منذ أن ظلت الحكومات المتعاقبة تعلن عن توفر سلعة أدرك الشعب إنها (معدومة)

لست متشائما ولكن لا أرى ما يدعونا للتفاؤل بان يحقق السيد وزير المالية ما أعلنه من برنامجه الإصلاحي للاقتصاد السوداني لان السودان منذ غرف الحكم الوطني وطرد الانجليز في توقيت لم يكن يملك الكفاءة ليحل بديلا لهم فانه ظل يقود البلد من سيئ لأسوأ حيث انه لم يشهد حتى اليوم حكما وطنيا صحح ما قبله ولا أظنه سيشهد ذلك طالما انه في حقيقته يفتقد أي مقومات لمؤسسية ديمقراطية الحاكمية فيها للشعب طالما انه يفتقد الأساس لمؤسسات حزبية ديمقراطية ما دامت تهيمن علية الطائفية والعقائدية والعسكرية وكلها متناقضات لا موقع لها فى المؤسسية الديمقراطية وسيبقى الحال على ما هو عليه من سيء لأسوا طالما إن صاحب الحق المواطن ليس هو السلطة الفاعلة وهذا ما لا تحققه إلا مؤسسية ديمقراطية في التكوين الحزبي وليس في مظاهر انتخابات خادعة تحت راية ديمقراطية زائفة أو عسكرية في ثوب ديمقراطية لن تخفى البزة العسكرية مهما تدثرت بثياب حريرية.

لهذا ظل السودان والشعب منذ الاستقلال يصبح ويمسى على تصريحات الحكام والمسئولين يبشرونه بالخيرات والمحصلة في النهاية عدم بل أسوا من العدم ولعلى اذكر بهذه المناسبة إنني قدمت في مسرحية (نقابة المنتحرين) في مطلع الثمانينات والتي قدمت فيها لأكثر من نماذج لشخصيات في المجتمع من أبناء الشعب ضاقت بها سبل الحياة ورأت أن تغادر الدنيا بخيرها وتمنت المسرحية يومها مشهدا اخذ فيه الحوار منحى غريب عندما يقول احد الممثلين لزميله حتى يقنعه بالا يصدق ما يعلنه الحكام والمسئولين عن شئون حياته عندما خاطبه قائلا:

( أسه الحكومة مش صرحت في الصحف إن الملح موجود فاعرف إن الملح غير موجود لأنه لو كان موجودا لما أحوج الحكومة لتعلن عن وجوده فهو يعلن عن نفسه بوجوده) وهذا ما أثبته الواقع عقب كل الحكومات المتعاقبة فكلما تعلن الحكومات عن توفر الكهربا أو المباعة فانه تنعدم حقيقة بل والمفارقة الأكبر عندما أعلنت الحكومات إن السودان غنى بالبترول وموعود انه عندما يتم استخراجه سيشهد السودان معيشة الرفاهية البترولية ولكن ما أن تم اكتشاف البترول كان أول ردود فعله إن زادت أسعاره للمستهلك في منحطات البنزين وما تبع ذلك من ارتفاع في كل أوجه حياته يؤكد هذا من يطالع الصحف يوميا فيجد كيف يتسابق المسئولون في مختلف الوزارات والمؤسسات يبشرون الشعب بتوفر احتياجاته وتكون النتيجة عكسية ولعل أخرها في الأيام الماضية تصريحات منسوبي الكهرباء والمياه عن توفرها وفى ذات الأسبوع لم تواجه العاصمة أزمة ظلام وانعدام مياه كما حدث عقب التصريحات ولا تزال حتى اليوم هكذا هو واقع السودان فمتى نفى المسئولون وجود شيء فهو إثبات لوجوده ومتى أكدوا وجوده فهو إثبات بعدم وجوده ولكم أن تطالعوا يوميا ما تنشره الصحف من تصريحات الوزراء والمدراء.

عفوا لا أريد أن أثبط همة السيد وزير المالية وهو يعد بالإصلاح الاقتصادي ولكن أؤكد له إن الواقع سيقول غير ذلك ولن ينصلح فيه شيء لان العلة قائمة في قوانا السياسية مجتمعة ويكفى انه تجتمع وتتحاور كإجراء يوميا وتتشاجر في كراسي السلطة وليس في هموم الشعب وإصلاح اقتصاده للاتفاق على مقوماته الأساسية إن كانوا يملكون الكفاءة ويغلبون مصالح الشعب على مصالحهم فيعترفوا بما ارتكبوه في حق الشعب منذ رفع راية الاستقلال المزعوم حتى يعيدوا الأوضاع لما كانت عليه والتي جعلت من السيد وزير المالية و برنامجه الإصلاحي وهو ما لم يعد قابلا للتنفيذ لأنه الواقع اقوي منه وأفرز مصالح لمراكز أقوى من مصادر الحكم والوزراء وغيرهم .

وإذا كان لي أن أقدم للوزير البيان بالعمل فلقد قرر الوزير أن يعيد المال العام للخزينة العامة وان يقيد التصرف في المال العام عن طريق الميزانية التي تشرف عليها وزارة المالية تحت رقابة إدارة الحسابات المركزية التي تتمتع بصلاحيات أعلى من أي وزير في شان المال العام كما أسس لذلك الانجليز ويشهد على ذلك موقف موظف في درجة محاسب من الرئيس الأزهري عندما أراد أن يتبرع بعشرة جنيهات فقط من المال العام فأوقفه المحاسب لعدم وجود البند في الميزانية.

فهل يمكن لهذا المال العام أن تعود له هيبته هذه تحت إشراف وزارة المالية وميزانيته السنوية التي يجيزها البرلمان وتبقى أعلى شانا من أي مسؤول فهل يملك الوزيران يعيد للمال العام هيبته هذه بعد أن أصبح التجنيب بيد مراكز أقوى شانا منه وبعد أن أصبح التصرف في المال المجنب بيد من جنبوه واحكموا قبضتهم عليه يتصرفون فيه كما أو انه ملك خاص بعيدا عن أي رقابة حسابية من وزارة المالية والميزانية المعتمدة من السلطة نفسها والتي أصبحت بعيدة عن صلاحيات المراجع العام طالما أنها خارج القنوات المالية التي تحكمها الميزانية والإدارة الحسابية المركزية.

فهذا سيادة الوزير هو واحد فقط مما تدعوا له اليوم فهل تملك أن تفعله حتى تعود الوزارة هي القابضة على المال العام وأوجه صرفه تحت رقابة المراجع العام وفى حدود الميزانية المجازة من أعلى سلطة تشريعية حتى ينقضي العام.

ولعلني سقت هذا على سبيل المثال فقط لا الحصر وما يتعلق بالمال العام فالتجني سيادة الوزير والتصرف فيه وبيد القابضين عليه من مؤسسات الدولة على كل مستوياتها وما ترتب على ذلك من واقع جديد لم يكن معروفا ومألوفا في النظام المالي الذي أرسى قيمه الانجليز فانك إنما تحرث في البحر أضف إلى ذلك سيادة الوزير وأنا أتوقف معك فقط مع ما فقدته وزارة المالية فهل تملك أن تعيد صلاحيات الوزارة في إدارة كل مشتروات الأجهزة الحكومية التي أصبحت سوقا مفتوحا لكل مؤسسة حكومية أو سلطة حكومية في أي مرفق حتى السياسي منها فهل تملك أن تعيدها تحت سيطرة إدارة المشتروات ووفق الشروط التي تتوفر لها حماية الخدمة المدنية التي وأدت وحكم عليها بالإعدام منذ بداية الحكم الوطني.

شكرا لك سيادة الوزير وأنت تفتح هذا الملف وأرجو أن يتسع له الصدر للوقوف على مخاطره وما افرزه من هذه الكارثة التي أصبحت خصما على صاحب الحق المواطن المغلوب على أمره بعد إن فرضت نفسها سلطة علية كل القوى السياسية والتي عرفها الحكم الوطني منذ الاستقلال دون وجه حق شرعي.

ولكن ما تحمله بقية القضايا التي قررت إصلاحها لا تختلف ن عجز الوزارة عن تحقيقها في الشأن الآخر من الإصلاح الاقتصادي والى المقالة القادمة لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع الهام للوقوف على ما حل بوزارة التجارة والصناعة وإدارة المخازن والمهمات والنقل الميكانيكي وبنك السودان ومشروع الجزيرة والسكة حديد والحديث يطول سيادة الوزير فأنت في مواجهة مهمة مستحيلة هذا إذا كنت نفسك جادا فيما تعلن وتقول.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..