ملامة خرتشوف وحالة التشكيلي بهنس

تداول نشطاء وكتاب وفنانون على الفيس بوك ومختلف المواقع الأسفيرية وفاة التشكيلي السوداني محمد حسين بهنس متجمداً على أرصفة شوارع القاهرة .
الصحف التي نقلت الخبر ومنها صحيفة اليوم السابع المصرية أشارت الى أن بهنس َقدمِ الى القاهرة قبل عامين حيث أقام معرضا لرسوماته وكان يعيش وسط العاصمة المصرية التي جاءها من باريس بعد أن فقد ابنه وزوجته الفرنسية في حادث لم يتم الكشف عنه وهو الحادث الذي شكل موجة من الحزن الذي انتاب فناننا التشكيلي صاحب رواية ( رحيل ) مما جعله يعيش بصورة دائمة في وسط العاصمة المصرية حتى وفاته .
لا أدعي معرفة ببهنس غير أن النعي الذي أورده زميلنا المهندس عمر عابدين على موقع خريجي الجامعات الليبية أشار الى أنه شقيق زميلنا العزيز علي حسين ، وعلي حسين واحد من زملائنا الأعزاء اللذين التحقوا بالدراسة معنا في الجامعات الليبية بعد حرب العراق الأولى ممن أطلقنا عليهم ( أولاد العراق) حيث كانوا أكثر من أربعين طالبا أذكر منهم الأخ محمد علي جوهر وفيصل والرشيد ( كوجينا ) وآخرين مما لاتسعف المساحة بذكرهم ، وعندما تفرست صورة الراحل بهنس وجدت أنه يشبه كثيرا أخاه عليا سوى أنه كث الشعر بينما تضئ جبهة علي بجلحة ربما أحالتها السنين الي صلعة بائنه حيث لم نلتق منذ التخرج .
القليل الذي تحصلت عليه من سيرة الراحل أنه فنان تشكيلي أقام أول معرض للتلوين بالخرطوم عام 1999م ثم أقام معرضا ناجحا في فرنسا ، وشارك مع خمسين تشكيلياً من إفريقيا في ندوة نظمت بألمانيا كان شعارها ( لغة الألوان ) حيث تبعتها معارض أخرى في كل من الخرطوم وأديس أبابا ثم معرضا آخر في مدينة نانت بفرنسا ، وتعد مشاركته في معرض القاهرة سببا في وجوده بمصر الى ( الى أن توفته المنية ( ولاتدري نفسٌ بإي أرضٍ تموت ) صدق الله العظيم .
إن موت فنان هو خصم من رصيد أمة ، ذلك لأنه ينافح عن الوطن بريشته كما المقاتل بيد أن لكل سلاحه ، فإذا كان سلاح المحارب هو البندقية فإن سلاح الفنان هو الكلمة أو اللحن أو الصورة ، فالتشكيلي يعكس بريشته الواقع الذي نعيشه ولا نكاد نحسّه حتى تُجليه لنا الريشة في لوحة أو ملمحٍ فنقف أمامه متأملين كما لو لم نكن نتعاطاه يوميا .!
لقد شقّ علينا نعيه لكونه أخاً لزميل عزيز لدينا ولكونه فناناً ولأنه سوداني وفوق ذلك كله لأنه إنسان .
لقد كان موته فاجعا لكل السودانيين وكعادتهم تباروا في جلد الذات أوالإتهام بالتقصير ما بين حكومة ومعارضة فقد أصبح مرد كل أمر سوداني الي السياسية حتي ولو كانت نزلة برد ، فمنهم من حمّل الدولة المسئولية ومنهم من رماها علي المعاضة ومنهم من القى بالائمة على السفارة وفيهم من لام السودانيين المقمين بالقاهرة ، ومهما يكن فإن الذي حدث قد حدث وليس منهم من يعيد بهنس سالما الى أهله ( فأمس الذي مرّ على قريةٍ يعجز أهل الأرضِ عن رده ) كما يقول أبو العلاء المعري والذي يجب أن نتعلّمه من رحيل بهنس أننا يجب الا نضع الوطن في جلباب الحكومة أو تحت ثوب المعارضة المتعدد الألون والمذاهب وفي رأي أن مثل هذا النقد الجارح لايفيد لأنه لا يكسبنا الإ المماحجة واللجاج وهو ما يذكرني بموقف مؤيدي حزب العمال البريطاني عندما كانوا يقودون حملتهم الإنتخابية ضد ميجور حيث لاموا المحافظين على كل شيئ بدءاً من التعليم والنظام الضريبي والصحي وانتهاءً بحالة الطقس التي لم يكن لهم يداً فيها ، وهو ذات الموقف الذي أثار حفيظة أحد السود الامريكان الذى جاء للندن سائحاً حيث كانت الحملة الإنتخابية على أشُدها فسأله أحد الانجليز عما إذا كان عمالياً أو محافظاً ؟ فرد عليه الزنجي ساخراً وهل للسود شيئٌ يحافظون عليه ! .
والإتهام بالتقصير لايجعل أياً منا يدق صدره ليقول أنا الذي أتحمل المسئولية بل يذهب الجميع الى ساحة الملامة وكلٌ يتهم الآخر وهو مايقودنا الى الحكاية الطريفة التي تُروى عن خرتشوف ؛ إذ يُحكى أنه على عهد خرشوف وبعد أن إطمأنّ الى رحيل صديقه ستالين وقف في محفلٍ من محافل الرفاق يُهاجم عهد ستالين ويتحدث عن المظالم التي وقعت فيه فتلقى أثناء الإجتماع ورقةً مطويةً من أحد الحضور كتب فيها ( أيها الرفيق نيكيتا خرشوف وأين كنت حين جرى كل ذلك ؟ ! .
وقرأ خرشوف الورقة على حضور الإجتماع ثم لاحظ أن مرسل السؤال لم يضع توقيعه عليها فسأل من هو صاحب السؤال ؟ إنني أطلب منه الوقوف كي أُردّ عليه ؟ ولم يقف أحد وران الصمتُ على الإجتماع كلِه ! فقال خرتشوف :-
هذا الصمت هو إجابة السؤال لقد ( كنتُ مع الرفيق الذى لم يضع توقيعه على ورقةٍ أرسلها إلي) .
? قانوني وكاتب صحفي
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..