مقالات سياسية

الإعلام ثم الإعلام.. ولا شيء غير الإعلام..!!

@ كل أفراد الشعب السودانى، أجمعوا من خلال أحاديثهم اليومية فى جلساتهم الخاصة، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، عبر قروبات الواتس أب وتغريدات التويتر و مشاركات الفيسبوك، أن الإعلام المشاهد والمسموع، وحتى المقروء، بعيد كل البعد عن ما يحدث فى البلاد من ثورة أذهلت العالم، أصبحت مادة دسمة وجدت متابعة عالمية لأعداد كبيرة من المهتمين. إن عدم اهتمام الإعلام الداخلي بما حدث ويحدث الآن وتوقعات المستقبل يتم بصورة ممنهجة ومدروسة و متفق عليها مع المجلس الانقلابي الذي ظل وطيلة فترة تحكمه فى شؤون البلاد والعباد صامتا يتحاشى توجيه الإعلام أو انتقاده؛ الأمر الذي يفهم منه أن السياسة الراهنة للإعلام متفق حولها للالتفاف حول الثورة و خنقها وبذل كل مجهود لطمس الرسالة الإعلامية التي ترمي لجعل الحدث الثوري حاضرًا في كل زمان ومكان ما جعل جميع المواطنين يشيحون بوجوههم وأسماعهم و أبصارهم عن إعلامنا المحلي والاتجاه لوسائل الإعلام الخارجية من قنوات تلفزيونية لتلقي الأخبار و مشاهدة الأحداث التي تجري في البلد وهذه أول سقطة يسجلها إعلامنا المحلي لأنه إعلام النظام المباد و لا يزال.

أكثر من ۲۰ قناة تلفزيونية حكومية وشبه حكومية متمثلة في قناة تلفزيون السودان وكل قنواته المتخصصة التابعة في شتى المجالات الرياضية والثقافية والدينية بالإضافة إلى القنوات الولائية الانصرافية والهايفة التي تغطي جميع ولايات السودان من الشمالية ونهر النيل، ولاية الخرطوم و البحر الأحمر وكسلا والجزيرة وجنوب دارفور وغيرها، بجانب الإذاعات المحلية أيضا أصبحت فى قبضة هيئة الإذاعة و التلفزيون التي صارت وكرًا للثورة المضادة، تعمل على بث رسالة إعلامية (مسمومة) تتجاهل عن عمد ما يجري فى البلاد، بل وتقوم بالتجاهل المقصود عبر البث البرامجي الانصرافي لمواد التبادل معتلفزيونات خارجية وتوسيع خارطة البرامج الدينية والمدائح النبوية وبرامج الطبخ، أما برامج (الشو) السياسية فحدث ولا حرج؛ يشرف عليها ويقدمها من هم بلا خبرة و بلا مؤهل وأقل ما يمكن أن يوصفوا به أنهم (جهل نشط) من دلاهات الإعلام، يستضيفون من هم أجهل منهم، احتكروا الشاشة وعملوا للمشاهد (وجع وش)، وكأن حواء السودان قد عقمت من الكفاءات الإعلامية ولم تجد من تتم استضافتهم سوى المتنطعين والفاقد التربوي وأهل المخلوع أعداء الثورة خدم النظام المباد بمسميات لا تنطبق عليهم كخبراء إستراتيجيين، هم في حقيقة الأمر مجرد مخبرين لا يزالوا يعملون لمصلحة النظام الذي قال فيه الشعب كلمته وقذف به إلى مذبلة التاريخ غير مأسوف عليهم. أولئك (الخبراء الأناتيك) المتغولين على الاستراتيجية والخبرات الاقتصادية والإعلامية والمتسلبطين على التحليل السياسي، قد فضحونا شر فضيحة وهم يكشفون عن جهل فظيع عندما تستضيفهم القنوات الخارجية التي تخلت عنهم بسبب عدم الكفاءة و فقر المعلومة وضعف التحليل والفوتوجنيك الأكثر دمامة، ليصبحوا رصيدًا يوميا، تستضيفهم قناة السودان وتفرض مشاهدتهم على جميع متابعي القنوات التابعة لتلك القناة.

@ ثلاثون عاما من حكم الطاغية المخلوع، خلفت مادة جديرة بأن تفتح كل ملفاتها بتقديمها مادة توثيقية للأجيال القادمة بعد أن تطلع عليها الأجيال التي أحدثت التغيير الثوري. ثلاثون عاما من حكم الإرهاب والفظاعات التي ارتكبت في حق المواطن، جديرة بأن تصبح مادة إعلامية طازجة، تفضح ثلاثين عاما من حكم الطاغية المخلوع وكل من شاركه جرائمه؛ سيما وأن شهود العيان ما يزالون أحياءَ يرزقون، وكذلك أعداد كبيرة من الضحايا الذين تعرضوا لفظاعات وانتهاكات حقوق الإنسان داخل بيوت الأشباح سيئة السمعة وما تعرض له المواطنون من انتهاكات فظيعة قابلوها بشجاعة وصبر؛ لهي تجربة أحق أن تعرضها كل أجهزة الإعلام وأولى بالطبع من الأحاديث عن سيرة البراء بن عامر، وجهينة ابن اليمام، وخولة بنت ثعلبة وكل من لم يتعرض لانتهاكات حقوق الإنسان و تعرض للتعذيب اللا أخلاقي المادة الجديرة بأن تجد مكانها في الخارطة البرامجية لإعلام الثورة حتى يعلم القاصي والداني أن هذه الثورة انطلقت مع البيان الأول للإنقاذ في ۳۰ يونيو ۱۹۸۹م.

@ ملفات كثيرة تنتظر إعلام الثورة ليتكشف للجميع حقيقة ما كان يجري أيام حكم الطاغية المخلوع، ملفات فساد الإنقاذ التي ارتبطت بالتوجه السياسي والاقتصادي والأمني، وما أسفر عنها من ضياع ثروات البلاد الضخمة، وشهود عيان يؤكدون حجم السرقات المليارية التي حدثت في قطاع البترول والقطن والصمغ والاتفاقيات الاقتصادية مع الصين والسمسرة في تشييد الكباري والسدود وتقارير المراجع العام التي تعد جزءًا بسيطًا من رأس جبل الجليد الطافح لفساد الإنقاذ. الفساد الشخصي للمخلوع و زوجته وأشقائه الفارين والذين لم يتمكنوا من الفرار وحقيقة بيع الهوية السودانية واستخراج الباسبورتات السودانية مقابل ۱۰ آلاف دولار للسوريين وللعرب ولمجموعة الإرهابيين المنتشرين في كافة أنحاء العالم الذين شوهوا سمعة السودانيين ووصموهم بالإرهاب ومنعوا دخولهم كل عواصم العالم. هذا جزء بسيط جدا من ملفات جديرة بأن يتناولها الإعلام و قنواتنا التلفزيونية الرئيسية حتى يدرك الجميع حجم الدمار الذي أحدثه الطاغية المخلوع طوال سنوات حكمه والتركة المثقلة التي تنتظر من الجميع الالتفاف حول الحكومة الانتقالية وعدم الالتفات للثورة المضادة وتخرصاتها ومحاولاتها المستميتة لوقف التغيير والحيلولة دون جعل الثورة حدثًا يوميا يتجدد باستمرار يقفل الأبواب فى وجه أعدائها.

@ بعد أن فقدت الثورة المضادة و أعداء الشعب السوداني مصادر التمويل المليارية بعد استباحتهم المال العام الذي كان يصب منهمرا في جيوبهم خارج وزارة المالية السلطة المخولة لإدارة المال العام والجرأة التي لم يسبقهم عليها أحد بتوجيه موارد قطاعات حكومية ضخمة كالكهرباء و المياه وعائدات صادر الذهب إلى جيوب النافذين حول المخلوع وموارد للحزب لممارسة الإفساد على نطاق كبير وسط المعارضين وتقديم الرشاء للمبعوثين الدوليين وللوسطاء أمبيكي وأعوانه الذي فضحهم وفرض نفسه عليهم وسيطا دائما وغيره كثر. كل ذلك أصبح الآن تحت عين الثورة الساهرة وبدأ المال العام يعود لوصاية وزارة المالية فقط تبقى لهم الاعلام من مثلث السلطة القائم على المال والأمن. المرحلة القادمة يجب أن تبدأ بالإعلام وذلك برسم خارطة طريق لا تشذ عن مرحلة الحكم الانتقالي تحقيقا لبرنامج المرحلة القادمة حيث لا يترك الإعلام يتطاول على ثورة الشعب مثلما لم يتطاول من قبل على حكم الطاغية المخلوع، لابد من رسم سياسة إعلامية تقوم في المقام الأول بكشف فساد وعوار النظام المباد وفضح كل الملفات وفتح الفرصة الإعلامية لمفجري الثورة والاستهداء برأيهم وأفكارهم وتحليلاتهم و تعريف الشعب السوداني على أسر الشهداء والمفقودين والتوثيق العلمي الجاد لكل لحظة ارتبطت بالثورة منذ انطلاقتها وصمودها و فضح دور أعداء الثورة من كتائب الظل والأمن الشعبي وفلول الدفاع الشعبي والأمن الذين يحتفظ لهم الثوار بسجل مليء بالتجاوزات والممارسات القذرة والصور الشخصية. الفضاء الإسفيري الذي تستغله القنوات التلفزيونية ملك للشعب السوداني ولثورته ولابد من إعادة ترتيب البيت الإعلامي أولا وذلك بتعطيل البث لجميع القنوات مع الإبقاء على تلفزيون السودان فقط وتشكيل هيئة من الخبراء والمتخصصين لوضع خارطة برامجية محورها التغيير الثوري وقيادته و دور الإعلام فى المرحلة القادمة ومن ثم حسم الفوضى وإعادة النظر في تصديق تلك القنوات التي لا يمكن حصرها مع إلزامها ببرنامج المرحلة الانتقالية و محاسبتها بصرامة عن كل تجاوزات تصطدم ببرنامج المرحلة الانتقالية فى الوقت الراهن على الأقل.

الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..