معركة تفكيك التمكين و استعادة قومية الدولة السودانية ستكون معركة معقدة و طويلة الأمد ، و لكنها معركة وجودية للوطن .
تفكيك التمكين لا يعني الانتقام من الكيزان و إنما يعني إنصاف المظلومين و عقاب الظالمين .
عبر تاريخ البشرية فان قضية الإنصاف بردع الظالمين و انصاف المظلومين ظلت هي اشرف قضايا الحياة ، فالله تعالى لم يرسل رسله الا لكي ينصفه البشر بانه الخالق و انه الله الواحد لا إله غيره ، و الرسل الكرام أنفسهم حينما جاءوا بالرسالات جاءوا للوقوف امام الظالمين و انصاف المظلومين .
لذلك عملية تفكيك التمكين هي في المقام الأول عملية أخلاقية و قيمية تختص بإنصاف المظلومين و محاسبة الظالمين ، و ليست عملية انتقام .
يمكن تقسيم عملية تفكيك التمكين إلى شقين :
الشق الأول انصاف المظلومين
الشق الثاني عقاب الظالمين
لنناقش كل شق على حده
الشق الاول : انصاف المتضررين من التمكين :
ضرر التمكين نوعين :
ضرر عام لحق بجميع الشعب
ضرر خاص لحق بأشخاص بعينهم
الضرر العام :
الشعب السوداني جميعه تضرر من تمكين الكيزان، فلقد أدى التمكين إلى فصل الكفاءات و إلى هجرتها خارج البلاد، و إحلالهم بانصاف الكفاءات و اصحاب الولاء السياسي غير المؤهلين و هذا قاد في النهاية إلى انهيار الخدمة المدنية و إلى الفساد و المحسوبية مما قاد البلاد جميعها الى الدرك السحيق الذي نعيشه الآن .
هذا هو الضرر العام من التمكين و هو الذي تم جبره بالثورة و انتصارها و سوف يعزز بمعاقبة الظالمين . و ليس هناك تعويض أكبر من الاطاحة بنظام التمكين و محاسبته قانونيا على كل الجرائم التي اغترفها .
الضرر الخاص :
هناك أضرار وقعت على اشخاص بعينهم و هذا يستوجب جبر ضررهم باخذ كل حالة شخصية على حدة .
جبر الضرر في الحق الخاص يحتوي على :
– جبر الضرر الأدبي و المعنوي .
– جبر الضرر المادي .
بخصوص جبر الضرر الأدبي و المعنوي فان إسقاط النظام بواسطة الثورة كان أعظم جبر للضرر الادبي و المعنوي الذي تعرض له ضحايا سياسة التمكين ، و سيمثل إنصافهم ايضا عبر وسائل مادية و سائل تاريخية مكتوبة و معلنة وسيلة أخرى لجبر الضرر الأدبي و المعنوي .
فيما يتعلق بجبر الضرر المادي ، فان أهمية هذا الجانب تبرز من كون ان معظم المتضررين تعرضوا لظلم مادي مكلف :
– هناك من فقدوا وظائفهم .
– هناك من تمت مصادرة املاكهم .
– هناك من تعرضوا لاذى جسيم نتيجة التعذيب المنهجي في السجون و المعتقلات مما سبب عاهات مستديمة .
– هناك أسر فقدت عائلها او واحد من أفراد الأسرة المساهمين في استقرار الاسرار الاقتصادي نتيجة تصفية سياسية .
– هناك من فصلوا من الجامعات .
– هناك من اجبروا على الهجرة خارج السودان .
و غير ذلك
لذلك جبرهذه الاضرار المادية عملية لأزمة لإكمال انتصار الثورة بتحقيق قيم الإنصاف و العدالة .
و لكن علاج هذه الملفات يحتاج إلى سلطة و صلاحيات و تفرغ لدراسة كل ملف على حده و الفصل فيه من كل النواحي القانونية و النفسية .
فكيف يتم ذلك ؟
لحل هذه المعضلة اقترح تكوين مفوضية خاصة بذلك تتبع لرئاسة الوزراء تسمى : مفوضية إزالة آثار التمكين ، أو مفوضية العدالة و الإنصاف .
تفتح المفوضية أبوابها يوميا لاستلام طلبات الإنصاف و جبر الضرر و تدرس كل الحالات و تتأكد من صحتها و تفصل فيها بقرار نهائي يعوض من خلاله كل متضرر بما يتوافق و الضرر الذي تعرض له .
في خاتم الأمر و بناءا على الضرر فان التعويض لن يخرج من :
– تعويض مالي
– إعادة موظف إلى وظيفته
– إعادة الأملاك المصادرة إلى أصحابها
– التكفل بالعلاج و التأهيل و التوظيف للمتعرضين للضرر الجسيم .
و غير ذلك
هذا ما يتعلق بالشق الاول انصاف المظلومين ، تبقى الشق الثاني من عملية تفكيك التمكين و هو عقاب الظالمين ، و بحث قضايا التوظيف السياسي و التمكين السياسي و هذا ما سيأتي نقاشه في المقال القادم
د. يوسف السندي