مقالات وآراء سياسية

التحول الديمقراطي في السودان تحت تأثير حيرة ما بعد الصحوة الاسلامية

طاهر عمر

العالم العربي والاسلامي أسير ثقافة تقليدية قاتلة بما تحتويه من تقديس وتبجيل للنصوص الدينية وخاصة عندما كانت في مأمن بسبب رفض النخب بأن يخضع التراث للتفكيك والتأويل ومسألة تاريخية النص كما حدث للمسيحية واليهودية وبعدها فتح المجال لفكر ذو نزعة إنسانية يتخلص من الايمان التقليدي وما يتصف به من تقديس وتبجيل.
أكثر حقبة كانت حالكة الظلام وقد مكّنت لفكر الثقافة العربية الاسلامية التقليدية هي حقبة فشل جمال عبد الناصر في العبور وترسيخ قيم الجمهورية وبعد موته ورث أتباع الحركات الاسلامية ركام جمال عبدالناصر وفشله وعجزه في الوصول لفكرة قيم الجمهورية.

وقد رأينا كيف عم فكر الصحوة الاسلامية في العالم العربي والاسلامي بداية في مصر وبعدها في السعودية وبقية أنحاء العالم العربي والاسلامي ووصل قمته بوصول الخمينية الى السلطة في ايران وبعدها حرب أفغانستان ودخول العالم العربي والاسلامي في أوهام الجهاد حيث أستفاد منها الغرب في محاربة الاتحاد السوفيتي وإضعافه الذي أدى لسقوطه.
النخب السودانية وسط هذه المعمعة في حراك الثقافة العربية الاسلامية التقليدية كان لهم خفة عجيبة فاذا بالنميري بعد خدعة الكيزان له ومبايعته أمير مؤنيين يسن قوانيين سبتمبر وبعدها تنفتح شهية الكيزان ويبتلعون السودان كله بتمامه وكماله بإنقلابهم عام 1989م .

المضحك في الأمر أن المملكة العربية فهمت جيدا بأن الثقافة العربية الاسلامية التقليدية وخاصة فكر الوهابية به لا يمكن تحقيق أي نهضة تفتح على إزدهار مادي وبالتالي كانت فكرة مشروع ولي العهد 2030م وبعدها أوقفت السعودية نشاط رجال الدين في السعودية وفكرهم المعتمد على التقديس والتبجيل ولا يفتح على غير ايمان تقليدي.
هذا بعد أن وصل الإرهاب الى تنفيذ عمليات داخل السعودية وبعدها أينقت السعودية من أن الثقافة العربية الاسلامية التقليدية لا تقود إلا الى متاهة وقد خرجت منها السعودية وأغلقت باب الدخول إليها.

ولكن بعد نصف قرن من وقوف السعودية خلف مشروع الصحوة الاسلامية كما رأينا بدايتها وكيف أزهرت أزهار الشر إذا استلفنا عنوان ديوان شارل بودلير ولكن بما أن للسعودية أموال طائلة بسبب سلعة الطلب عليها عالمي أي البترول فلها ما يكفي من أموال يجعلها تدخل في مشاريع مثل فكرة 2030م حتى تفارق بها زخم عقود الصحوة الاسلامية التي امتد بها وهم الشعوب العربية والاسلامية لخمسة عقود أي منذ عام 1970م .

و إذا بالسعودية بسبب أموالها المتراكمة تدخل في حقبة ما بعد الصحوة الاسلامية وتسير باتجاة موعدها مع الحضارات وإذا نجحت ستكون مع موعد مع التاريخ بعد أن فارقت فكر الثقافة العربية الاسلامية التقليدية التي كانت تجسده الوهابية.

شوف المفارقة العجيبة السعودية بسبب أموال البترول تعبر حقبة ما بعد الصحوة بكل هدوء وتطرح مشاريع نهضوية و يفشل التحول الديمقراطي في مصر بعد وصول كيزان مصر للسلطة بعد إنتصار ثورة الربيع في مصر ويصل للسلطة في مصر أغبى رئيس مصري وهو السيسي.

وفي تونس يفسد الغنوشي عشرية تونس بسبب كيزان تونس وبسبب قلة الأموال تغوص تونس في وحل فكرها الديني ويفشل السيسي في نقل مصر الى مستوى دولة صناعية ولا يكون ذلك إلا في ظل نظام ديمقراطي معاكس لنظام السيسي التسلطي.

الذي أريد توضيحه أن بداية حقبة الصحوة الاسلامية في بداية عام 1970م كانت متزامنة مع فشل جمال عبد الناصر في الانتقال الى قيم الجمهورية التي تفتح على نظم ديمقراطية في العالم العربي والاسلامي.

تزامن ذلك مع نهاية الكنزية كديناميكية في الغرب الصناعي ولولا إتجاه العالم العربي والاسلامي باتجاه فكر الصحوة الاسلامية لكانت عقود الصحوة الخمسة وهي نصف قرن كافية لترسيخ فهم يفتح على قيم الجمهورية ويفتح على ديمقراطية مستدامة وتنمية مستدامة.

ويكون العالم العربي والاسلامي من قبل خمسة عقود قد بدأ مسار ما بعد الصحوة كحيرة تسيطر على العالم العربي والاسلامي التقليدي اليوم كما تعيش السعودية لحظة ما بعد الصحوة الاسلامية وهي تسير ويدها على قلبها خائفة من أن يفشل مشروعها النهضوي.

رغم أنها لها أي السعودية من تراكم أموال البترول ما يمول مشروعها النهضوي ولكن السؤال هل ستنجح السعودية في نقل تجربة الغرب الصناعية وتصير كما كوريا الجنوبية واليابان وبعد كم من السنيين؟
هل ستنجح السعودية وتعبر  الامتحان الذي فشلت فيه مصر أي فشل مصر في أن تصبح دولة صناعية كما تسأل الاقتصادي المصري جلال أمين في كتابه ماذا حدث للمصريين؟ ومعروف أن مصر لا يمكن أن تخرج من إختناقاتها الاجتماعية والاقتصادية بغير أن تتحول الى دولة صناعية ولا يمكن أن تتحول لدولة صناعية في ظل نظم شمولية تسلطية كنظام السيسي.

ما أود قوله للنخب السودانية هو تذكيرهم أن العالم العربي والاسلامي يعيش منذ عقد من الزمن حقبة حيرة ما بعد فشل الصحوة الاسلامية في العالم العربي والاسلامي وبما أن ثورة ديسمبر كانت ضد ذروة الصحوة الاسلامية في السودان أي حقبة إنحطاط لثلاثة عقود تحت حكم الكيزان.

ينبغي على النخب السودانية الا تحتاج للتذكير بأن العالم العربي والاسلامي قد فارق فكر الثقافة العربية الاسلامية التقليدية وأنه يعيش في حيرة ما بعد الصحوة الاسلامية وهذا وحده كان كافي لتشجيع النخب السودانية على تفكيك التمكين والتعامل بلا رحمة مع عنصر الكيزان البشري في مفاصل الدولة كركام مضر يصل ضرره ضرر النفايات المشعة.
ويجب إبعادهم من الواجهة أي كيزان السودان كما تعاملت السعودية مع أتباع الوهابية وقد قال ولي العهد السعودي مع فكر الوهابية لا يمكن تحقيق إزدهار تنموي ولا قبول أفكار الحداثة.

المهم في الأمر نريد أن ينتبه القارئ لهذه المقارنة مابين بداية الصحوة الاسلامية بعد فشل مشروع جمال عبد الناصر وقد تزامن مع نهاية الكينزية كديناميكية أنظر كيف إتجه الغرب الصناعي بعد أزمة الطاقة الى ديناميكية النيوليبرالية وكيف إتجه العالم العربي والاسلامي التقليدي الى فكر حقبة الصحوة الاسلامية التي وصلت الى نهاية نفق مسدود بعد تجربة مرة في العالم العربي والاسلامي وقد أدرك أخيرا مأزق الثقافة العربية الاسلامية التقليدية؟ .

والآن العالم العربي والاسلامي في حقبة ما بعد نهاية الصحوة الاسلامية وحيرتها والغرب يتجه الى الحماية الاقتصادية بعد فشل النيوليبرالية كديناميكية.
الفرق بين أزمة العالم العربي والاسلامي التقليدي وأزمة دول الغرب الصناعية أن الرأسمالية تخرج دوما من إختناقاتها الأقتصادية أكثر قوة وها هي الثقافة العربية الاسلامية التقليدية تخرج من أزمة فكر الصحوة الاسلامية أكثر ضعف ووأكثر تشظي.

السبب بسيط جدا من قبل قرنيين ونصف نجح الغرب في فك إرتباط الاقتصاد من كل من الفلسفة والدين وأصبح الفكر الاقتصادي يتطور الى أن وصل لما وصل إليه وما زالت النخب السودانية أسيرة فكر إقتصادي لاقتصاديين سودانيين يتوهمون في أن سعر الفائدة يفتح للدخول في مناشط اقتصادية ربوية وهذا نتاج فقرهم الفكري الذي يجردهم من سلاح التجاسر على التراث كما فعل جون كالفن مع التراث اليهودي المسيحي وقد أسس لفكرة سعر الفائدة وصار الاب الشرعي لسعر الفائدة.

المهم في الأمر نختم المقال بتنبيه النخب السودانية الى أن فكرة التحول الديمقراطي تحتاج لخطوات ثابتة في طريق يمتد لخمسة عقود ويحتاج لفكر ذو نزعة إنسانية وليست أحلام صحوة إسلامية حينما فشلت بعد خمسة عقود فاذا بالعالم العربي والاسلامي التقليدي يعيش حيرتها.

وهو أي العالم الاسلامي العربي التقليدي في أضعف حلقاته بعدما أضناه التشظي الاجتماعي بسبب غياب إدراك التحول في المفاهيم وإدراك فكرة قيم الجمهورية التي تؤسس للعلاقة ما بين الفرد والدولة التي تثمر المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد حيث تؤسس لفكرة الضمان الاجتماعي الذي يحفظ كرامة الانسان بحكم وجوده كموجود.

وعليه نقول للنخب السودانية لا يجوز إنقسامكم لجذريين وإطاريين لأن المهمة صعبة جدا وطريقها طويل ربما يحتاج لنصف قرن من الزمن ومسألة نجاحها وأنتم مجتمعين كاطاريين وجذريين مشكوك في أمرها وأنتم على مستوى فكركم المتخلف عن مستوى فكر نخب العالم المتقدم فكيف يكون نجاحها وأنتم مختلفين؟
أما الجيش والدعم السريع فمسألة التحول الديمقراطي لا يعنيكم في شئ لأنكم لم تكن مهمتكم ذات علاقة بالتحول الديمقراطي لأن الذي نتحدث عنه يخص علماء الاجتماع والفلاسفة والمؤرخيين غير التقليديين والاقتصاديين وخاصة أن المجتمع السوداني يحتاج لشخصية تاريخ تدرك مفهوم الانسانية التاريخية والانسان التاريخي.
مثل ما حدث لامريكا في حقبة الكساد الاقتصادي العظيم 1929م حيث ظهر روزفلت محاط بمشرعيين عبروا بالأمة لحظة تشظيها وهم متسلحيين بفكر توماس بين المتاثر بفكر كل

من جان جاك روسو وجون لوك وفكرة العقد الاجتماعي على قاعدة علم إجتماع منتسكيو.

السودان الآن حاله كحال أوروبا ما بعد الحربية العالمية الثانية يحتاج لمفكريين يندر وجودهم وسط النخب السودانية وقد رأينا كيف عبرت أوروبا عبر ديناميكية الكنزية وخطة مارشال ركام ما بعد الحرب العالمية الثانية وهذا يصعب فعله مع نخب ما زالت تردد شعرها المحبب لن يحكمنا البنك الدولي حيث يلتقي الكوز مع الشيوعي السوداني.

‫5 تعليقات

  1. للحقيقة والتاريخ…
    ناصر إنتقل إلى رحمة الله في 1970 والنكسة التي تؤرخ بها نهاية مشروعه كانت في 1967. رغم الهزيمة المرة الا أن الرجل خاض حرب الاستنزاف لعامين وأسس لعبور القناة في 1973.

    الصحوة الإسلامية المزعومة كانت بسبب الردة على خط عبدالناصر من قبل كلب السادات والعروش العربية فاستعانوا بالجماعة المسيلمية واصطنعوا بديلاً اسلاموياً لمشروع عبدالناصر بغاياته في الحرية والاشتراكية والوحدة.
    لم يكن صدفة أن الرأسمالية الإمبريالية الغربية قد وجدت في فكر الصحوة الإسلامية التراثي ترياقاً ضد الحداثة والتنوير والتصنيع التي كان يقود خطها ناصر.

    حاسبوا جمال عبد الناصر بمقاييس زمانه لا بمقاييس هذا الزمن. فقد كانت دول مثل اسبانيا واليونان والبرتغال وكل دول أمريكا الجنوبية يحكمها جنرالات موالون للغرب.
    أما الكتلة الاشتراكية بقيادة الأتحاد السوفيتي والصين وكوريا الشمالية فقد كانت تعيش وراء ستار حديدي من القمع والبطش.

  2. معظم دول العالم الثالث ليست إسلامية وليس بها صحوة إسلامية ومع ذلك ظلت فقيرة وضعيفة ولم تتقدم وتتطور كما طالبتنا.. اسباب التخلف محصورة في الاختلاف والفساد وعدم الشفافية وديل موجودين عندنا بكثرة فلن ينجح مشروع إسلامي ولا علماني الا اذا اذلنا اسباب الاختلاف واحترام الرأي والرأي الاخر ومهدنا لدولة الشفافية.

  3. هي لم تكن صحوة إسلامية .. وإنما غيبوبة إسلاموية .
    الخلاص في التحرر من الآيدلوجيات المتكلسة التي تجاوزها الزمن بعد أن ثبت فشلها … إخوان مسلمين .. شيوعيين .. بعثيين .. ناصريين …. إلخ

  4. والله يا اخ فاروق انت وضعت يدك مكان الالم ومكان المصيبة الضيعت البلد احزاب وافكار متخلفة عفى عليها الذمن ودمرت كل بلد جربت فيها عايزين نضع كشعب سوداني يدنا مع بعض ويكون همنا السودان فقط وليس المصالح الحزبية والشخصية فهل من مجيب

  5. اول مرة في حياتى اقراء مقال محترم ومتقدم لاحد الكتاب السودانيين بهذا الشكل الراقي والجميل المفتقد في كل صحفنا وجرايدنا في بلدنا المنكوب السودان
    شكرا جزيلا كاتب المقال وياريت تواصل نفس كتاباتك دى علي طول
    الف تحية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..