المكتبة السودانية :هكذا تكلم مولانا ابيل الير …(2-12)

مؤتمر جوبا 1947م
جاء مؤتمر جوبا ردا على الاداريين البريطانيين في الجنوب ممن كانوا يتهمون الحكام الانجليز في الخرطوم بخيانة أهل الجنوب , وجاء أيضا ردا على الراي العام المستنير في بريطانيا الذي كانت تعكسه جمعية الفابيان , ومناداتها بان يرجا قرار السيادة حول الجنوب حتى يتمكن اهله من الافصاح عن امانيهم الوطنية .
وقد انعقد المؤتمر في خريف 1947م , واشترك فيه بعض السلاطين الجنوبيين , وصغار الموظفين , وضباط صف البوليس , ممن كانوا يعتبرون طليعية الزعامة المثقفة والتقليدية في الجنوب حينذاك . وكانت نظراتهم للحدث وموضوع بحثه جادة . وكان رايهم بأختصار هو ان توفر للجنوب الاسباب والفرص لتحضير نفسه ,قبل أن تشتبك يده بيد الشمال , إذ كان في حاجة ماسة الى اعداد وفيرة من الرجال المدربين , والى قدر من التقدم الاجتماعي والاقتصادي , قبل ان يقدم على تقرير مصيره . واشاروا في مداولاتهم الى ان العلاقة بين الشمال والجنوب لم تكن ودية في الماضي , ولمحوا في هذا الصدد الى تجربة النخاسة إبان الادارة التركية المصرية , وابان المهدية , مؤكدين الحاجة الى الزمن ليعمل عمله في تنمية الاحترام المتبادل , وتوفير أسباب المساواة في المواطنة قبل تحقيق الوحدة الحقيقية السليمة .
واقترحوا إنشاء هيئة تمثيلية بالجنوب , ترسل مستقبلا ممثلين لها الى الخرطوم , لينالوا ما يحتاجون اليه من خبرة , ويشتركوا في مناقشة الامور التي تهم الجنوب والشمال . واكدوا ان الجنوب يحتاج الى ضمانات توفر له اسباب التقدم , والحفاظ على ذاتيته في سودان المستقبل الموحد . وكان هذا منهم دليلا على الحذر والحيطة والحاجة الى التريث , مما يقضى بان تتم الوحدة على خطوات , وان يعترف بالفوارق الثقافية والتاريخية وتوفر اسباب المساواة بين المواطنين.
وكان السلطان لوليك لادو , وهو من اكثرهم حكمة , قد تقدم بتحفظات السوداني الجنوبي بصورة مؤثرة عندما أعرب عن امله في ان تكون الاجيال الجديدة من اهل السودان الشمالي على نقيض الاجيال السابقة . ذات نزعة حضارية وروح انسانية . وقال : إن هذه الصفات يمكن التاكد منها بسرعة بمراقبة مسلك أهل الشمال , قبل أتخاذ قرار نهائي حول الوحدة .
وشبه العلاقة بين الجنوب والشمال بعلاقة شاب وشابة يعتزمان الزواج , ولكنهما يمهلان نفسيهما ليلم كل منهما بسلوك الاخر وميوله الاجتماعية , قبل أن يتخذ قرارهما الاخير بالزواج أو بعدمه , لان العجلة في مثل هذه الاحوال تؤدي الى الشقاء , وربما الى الانفصال والطلاق بصورة عنيفة .
اما الاعضاء الشماليون , بقيادة القاضي محمد صالح الشنقيطي , فقد عددوا الطيبات التي تنتظر الجنوب في السودان الموحد . وأشاروا في هذا الصدد الى المرتبات والاجور التي يمكن مساواتها ,والوظائف الكبرى التي يمكن أن يتقلدها أبناء الجنوب . وقالوا إن الكراهية التي يغرس بذرورها البريطانيون , والفرقة التي يشجعونها , لا مكان لها في السودان الموحد , لان الجنوبيين والشماليين فيه يصبحون أندادا , والعلاقة بينهما تقوم على قدم المساواة . وكان الشنقطي يعلم ضعف موقف البريطانيين إزاء النقاط التي اثارها , إذ كان الموظفون والفنيون الشماليون العاملون في الجنوب حينذاك , يحصلون على مرتبات واجوار تفوق ما كان يحصل عليه الجنوبيون من العاملين في نفس الحقل بصورة ملحوظة .
ولم يكن روبرتسن قد ذهب الى الجنوب ليستفتي الجنوبيين في مصيرهم , ولكن ليخطرهم بالقرار الذي كانت الحكومة قد اتخذته بالفعل . قال :
(( اعتبر المؤتمر سبيلاً لاستكشاف قدرات الجنوبيين , و عليه يصبح ظن بعض الناس بان الاعضاء الجنوبيين في المؤتمر قد وافقوا على السير مع الشمال خطا فاضحاً .. إذ القرار الوحيد الناجم عن المؤتمر كنت قد أتخذته وحدي )).
وبانتهاء مؤتمر جوبا انتهت فترة الانفصال , وانطوت صفحة سياسته , واصدر السكرتير الاداري مجموعة من القرارات الهامة , منها فتح الحدود بين الجنوب والشمال , وأعلان حرية الدين , مما اتاح لدعاة الاسلام ان يتحركوا بحرية , ويتنافسوا مع الجمعيات التبشيرية الكنسية , ومع قادة الديانات التقليدية , ومنها توحيد المرتبات والاجوار . وفي أغسطس 1947م وافق الحاكم العام على توصيات مؤتمر ادارة السودان في نطاق ضمانات حددها , توفر اسباب التطور السليم لاهل الجنوب , وبهذا انصرفت الانظار عن النظام الفيدرالي في الحكم مما كان يتطلب نفقات باهظة .
وعلى الرغم من اعتراف علني بتخلف الجنوب , لم تشهد المنطقة تطوراً اجتماعيا او اقتصاديا يستحق الذكر . وحسبنا دليلاً على هذا انه لم يكن في الجنوب عندما انسحب الانجليز منه غير مدرسة ثانوية واحدة , وغير هيئة مشاريع الاستوائية التي اشرنا اليها فيما قبل . أما الخطط التي رسمت منذ عام 1948 لزراعة القصب , وانتاج السكر , فلم توضع موضع التنفيذ , واما فريق تنمية الجنوب الذي عين في عام 1953 تحت رئاسة دكتور هاول (P.P.HOWELL) للبحث عن وسائل تنمية الموارد , فقد حل مستهل عام 1955, وحفظت نتائج دراساته.

* التطورات الدستورية بعد مؤتمر جوبا :
ومضت التطورات الدستورية بعد مؤتمر جوبا قدما , إذ شكلت جمعية تشريعة من ثلاثة وتسعين عضوا , خمسة وستون منهم منتخبون , وعشرة يعينهم الحاكم , وثمانية عشر بحكم وظائفهم الوزارية في المجلس التنفيذي . وكان عدد الاعضاء الجنوبيين في هذه الجمعية ثلاثة عشر رجلا . و بهذا بدات العلاقة بين الشمال والجنوب بتمثيل ضعيف للجنوب في الجمعية التشريعة التي لم يشتمل قانونها على الضمانات التي طالب بها ممثلوه في مؤتمر جوبا , بسبب انشغال السكرتير الاداري بما يضمن كسب الطبقة الشمالية المستنيرة , ويصدها عن تاييد الحكومة المصرية في التنافس الذي قائما بين جناحي الحكم الثنائي .
وكما وردا من قبل ، فانه كان يخشى أن تدفع الضمانات التي يطلبها الجنوب الزعماء الشمالين الى احضان مصر التي كانت تتبنى بدهاء موقف السودانيين الشماليين , وتمسكهم بقيام وحدة غير مشروطة بين القطر . وكان هناك قله من البريطانيين الاداريين العاملين في الجنوب تتحدث .

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..