الصحة

ما بعد الوباء… إعلام مُتخصّص بإثارة الهلع

 

 

رُفع الحظر تدريجيّاً. هبطت الكمامات وخفّ الحذر. من بعيد، يبدو أن الكوكب قد عاد إلى إيقاعٍ سابق. انطلق كثيرون في ثأرهم من الحجر الصحي المفاجئ والمتكرر خلال عامين، بينما علق آخرون في فجوة زمنية عاجزين عن الخروج من المرحلة بنفس الأجساد والأفكار التي دخلوا بها عام 2020. وما بينهما، كثيرٌ من التنويع والاختلاف في أشكال تلقّي الوباء، وهذه مسائل تحتاج إلى دراسات علميّة من أجل فهمها وتحليلها.

لكن الحدث لا يزال آنيّاً ومستمرّاً، وغالباً ما يحتاج الباحثون إلى بضع سنوات قبل البدء بقراءاتهم والخروج باستنتاجات قادرة على شرح آثار حدث بهذه الضخامة والأهميّة. لكن، وبينما ننتظر دراسات علميّة جديّة قادرة على شرح الآثار بعيدة المدى للوباء على الناس وأنماط حياتهم، توجد ثغرة لا بُدّ من التعامل معها علّ الانتقال يصير أكثر خفة وقدرة على الاستيعاب. هذا الانتقال بين عوالم مختلفة، يبدو أن الخطّ الفاصل الأكثر وضوحاً بينها هو خط زمني ينقسم إلى “ما قبل كورونا وما بعدها”. ربّما أُفرط في استخدام المصطلح، استخدام مُكثّف أفقده بعضاً من لمعانه، لكن هذا لا يلغي دقّته وكثرة الإشكاليات التي يطرحها.

ومن أجل فهم ومساءلة هذا العالم المُستجدّ، لا بُدّ من أن يتولى الإعلام دوره في البحث والطرح والتحليل. فهل يقوم الإعلام بمهمته هذه؟ أم أنه أوقف معالجاته الخاصة بالأزمة مع اقتراب نهايتها؟ هل بدأت الوسائل الإعلامية طرح أسئلة ما بعد الوباء؟ وما هي المساهمة التي قام بها في سبيل فهم أثر هذه الكارثة على المجتمعات؟

عالم جديد يتّكئ بكل ثقله على أكتاف سكان الكوكب. عالم يتوجّب علينا فهمه، علّه يصير أكثر وضوحاً. ومن مبدأ أن مهمة الإعلام لا تقتصر على الإخبار وتقديم المعلومة، بل الذهاب أبعد، مثل: توقّع الظواهر عبر التعمّق في فهم الواقع بكل ما قد يحمله من تغيرات مرئية أو مستترة، وفهم التحولات المجتمعية، وجمع المعطيات والاستعانة بمتخصصين للتحليل والقراءة.

وهنا لا نقصد البحث عن أطروحات متعلقة بالتكنولوجيا، أو سير العالم الحالي إلى آخر بحت رقمي أو غيرها من المعالجات. هذا، وعلى الرغم من أهميته، ليس هو الموضوع، بل هو عمل الوسائل الإعلامية على البحث والتحقيق في ما غيرته الجائحة في الناس، سكان المناطق قبل سكان المدن على سبيل المثال. ما غيرته الجائحة في مفهوم العائلة، بكل ما تحمله كلمة عائلة من خصوصية ثقافية واجتماعية. ما ستغيره الجائحة في التعاطي المجتمعي مع مواضيع مثل التلوث، أو تحقيقها لميل عام إلى الفردانية أو ربما العكس. هذا قليلٌ من أسئلة لا بُدّ من طرحها. ولكن كما يبدو من جولة على الكثير من المنصات الإعلامية، خفّ الحديث عن الوباء بمجرد انطفاء الأضواء ورفع الحجر وانتهاء استعراض أعداد الموتى. فهل ينتهي الأمر على هذا؟

مع بداية انتشار أخبار الوباء، تخبّط الإعلام كثيراً. حاله حال جميع المؤسسات، حتى تلك الصحية العالمية منها. لم يكن الأمر واضحاً؛ فتاه الإعلام وسط التصريحات الرسمية المتناقضة، وتشتت الحكومات في الردّ عن أسباب عدم جهوزيتها لأزمة مماثلة. دبّ الهلع، وساهمت الوسائل الإعلامية، عن قصد أو من دونه، في الترويج له وتعميمه، وذلك عبر تبنّي كل وأي معلومة جديدة. ما من تدقيق حقيقي، بل أيّاً كان المصدر، وبمجرّد أن نطق بمعلومة جديدة عن الوباء، كان يجد سبيله إلى الإعلام. في تلك اللحظة، كبرت الحاجة إلى المعرفة، أي معرفة متعلقة بالوباء الجديد، والإعلام غذّى هذا الميل عبر رمي الأخبار في كل الاتجاهات. لم يكن هذا الضياع حصريّاً في العالم العربي، بل طاول الوسائل الإعلامية حول العالم. سار الجميع في حقل ألغام. صعوبة في فهم ما يحدث، لدرجة أنه في مرحلة بدا وكأنّ دور الإعلام راح ينحسر ليصير ناطقاً باسم حكومات بلاده.

هذا لا ينسحب على الإعلام في كل دول العالم. فعلى سبيل المثال، تصدّت الصحافة البرازيلية لتصريحات الرئيس جايير بولسونارو، وكذلك حصل مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

عند الحديث عن المعالجة الإعلامية لحياة ما بعد الوباء، لا يعني هذا الدعوة إلى الالتزام بالمواضيع المتعلقة مباشرة بالوباء. هذا الأخير تجربة مفصلية في حياة البشرية، تكمن أهميتها في قدرتها على الاشتباك، والتأثّر والتأثير، مع الكثير من جوانب الحياة: اليومي، السياسي، الخاص والعام، الصحة، الحريات والتكنولوجيا.

منذ نهاية ديسمبر/كانون الأول من عام 2020، تعمل الصحافية الفرنسية ديلفين سالتيل على سلسلة من حلقات بودكاست من إنتاج “إي آر تي” راديو، عنوانها “لنعش بسعادة قبل نهاية العالم”، تطرح من خلالها مجموعة من الأسئلة الشخصية والعامة، التي تهدف إلى التنبيه إلى عالم آخر مُحتمل يُمكننا صنعه والسكن فيه، عالم قادر على مواجهة الأزمات المتتالية، عالم يُتيح لنا العيش بسعادة أكبر وفي بيئة أكثر أماناً. تستضيف سالتيل في حلقاتها العديد من الباحثين، من علماء نفس وعلماء اجتماع وغيرهم. في كل مرة تنطلق من قلب البيت، من تجاربها ومن التحديات التي تعترضها في يومياتها. من سؤال الموضة والملابس والضرر البيئي، إلى جانب تربية الأطفال وكيفية الانفصال بشكل صحي.

طبعاً، هذا البودكاست بمواضيعه موجه إلى جمهور أوروبي ناطق بالفرنسية. جمهور يواجه هذا النوع من الأسئلة، التي تكثّفت مع توالي الأزمات العالمية. مناقشة هذا النوع من الأسئلة، أي مُحاكاة الواقع الذي يتحوّل وينهار وينمو على أثر الأزمات المختلفة، هو المقصود. قدرتنا في العالم العربي على التشبيك مع هذا النوع من النقاشات صعبة لأسباب كثيرة، ولكن هل يُحاول الإعلام العربي فهم واقع ما بعد الأزمات؟

العربي الجديد

تعليق واحد

  1. الاعلام العربي هو في الاصل ناطق بالعربية ترجمة عن اللغات الاروبية الحية اليوم لا تجد فيه القيم العربية الاسلامية من تبيان الحقيقة*ان جاءكم فاسق بنبا * وهو يحذو الاعلام الغربي حذو النعل بالنعل بعيدا عن ضابط اخلاقي مهم الا وهو التقوى.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..