيشهد زوراً ويحكم ظلماً، وتنشط عصابات السرقة والنهب والسطو على الأموال” و لكننا نضيف انصافا لشرطى الحركة انه “عبد” المأمور الذى يأمره بجبر المخالفة بالمال و كلما كثرت المخالفات كثر ريعها ؟ أليس هذا سطوا على اموال الناس و باسم الاوامر السلطانية و ليس القانون ؟و كيف للمواطن ان يحترم من يمكن ان يسكته المال و يسعده الخطأ او تكرار المخالفات ؟ خلاصة القول ان مفهوم هيبة الدولة يقوم على عنصرين: اولهما الاحترام المرتبط بالقانون المعافى من الاستثناءات والمزاجية والاعتباط. و ثانيهما الرهبة والخشية و التخويف لصالح مواطنيها و على اللصوص و ليس عليهم ، و الانسان قد يخاف من العصابة و لكنه لا يحترمها و الدولة القمعية مخيفة ومكروهة، و منذ عقدين و يزيد من الزمن استولى المخيفون على الدولة و المال و السلطة ، فاصبح المخيف يسرق و الخائف يسكت . و هكذا ضاعت هيبة الدولة على يد المخيفين . و لا يمكن استعادة هذه الهيبة فقط “بملاحقة العابثين بالكلمة ” و لكن بالعابثين بدستور و قوانين الدولة . و الاهم من كل ذلك فى واقعنا اليوم هو استعادة الدولة ذاتها لتكون مؤسسة عامة لكل السودانيين على مختلف رؤاهم و آرائهم و معتقداتهم و عقائدهم . مؤسسة عادلة تحترم قوانينها و دستورها مبرأة من الاستثناءات و فقه الضرورة او السترة . و لكن الحال اليوم معكوس ، فالداء فى نخاع القائمين على صيانة هذه الهيبة الذين قدّسوا مكون العنف و جعلوه اكثر حضورا من المكون المعنوى و القانونى .

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لقد القمت ربيع عبد العاطى احجارا ,, والله لو كنت فى مكانه لتركت الكتابة وللابد بعد قراءة مقالك المفحم هذا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..