شجاعة نهلة
01-19-2013 05:22 PM

شجاعة نهلة

محمد محمود

في أمسية الخميس 17 يناير 2013 أطلت نهلة محمود على الملايين من مشاهدي القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني عبر فقرة "للتفكير" (4thought) القصيرة التي تبث بعد أخبار السابعة مساء وتحدثت عن الشريعة وضرورة رفض ومقاومة محاولات تطبيقها وتطبيعها في بريطانيا. وكانت فقرتها ضمن فقرات أخرى تعالج قضية "ماذا تستطيع الشريعة أن تقدّم لبريطانيا؟" وكانت نهلة واضحة وضوحا تاما لا لجلجة فيه في إجابتها على السؤال عندما أعلنت أن الشريعة لا مكان لها في بريطانيا ويجب ألا يكون لها مكان في أي بلد من بلاد العالم لأنها تميّز ضد النساء وتعاملهن كمواطنات من الدرجة الثانية.

عندما انقلب الإسلاميون على الديمقراطية في السودان عام 1989 كانت نهلة طفلة صغيرة، وتدرجت في مراحلها التعليمية في ظل سيطرتهم على النظام التعليمي وهيمنتهم الاجتماعية وهيمنة خطاب مشروعهم لأسلمة وعي المواطنين وإعادة صياغته. إلا أن نهلة كانت تملك من القدرة على الشك وسلامة الحس الأخلاقي ما جعلها تتساءل عن صحة ما تسمع كل الوقت. وكانت محظوظة إذ دخلت كلية العلوم بجامعة الخرطوم وتخصصت في علم الأحياء الذي فتح لها باب الشك والرفض على مصراعيه، كما أخبرتني، عندما درست نظرية التطور. فتحت نظرية التطور – وهي أساس علم الأحياء المعاصر في تفسير سيرورة الحياة منذ بدايتها – عينيها على زيف الوعي الذي ظلت تتغذي به منذ طفولتها، ووضع دارون في يديها أدوات تحرير وعيها وأخرجها من منطقة عالم الأسطورة لمنطقة العقل والعلم.

إلا أن وعي نهلة كان يحمل عنصرا آخر بالإضافة لنزعتها العلمية وهو وعيها النسوي. أدركت رغم كل مجهودات طمس وعيها وتطويعه أن البنية الذكورية للدين تستهدف المرأة وأنها لا يمكن أن تجد حريتها وكرامتها الإنسانية داخل هذه البنية. أدركت بوعيها النافذ المتسائل وحسها الأخلاقي، ورغم كل ما أحاط بها من ضجيج وضغوط وترهيب وترغيب، أنها لا يمكن أن تقبل بصورة الدين عنها، ولا يمكن أن تخضع لدونيتها المتصوّرة التي تجعلها "ناقصة عقل" وتجعل الرجل "قوّاما" عليها. كشفت لها معرفتها العلمية أنه لا يوجد أساس لتفوق "نوعي" للرجل على المرأة وأدركت بحسها الأخلاقي أن المساواة بين الرجال والنساء هي الوضع الأخلاقي المطلوب والأمثل.

وفي حالة نهلة فإن شجاعة الفكر هذه تحوّلت لشجاعة قول وفعل منذ وصولها لإنجلترا. إن إنجلترا، بديمقراطيتها العلمانية، لا تتيح للمسلمين فحسب حرية التعبير عن آرائهم ومواقفهم وإنما تتيح أيضا للمسلمين السابقين حرية التعبير وحرية نقد الإسلام (وهي الحرية التي حاول بعض المسلمين الانقلاب عليها عندما أحرقوا في إنجلترا رواية الآيات الشيطانبة لسلمان رشدي). ولا شك أن نهلة أدركت إدراكا عميقا أن حريتها في إنجلترا للتعبير عن آرائها كمسلمة سابقة تنطوي على ثمن اجتماعي كبير وربما أيضا على خطر. ويتمثل الثمن الاجتماعي في واقع نهلة كامرأة سودانية، وهو واقع مسلم ومحافظ (وحتى في المهاجر والمنافي فإن واقع السودانيين لا يزال في عمومه واقعا مسلما ومحافظا) والخروج على هذا الواقع ومواجهته (وخاصة خروج المرأة عليه) يتطلب شجاعة قول وفعل كبيرة. أما الخطر فيتمثل في احتمالات عواقب نقد الإسلام إذ أصبح عنف الإسلاميين وسيفهم مشرعا في كل أرجاء العالم (ومثال أيان حرسي الصومالية ليس ببعيد). وهكذا وعندما ظهرت نهلة في القناة الرابعة وأعلنت لكل العالم أنها تعارض الشريعة وتقف ضد ظلمها للمرأة فقد كانت قد عبرت حاجز الخوف وأكّدت على امتلاكها لشجاعة استثنائية وقدرة على الارتفاع لمستوى مسئوليات أكبر.

لقد قررت نهلة ألا تكتفي بمجرد وصفها كمسلمة سابقة وأن ترتفع لمستوى مسئوليات العمل من أجل تغيير واقع النساء في بلدها وباقي البلاد العربية والمسلمة. لقد أدركت أن الشريعة تمثل قيد عبودية المرأة في البلاد المسلمة وأن هذا القيد من الممكن أن يمتد أيضا لبريطانيا وقررت أن تساهم في العمل على كسره. وانكسار هذا القيد يتطلب وبالدرجة الأولى معركة فكرية متواصلة لتحرير الوعي وهزيمة الخوف، وهي معركة تقف النساء في خطها الأول لأنهن الخاسر الأكبر عندما تنبعث الشريعة. إن ما عبّرت عنه نهلة يمثل في تقديرنا ميلاد استعداد جديد وسط بعض قطاعات جيل الشباب في البلاد العربية والمسلمة تتميز بقدرتها على نقد الدين ومواجهته من غير خوف.

إن الإسلام اليوم هو الدين الأعنف وسط الأديان الكبري في رفضه لحرية نقده (وهكذا فإن جريمة الردة غير موجودة إلا في بلاد مسلمة)، إلا أن هذا وضع لا يمكن أن يستمر طويلا إذ لابد من أن يقبل المسلمون عاجلا أو آجلا بأن العالم قد تغيّر وأن الإسلام لا يمكن أن يحاط بسياج يميزه عن باقي الأديان. وبما أن الشريعة هي الوجه العام للإسلام، وبما أن المرأة المحجّبة أو المنقبة أو المغيّبة عن الفضاء العام هي الوجه الاجتماعي للشريعة فمن الطبيعي أن ينشغل الناقدون للإسلام بنقد الشريعة والتركيز على نقد موقفها من المرأة. وبالطبع من حق المسلمين أن يدافعوا عن الإسلام وعن الشريعة وعن موقفهم من المرأة، إلا أن الاستمتاع بهذا الحق وممارسته تعني أيضا وبالمفابل الاعتراف بحق نقد الإسلام ونقد الشريعة. إن دخول الإسلام في دائرة حضارة حقوق الإنسان واستمتاعه بما تكفله هذه الحقوق من حق غير المسلمين أن يعتنقوا الإسلام يعني وبالضرورة قبوله لحرية نقده وحرية المسلمين للخروج منه وحماية هذه الحرية بالقانون في كل بلاد المسلمين.


(*) محمد محمود أستاذ سابق في كلية الآداب بجامعة الخرطوم وكان رئيسا لقسم الأديان المقارنة بجامعة تفتز بالولايات المتحدة. سيصدر له في مارس 2013 كتاب (نبوة محمد: التاريخ والصناعة، مدخل لقراءة نقدية) عن مركز الدراسات النقدية للأديان.

[email protected]





تعليقات 6 | إهداء 0 | زيارات 3362

خدمات المحتوى


التعليقات
#566457 [سلمى ابراهيم]
4.50/5 (2 صوت)

01-23-2013 10:41 PM
أيضاً نسيت أن أذكر، هؤلاء الذين يتحدثون عن المعاملة كمواطن من الدرجة الثانية
لا يجرأون على انتقاد البلاد التي يعيشون فيها في اوربا عندما تعاملنا فرنسا
نحن نساء المسلمين كمواطنين من الدرجة العاشرة وتفرض علينا قوانين ضد ديننا الحنيف
ولتشاهد نهلة بريطانيا التي يبدو أن انها تعيش فيها حالات الإغتصاب للنساء
كم في الدقيقة وضرب النساء في الغرب يحصر بالدقيقة بواسطة الزوج او الاخ او الخطيب
لماذا لا تنتقدون كل هدا. حسب علمي فرسول الاسلام عليه افضل الصلاة والسلام
يقول إن الام هي أحق الناس بالصحبة وكدلك أن الجنة تحت اقدام الامهات
اشرحوا لنا اي ثقافة غربية تحترم المرأة بهده الصورة. ارحمونا يا ناس ووجهوا
سياطكم نحو التطرف وليس الاسلام ولا الدين وحاولوا التعرف على الفرق بين الاثنين.


#566454 [سلمى ابراهيم]
3.00/5 (1 صوت)

01-23-2013 10:31 PM
لا فض فوك السيد عباس اسماعيل، كلام عقل. هذه هي موضة هذه الأيام
كل من هب ودب يريدون انتقاد الدين بغير وجه حق حتى أفسحوا المجال لاعداء الديمقراطية
ولكل متطرف أن يطلع في راسنا ويلعب على حبل الدين وما أسهل إقناع الناس
البسطاء في وجه مثل هده الافترات على الدين. ليس هناك شئ كامل في هده الدنيا حتى الدين
ولكن ترويج مثل هده الاكاديب للأسف جعلت الناس يميلون للمتطرفين لأن معظم الناس
تعتقد في الدين والمتطرفون من اللادينيين في الطرف الآخر لا يحترمون ولا يفهمون هدا
ففاز عليهم متطرفي الدين وضاع المواطن البسيط وضاع المواطن الدي يؤمن بالديمقراطية
وضاع الفكر الحر ما بين سندانة المتطرف الدين من جهة، والمتطرف اللاديني من جهة اخرى.


#565337 [Abbas Ismail]
4.88/5 (5 صوت)

01-22-2013 05:08 PM
شاهدت حديث الابنة نهلة في القناة الرابعة ولكني والله دهشت أن يوصف ما قالته ((بالشجاعة)) لأنها تجنت على الاسلام ووصفته بما ليس فيه رغم أني انا شخص علماني ولكن اعرف ان ما قالته بنتنا نهلة هو ممارسات الانقاذ والمتطرفين الخاطئة وتطبيقهم الخاطئ للاسلام وصفته هي كانه الاسلام. فيا أخي الكريم أربأ بك وانت استاذ كما يبدو مما هو مكتوب في ذيل مقالك، أربأ بك ان توصف هذا الحديث غير الصحيح عن الاسلام بانه شجاعة فهو حديث فطير فيه من الجهل. اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ولكن قولك ((أن الإسلام هو الدين الأعنف)) ايضا اشارة لممارسات خاطئة من قلة مثل نظام البشير ومرسي ومتطرفو العالم عموماً في تشويههم للاسلام، فكيف تنبه للاسلام كدين؟. فأرجوك يا اخي الكريم سمي الاشياء باسمائها ذلك ان الابنة نهلة لها كل الحق ان ترتد او تخرج من اي دين كان ولكن ليس لها الحق ان تفتري على الدين ما ليس فيه. خذ هذا مني يا ابني انا العلماني ولكن علمانيتي لا تحجب عني الحقيقة التي يجب ان ندرسها قبل ان نقول فالديانات ليست منزهة عن الخطا ويجب انتقادها بما في ذلك الاسلام ولكن يجب ان يكون النقد في محله الصحيح ولم تاتي نهلة ولا انت سوى بافتراءات عن الاسلام كان يجب ان تنتقدوها كافتراءات ولا تنسبوها للدين للأمانة يجب الا تعمينا علمانيتنا من رؤية الاديان على حقيقتها لان غير ذلك يصب في مصلحة التطرف ويفاقمه. من يا أخي نظرية داروين رغم اني من مستحسنيها حسب علمانيت ولكن يجب قول الحقيقة ان النقاد قالوا في نقدها ما لم يقله مالك في الخمر فهي بنفس المستو غير منزهة عن الخطأ. مع الشكر لكم ولصحيفتي المفضلة الراكوبة التي تسمح بالرأي والراي الآخر.
عباس اسماعيل (أبو مرام)


#565322 [Abbas Ismail]
4.88/5 (4 صوت)

01-22-2013 04:54 PM
شاهدت حديث الابنة نهلة في القناة الرابعة ولكني والله دهشت أن يوصف ما قالته ((بالشجاعة)) لأنها تجنت على الاسلام ووصفته بما ليس فيه رغم أني انا شخص علماني ولكن اعرف ان ما قالته بنتنا نهلة هو ممارسات الانقاذ والمتطرفين الخاطئة وتطبيقهم الخاطئ للاسلام وصفته هي كانه الاسلام. فيا أخي الكريم أربأ بك وانت استاذ كما يبدو مما هو مكتوب في ذيل مقالك، أربأ بك ان توصف هذا الحديث غير الصحيح عن الاسلام بانه شجاعة فهو حديث فطير فيه من الجهل. اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ولكن قولك ((أن الإسلام هو الدين الأعنف)) ايضا اشارة لممارسات خاطئة من قلة مثل نظام البشير ومرسي ومتطرفو العالم عموماً في تشويههم للاسلام، فكيف تنبه للاسلام كدين؟. فأرجوك يا اخي الكريم سمي الاشياء باسمائها ذلك ان الابنة نهلة لها كل الحق ان ترتد او تخرج من اي دين كان ولكن ليس لها الحق ان تفتري على الدين ما ليس فيه. خذ هذا مني يا ابني انا العلماني ولكن علمانيتي لا تحجب عني الحقيقة التي يجب ان ندرسها قبل ان نقول فالديانات ليست منزهة عن الخطا ويجب انتقادها بما في ذلك الاسلام ولكن يجب ان يكون النقد في محله الصحيح ولم تاتي نهلة ولا انت سوى بافتراءات عن الاسلام كان يجب ان تنتقدوها كافتراءات ولا تنسبوها للدين للأمانة. مع الشكر لكم ولصحيفتي المفضلة الراكوبة التي تسمح بالرأي والراي الآخر.
عباس اسماعيل (أبو مرام


#563357 [mohamad]
4.50/5 (2 صوت)

01-20-2013 12:32 PM
هنالك فرق بين كراهية شخص لنظام حاكم
وبين اعلان شخص كفره وعدم ايمانه بالدين
الاسلامى وآياته .
وآيات الله تقول بكل وضوح ان الله خلق آدم بيديه
لم يطوره من مخلوقات أخرى
ثم... من خلق تلك المخلوقات الأخرى يا ...
مؤمنون بما يقول به دارون ؟؟


#562917 [العباس]
5.00/5 (2 صوت)

01-19-2013 06:48 PM
كلام سطحى متحامل على الاسلام .. الشريعه الاسلاميه معصومه من الخطاء ... الاخطاء فى التطبيق سواء كيزان او غيرهم .. التطبيل لداروين ونظرياته لب المقال وليس مدح نهى ..


محمد محمود
مساحة اعلانية




الرئيسة |المقالات |الأخبار |الصور |راسلنا | للأعلى


المشاركات والآراء المنشورة في صحيفة الراكوبة سواء كانت بأسماء حقيقية أو مستعارة لا تـمـثـل بالضرورة الرأي الرسمي لإدارة الموقع بل تـمـثـل وجهة نظر كاتبيها.
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 2024 alrakoba.net - All rights reserved

صحيفة الراكوبة