الحصة الخامسة والعشرون!

*(ثقافتنا فقاقيع من الصابون والوحل فما
زالت بداخلنا رواسب من أبي جهل. يا أصدقائي
جربوا أن تكسروا الأبواب.. أن تغسلوا أفكاركم
وتغسلوا الأثواب.. يا أصدقائي جربوا أن تقرؤوا
كتاب.. أن تكتبوا كتاب.. فالناس يجهلونكم في
خارج السرداب..الناس يحسبونكم نوعاً من الذئاب..).
– نزار قباني-
.. يشير حسن فوزي في كتابه (سندباد مصري: جولات في رحاب التاريخ) إلى أسطورة ملخّصها أن أرض مصر قسّمها اللهُ إلى أربع وعشرين حصّة: أربع منها للسلطان، وعشر للأمراء، وعشر للجند.
وعندما سأل أحدهم: أين إذاً نصيب الشعب؟، جاءه الردّ: إن للشعب الحصة الخامسة والعشرين، لكن مكانها مملكة السماء.‏
لقد وجد بعض علماء الاجتماع والسياسة أن تديُّن الطبقات المُعْدَمة والفقيرة هو التعويض النفسي والعقيدي والإيماني عن الأوضاع القاسية التي تعاني منها، دون أن تتمكن من تغييرها أو إيجاد البدائل والمخارج العملية لهذه الظروف غير الإنسانية. حتى أن أوصاف (البسيطة) و(الفانية) و(الزائلة) حلّت في التراث الديني والشعبي كمقولات تسويغية للفقر والعوز والحرمان والجوع، إضافة إلى أخبار وقصص وحكايات وعظية وأمثال تبرز فضيلة الفقر على الغنى، واحتقار (نعيم الدنيا) وطيب العيش، والحضّ على الصبر المطلق، لأن (الصبر مفتاح الفرج)، والفقراء (هم جلساء الله تعالى يوم القيامة) و(أحب العباد إلى الله تعالى الفقير القانع برزقه).‏
والمعروف أن الإمام الغزالي أفرد في مؤلَّفه الشهير (إحياء علوم الدين) أبواباً لفضائل الفقر والصبر والزهد في الدنيا وشؤونها… ليخلص إلى القول بأن الفقراء اختاروا (ثلاثة أشياء، واختار الأغنياء ثلاثة أشياء: اختار الفقراء راحة النفس وفراغ القلب وخفة الحساب، واختار الأغنياء تعب النفس وشغل القلب وشدة الحساب).‏
لكن الحقيقة المؤلمة، لا تغيرها الموسوعة التراثية الضخمة المسوِّغة للتراتبية الطبقية والاجتماعية، والاستغلال الواسع والرهيب لإيمان الناس بمسألة التقسيم الأبدي للأرزاق… حيث أن طبقات وفئات وشرائح اجتماعية تشكل الغالبية العظمى للمجتمعات تكافح ليل نهار أملاً في البقاء وسدّ الرمق، لا تملك في واقع الأمر حريتها وقرارها، تطلق عليها تسميات مختلفة، إلا أنها من حيث الجوهر تظلّ الأقرب إلى طبقة العبيد والأرقاء، وفق مصطلح العصور الخالية. ففي رواية (عصفور من الشرق) (لتوفيق الحكيم) تقول إحدى الشخصيات: (لن يذهب الرّق من الوجود.. لكل عصر رقّه وعبيده)، وإن (جنة الفقراء لن تكون على هذه الأرض)، وإن (مشكلة الدنيا التي لا تحل هي وجود أغنياء وفقراء… ومن أجل هذه المشكلة وحدها ظهرت الرسل والأنبياء…إن أنبياء الشرق قد فهموا أن المساواة لا يمكن أن تقوم على هذه الأرض، وأنه ليس في مقدورهم تقسيم مملكة الأرض بين الأغنياء والفقراء، فأدخلوا في القسمة مملكة السماء)، وجعلوا أساس التوزيع بين الناس (الأرض والسماء) معاً: (فمن حرم الحظ في جنة الأرض، فحقه محفوظ في جنة السماء).‏
أليس ذلك كله شكّل دافعاً خلاصياً قوياً ومشروعاً للبحث الأبدي الشاق عن (الحصة الخامسة والعشرين) المضيّعة (أو المسروقة، المنهوبة باسم الدين)!! في الأرض، الهائمة في فضاءات العرفان، والمحفوظة على مدى جنات عرضها السماوات والأرض، أُعدّت للمؤمنين… والمحرومين والمظلومين والضعفاء والمساكين؟!!.‏
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الدكتور نايل اليعقوبابي أقرأ له منذ سنوات طويلة، وبالذات لعموده الراتب (أساور الكلام) في صحيفة أجراس الحرية، وهو كاتب جيد لا غبار عليه! ومن خيرة كتّاب الراكوبة ولكنه متطرف/ وتشتم من كتاباته بأنه يساري وعلماني متعصب ولكن الشيء الذي يعجبني فيه إنه مثقف موسوعي وذو أسلوب شيق وممتع، ولكن أنا كقارئ من قراءه الكثُر أن يبتعد من الخوض في المسائل الدينية التي تتعلق بمعتقدات الناس ويركز على الكتابات الناقدة للممارسات الغير منطقية التي تكتنف حياتنا. وهو صاحب قلم ساخر لماح. التحية له ولصحيفة الراكوبة الغراء.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..