هلاوس شهر (الكوارس)

أكتب هذه السطور في صباح الأول من مارس ليتم نشرها في الثاني منه، ومارس في ذاكرة أبناء وبنات جيلي هو شهر الكوارس التي هي الكوارث، لأنه كان شهر الامتحانات المدرسية / الجامعية، في زمن كانت فيه مواعيد الامتحانات والإجازات معروفة ومعلومة لسنوات قادمات، وليس لجزء من العام الدراسي، ولم تكن فيه إجازات مفاجئة بسبب دورة مدرسية أو عيد «ثورة»، وكان من التقاليد الثابتة في جامعة الخرطوم، في زمن كانت فيه تلك الجامعة تسير على هدى تقاليد أكاديمية راسخة، وأنظمة داخلية تحظى باحترام الطلاب والأساتذة، أن يخرج الطلاب في آخر ليل في فبراير من قلعتهم الحصينة «البركس» في مظاهرة ضخمة صاخبة تشق شارع الجامعة، ولكن دون أن يصدر هتاف بأن يسقط هذا او يعيش ذاك
كانت مظاهرة استقبال مارس كلها عويل: أرو روووك .. وبلا خجل:وااااي..ووب، وتخيل مشهد مئات الطلاب الذكور وهم يولولون ويلطمون الخدود، وكأنهم يشيعون جثامين عشرات منهم هلكوا بعد إصابتهم بالإمساك الوبائي (لم يكن السودان وقتها يعرف الاسهال المائي أو الصخري)، وكان سائقو السيارات يتضامنون مع الطلاب الذين كانت صرخاتهم تشي بأنهم مكلومون، بينما وجوههم مشرقة بالابتسام، فيستخدمون الأبواق في إيقاع يماشي النواح، وتنتهي المسيرة الباكية الضاحكة، عند أبواب قاعة الامتحانات، حيث المفرمة التي تهرس العشرات كل فترة دراسية، وتلفظ بهم خارج أسوار الجامعة، ليولولوا وينوحوا بدموع حقيقة «والزمان بعذابي حكم يا عيون أبكي دمع الدم»
ذلك زمان لم تكن فيه الجامعة تسمح لطالب أن يبقى في سجلاتها لأكثر من سنة واحدة، فوق السنوات المقررة لإكمال البرنامج الأكاديمي الخاص بالكلية التي يدرس فيها. يعني لم يكن هناك»شايل ثلاثة مواد .. جمدت سنتين .. وما عندي مشروع تخرج لأن الزول الاتفقت معاه عشان يكتبه قال عايز خمسة مليون»، فإما أن تنجح بعرق دماغك وإما تعطينا عرض أكتافك، ولم يكن هناك ما يسمى «فرق تحسين» حتى في مجال الأراضي، وهي الجباية التي تم فرضها قبل نحو 40 سنة على من يستبدل قطعة الأرض الخاصة به بأخرى، أو عند تحويل أرض زراعية ـ مثلا ـ إلى سكنية
واليوم صار فرق التحسين يضمن للطالب غير المستوفي لشروط القبول، أن يجد مقعدا جوار آخر ساح دمه كي ينجح بالمزيكة، أي عن استحقاق، ويتم خصم درجات متلتلة من الطلاب المنتمين الى عائلات مغتربة في المنطقة العربية، من منطلق أن الشهادات العربية أضعف عودا من نظيرتها السودانية، وهذا منطق مقلوب بالطبع، ولكنه يتيح لأبناء وبنات المغتربين دفع فرق التحسين بالدولار، فتهتف الجامعات في وجه الواحد منهم «مرحبتين حبابك / اليوم السعيد الليلة جابك»، بل إن مركب النقص لدى وزارة التربية السودانية بشقيها العالي والهابط عموديا، يجعلها تزعم أنه حتى الشهادة الثانوية البريطانية غير مبرئة للذمة الأكاديمية
وجهاز المغتربين معني فقط بالقضايا الكبيرة التي لا تهم المغتربين كثيرا، ولا شأن له بالاضطهاد الأكاديمي لعيال المغتربين: جامعة المغتربين وبنك المغتربين ومؤتمر الكفاءات للمغتربين، وجذب استثمارات المغتربين أبناء «الذين»، وشخص مثلي اغترب بعد أن مات الرجال في معركة كرري، وساهم في تمويل جميع المشاريع الكبيرة، لم يجد ولا مرة تسهيلا واحدا في أي أمر من ذلك الجهاز، ويا ما وصلت الخرطوم لقضاء يومين لتقبل أو تقديم العزاء في فقيد، او عيادة مريض حالته الصحية حرجة، فيتعين علي أن أتلطش في شبابيك الجهاز طلبا للمخارجة
افتح هلالا هنا: كيف يتم اختيار المغتربين الذين يشاركون في مؤتمرات الجهاز العامة والتخصصية مثل مؤتمر العلماء والكفاءات السودانية في الخارج، الذي انعقد أخيرا؟ بالقرعة أم عن طريق السفارات التي تعلم من هو المدجن ومن هو أبو لسان فالت؟ (خلي الهلال مفتوح مثل شباك الهلال سيد الاسم.)

الصحافة

تعليق واحد

  1. وينك يابو الجعافر مابنت واليوم هلالك هلا (وبرضو خليناه مفتوح)
    وفعلا المغترب همه الاول قبل السفر للسودان يقول فى نفسه(ياربى السنه الزحمه خفت ولا لسه وممكن اخلص اجراءاتى فى يوم واحد)
    والله الواحد لو فكر يتخارخ من الدنيا بحالها خليك من السودان ما تاخذ من الزمن نصف ساعة وتكون اتوكلت وادفنت كمان

  2. وانجزو شنو عباقرة جامعة الخرطوم علي المستويات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية ؟؟؟ هم من جر السودان للدرك الاسفل ، الانجليز سلموهم بلد ماشه زي الساعة وعباقرة جامعة الخرطوم جابو اخرها

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..