مقالات وآراء

سنه أولى ديمقراطيه.. وألام التسنين

جاءني صوت صديقي خافتا ممزوجا بين الغضب والإحباط والإعتذار لإتصاله مع بوادر الفجر.. خوفا ان يقلق منامي.. فإزداد غضبه على قلبي الميت كما وصفه الذي جافاه النوم لشهور خلت وهو يتابع خطى الثوره لحظة بلحظه.. فلم ازد ان قلت له باسما وبوجه سعيد.. أعلم انه لو شاهده خلف الاسافير لزاده غضبا وإنفعال.. (لمن عاش في دروب السياسة وطبابة النفوس.. سيتوقع مثل هذا.. بل وأكثر)..
لست محلقا في أحلام ورديه و أرى ما في الدروب من أشواك.. بل أشعر بألامها في كل خطوة وفي كل يوم.
إن ما يجري الآن لم يكن شوكة واحدة في دروب الثوره بل حقل من الأشواك والحفر.. فأما ان نشمر على سواعدنا والا يفارقنا الأمل والإبتسام بأن غدا سيكون اجمل ونحن من سنصنع الغد وهذا ما أخترته لنفسي..
او ان نندب حظنا ونبكي على جراحنا وهذا ما أخترته أنت ياصديقي.
ما طفح في غابر الايام من إختيارات مجلس السياده وما صاحبه من تجاوزات خطأ لا يكابر فيه احد يعكس أعراضا لأمراض سؤ الإداره من ضعف المؤسسيه..غياب الشفافيه..سؤ التخطيط وحساب عامل الزمن.
هذه هي حالة مرضية لا نستطيع ان ننكر عوارها ولا يمكن ان نحتفي بها ونزغرد بان الوضع ورديا مفعما بالصحة والجمال..
ان هناك طريقتين للنظر لواقع قيادتنا اليوم فأما ان ترى ما يحدث هي امراض صحة وعافيه وجرثومة التقطناها في طريق البناء إكتشفناها ونحن في سنه أولى ديمقراطية نتعلم ألف باء الممارسة الرشيده..و حالة من ألام التسنين ونحن في طفولة انعتاقنا من دولة الكبت والديكتاتوريه..ولست أكثر من كدمات وجراح سطحية ونحن نتعلم المشي على أرجل ما تعلمت دروب السير وعنته.
النظرة الأخرى هي ان نرى إن ما حدث هو سل في عظام الوطن وسرطان في الخلايا ضارب في الذات السودانيه ليس منه علاج أو تعافي.
لا أزعم تخديرا للنفس بل أجزم بان ما يحدث هي امراض تعافي رغم مرارتها وهي عارض مصيره الى زوال..
إن من الأوهام ان نظن إن الديمقراطيه تعني الكمال والوقاية الخطأ…. فالديمقراطيه لا تعني ضمان إختيار الصواب.. وليس ترياقا يمنع الخطأ والإنزلاق فيه….
إن الديمقراطية هي وسيلتنا لكشف الخطأ وتجاوزه.. فالديمقراطية هي حرية الإختيار وما يصاحبه من أخطاء حتى وإن كان الخيار ضد معاني الديمقراطية ويتعارض مع روحها… إن قوة الديقراطية وجمالها ينبع أن للأخرين حرية القبول والرفض لذلك الإختيار…. فلا قمع على رأي ولا حجر على إختلاف ولا مفر سوى الإحتكام لصوت الحقيقة وتعديل مسارنا إن أكتشفنا مفارقتنا لها.
إن حالة الغضب يا صديقي مما يحدث مبررة ولكن يجب الا تجعلنا نقع في المحرمات من جلد الذات والتخوين ومحاكمة النوايا..
إن علاج أخطاء الممارسه في عهد الديمقراطيه هو مزيدا من الديمقراطيه مما يجعلنا أكثر حرصا وأكثر دقة في الإلتزام بمقدساتها.. فأمامنا الان في العالم اليوم وفي أعرق الديمقراطيات تظهر أخطاء السياسيين وتجاوزاتهم فلم تعصمهم.. فما بالك ونحن الذين مازلنا نحمل في دواخلنا بذرة من جاهلية ولم يملأ الإيمان بالديمقراطية قلوبنا بعد…
فيا صديقي
ان كنت تظن ان ارضنا ستمتلئ عدلا بين ليلة وضحاها وستنقلب ممارساتنا بشفافية ومؤسسية بين ليلة وعشاها فانت واهم..
وإن كنت تظن إن الديمقرطيه ستمنع هوى النفوس وزيغ الاراء من إتباع الخطأ فأنت واهم…
نحن قد مهدنا الطريق فقط وما زلنا نحمل في دواخلنا ارث من الديكتاتورية وسؤ الادارة وعدم مراعاة رأي الاخر لمدة ثلاث قرون فماذا كنت تتوقع؟؟؟
اننا في درب التعلم نمارس الديمقراطيه ونخطئ ونتعلم من أخطائنا.. أما بوعينا الذاتي او بضؤ الحريه الذي سيكشف اي تجاوز او إنحراف..
إن للديمقراطية رب يحميها إذا آمن الشعب بها وجعلناها قرآنا وهاديا..
فيا صديقي..
أنظر لواقعنا وإبتسم…
ستجد إن الأحداث تصدق كلماتي وتعكس كيف إن مزيدا من الديمقراطيه هي خير ترياق وعلاج لتجاوزات الممارسه.. فسترى الإعتذار من الترشيح الذي لم يوافق روح الجماعه…. والتراجع من القرارات التي لا تطابق روح العدالة والإتفاق.ربما ليس كل ما نحلم به ولكن حتما خطوة في الدرب الصحيح ودرسا في قوة الحرية..
إن الديمقراطية ممارسه ودرب تعلم لذا لا غرابة ان تأخذ القرارات أزمان أطول.. ورغم أن هذا لا يعفي قيادتنا في ق ح ت ما لحظنا من إبطاء لكن يجب على شعبنا الظامئ للحريه ان لا يضيق بالانتظار والا يستعجل النتائج… فالديمقراطيه هي النار الهادئه التي تأخذ زمنها لتضمن إمتزاج المكونات والوصول بها لمشارف النضج بلا تخبط أو إستعجال فطير..
ياصديقي..
يحق لي ان أبتسم رغم الألم..
وأن أبدأ بنزع الاشواك وتصحيح المسار.. فهي دروب الثوره والحكم الرشيد لا أحد يوعدنا بجنة من الزهور بلا أشواك.. هي تلاقح افكار و رؤى كل يخطئ ويصيب.. وفيها من يتبع صراطها المستقيم وبها من يقع في محطات الضلالة والهوى وتجاوز مقدساتها…لكن هذا لن يجعلنا نكفر بكتاب الديمقراطية الذي أخذناه بيميننا… عنتا ودماء.. وسنقوم لمحرابها نتعلم من أخطائنا نتطهر بتجاربنا وعيا وحكمه.. وسنواصل المسير..
وغدا سيكون أجمل..
سنتعلم من تجاربنا وتزداد مناعتنا من جراحنا.. وستقوى عضلاتنا من ضعف خطانا الأولى.. ولن يخلو الدرب من أشواكه لكننا سنكون أسرع في إزالته وأقوى في المسير…
ولتعلم دوما إن الديمقراطيه لاتعني عدم الأخطاء… لكننا تعني وسيلتنا لكشف الأخطاء وتجاوزها…. وهذا ماحدث… وما سيحدث كل يوم.
فبدلا ان تلعن الظلام ياصديفي فلتوقد شمعة من الوعي تضئ مجاهل الخطأ وتملأ دروبنا بمزيد من الديمقراطيه.. نورا من الحرية والشفافيه فهي علاجا ناجعا ضد علل الممارسه وترياقا ضد الإحباط وجلد الذات.. فمزيدا من الديمقراطية هي الحل وما أجمله من حل ومن أمل… ..

مجدي إسحق

[email protected]

تعليق واحد

  1. شكرا لك د.مجدي
    نحمدالله ان هناك من يبعث الأمل فينا من وقت لاخر وهو فعلا مانحتاجه الان

    ذات الانزعاج وذات الشعور والاحباط
    نسال الله ان يوفقنا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..