واذا نيران الحرب اندلعتْ.. فكِّر في اطفائها

واذا نيران الحرب اندلعتْ.. فكِّر في اطفائها

بقلم: تاج السر عثمان

يسود التوتر حاليا بين دولتي الشمال والجنوب والذي قد يؤدي إلى مخاطر اندلاع حرب شاملة بينهما، وطلبت حكومة الجنوب إلى إدارة اوباما فرض ?منطقة حظر طيران على الحدود? ، وتحاول الأمم المتحدة نقل 20 ألف لاجئ من معسكر لومو ، كما أشارت حكومة الجنوب إلى توغل القوات الشمالية في عمق أراضي الجنوب، وسط تصريحات متضاربة من جيشي الشمال والجنوب باحتلال بلدة ?جاو? الحدودية، أشارت حكومة الجنوب إلى استعادتها بعد احتلالها من قوات الشمال. وقبل ذلك اتهم سلفاكير الحكومة السودانية بالتخطيط لغزو بلاده، رافضا مزاعم البشير بأن جوبا تدعم المتمردين المعارضين لحكومة الخرطوم. وبعد الغارة الجوية التي استهدفت مخيما للاجئين في ولاية الوحدة في السودان الجنوبي على بعد 50 كلم من الحدود مع السودان. وقد أدان البيت الأبيض قصف المخيّم، وكذلك بريطانيا، والأمم المتحدة التي وصفت قصف المخيّم بأنه جريمة دولية. كما تم هجوم لقوات من الحكومة السودانية على منطقة ?الكويك? التي تقع على الحدود بين ولاية النيل الأبيض وولاية الوحدة المنتجة للنفط، وتم مقتل 13 وجرح 47 من قوات الحكومة، ومقتل 5 من جنود الجيش الشعبي وجرح 26 ، وتأتي محاولة السيطرة على منطقة ?الكويك? في إطار خطة الحكومة لاحتلال حقول النفط في الجنوب حسب مزاعم حكومة الجنوب. كما تشير الأنباء إلى دخول كميات كبيرة من السلاح للسودان بعد سقوط نظام القذافي في ليبيا، مما يهدد باتساع نيران الحرب جراء استخدام أسلحة الدمار الشاملة.

وقبل ذلك كما هو معلوم اتسع لهيب الحرب في جنوب كردفان وولاية النيل الأزرق ودارفور، وتم تصعيد خطاب الحرب من الرئيس البشير بعد استعادة الكرمك في حرب الكر والفر التي تستنزف القوات الحكومية كما اكدت تجربة أكثر من 50 عاما، حتى تم توقيع اتفاقية نيفاشا التي أدت إلى انفصال الجنوب.

ومع اتساع نطاق الحرب بدأ يتصاعد القلق الداخلي والخارجي منها، فمن جهة قدم التحالف الذي يتكون من 66 منظمة امريكية طلبا إلى الرئيس اوباما للعمل من أجل تطبيق حظر الطيران من أجل حماية الملايين من السودانيين الذين يتعرضون للقصف في جنوب كردفان والنيل الأزرق. كما برزت أصوات( مجموعة برندر قاست) تدعو امريكا وحلفائها إلى دعم قوات تحالف ?كاودا? من أجل إسقاط حكومة البشير التي أصبحت تشكل خطرا علي جيرانها والأمن الإقليمي. ومعلوم أن تحالف ?كاودا? الذي تغير اسمه إلى ?تحالف الجبهة الثورية السودانية? وقع علي ميثاقه الحركات الآتية : الحركة الشعبية ? الشمال?، العدل والمساواة، وتحرير السودان( مناوي)، والتحرير ( عبد الواحد)، وطرح الميثاق إسقاط النظام عن طريق النضال الجماهيري والمسلح، ورفض الميثاق طريق الحلول الجزئية، وأشار إلى أن حل القضية يكمن في تغيير النظام في الخرطوم، والحل الشامل لقضايا البلاد.

ومع اتساع لهيب الحرب تصبح البلاد عرضة مرة أخري للتدخل الدولي، وخاصة من قوات حلف (الناتو) التي أصبحت علي مرمي حجر من البلاد، ومع إطالة أمدها ربما يتم طرح تقرير المصير للمناطق التي تعاني من لهيبها( دارفور ، جنوب كردفان، جنوب النيل الأزرق)، وبالتالي يحدث المزيد من تمزيق وحدة البلاد.

وكان اتساع لهيب الحرب نتاجا طبيعيا لتزوير المؤتمر الوطني لانتخابات جنوب كردفان والذي خلق حالة من الاحتقان في المنطقة، والانقلاب علي الوالي المنتخب في ولاية النيل الأزرق، وعدم تنفيذ اتفاقية نيفاشا، إضافة إلى احتلال أبيي، وإغلاق الحدود بين الشمال والجنوب، وعدم حل قضايا مابعد الانفصال ( ترسيم الحدود، ابيي، البترول، المواطنة، مياه النيل،?الخ)، وفشل المحادثات حول القضايا العالقة بين دولتي الشمال والجنوب، إضافة للفشل في الحسم العسكري السريع للحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق الذي كان يعتبرها النظام مجرد نزهة!!!، واحتمال اتساع نطاق الحرب ليشمل شرق السودان الذي يعاني من التهميش والاحتقان بسبب نقض العهود والمواثيق جراء فشل تنفيذ اتفاق الشرق، إضافة إلي أن الحل الثنائي الذي تم باتفاق الدوحة لن يجلب السلام لدارفور.

وعليه يصبح الواجب وقف الحرب فورا، والحل السلمي للأزمة بدلا من الحرب التي لها خسائرها المدمرة وتكلفتها الباهظة، وأثرها السالب علي الموسم الزراعي. وهذا يتطلب الالتزام باتفاقية نيفاشا، ووضع ترتيبات أمنية جديدة لإتاحة الفرصة لشعبي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق في ممارسة حقهما الديمقراطي من خلال المشورة الشعبية.

لقد اكدت الأحداث خطأ تقديرات أمريكا وشركاءها في قصر توقيع اتفاقية نيفاشا علي الشريكين ( المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية)، واستبعاد القوي السياسية الأخرى وتهميشها ، إضافة للتجربة السلبية الأخرى للست سنوات الماضية من عمر الاتفاقية التي كرّست الصراع بين الشريكين، ولم يتم تنفيذ جوهر الاتفاقية الذي يتلخص في: التحول الديمقراطي، وتحسين الأوضاع المعيشية ، والحل الشامل لقضية دارفور وبقية أقاليم السودان، وقيام انتخابات حرة نزيهة تحت إشراف مفوضية للانتخابات محايدة بحيث تفضي في النهاية إلي الوحدة الطوعية للوطن، وكانت النتيجة النهائية انفصال الجنوب بسبب تعنت المؤتمر الوطني وإصراره على فرض الدولة الدينية، يتحمل المؤتمر الوطني المسؤولية التاريخية في ذلك.

وباندلاع الحرب مجددا تكون النتيجة تمزيق وحدة البلاد دون كسب السلام.

ولدرء مخاطر الحرب مهم إلغاء الانتخابات المزورة التي جرت في اجواء محتقنة، ووقف الحصار الاقتصادي على الجنوب، وحل مشاكل مابعد الانفصال ، والتأكيد على علاقة حسن الجوار بين دولتي الشمال والجنوب، وتأمين المصالح المشتركة بينهما، وقيام شراكة استراتيجية بينهما تفتح الطريق في المستقبل لإعادة توحيد الوطن على أسس طوعية وديمقراطية، وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللغة أو الجنس أو الثقافة، وهذا هو الطريق للحل.

ولكن المؤتمر الوطني يسبح عكس التيار، ويعمل على الهروب للحرب بدلا من مواجهة مشاكل البلاد المتفجرة وأزماتها المتلاحقة، مثل: الأزمة الاقتصادية والتي ازدادت تعقيدا بعد اعلان انفصال الجنوب نتيجة لفقدان 70% من عائدات البترول، وزيادة منصرفات الأمن والدفاع والقطاع السيادي التي تبلغ 77% من ميزانية الدولة كما يتضح من موازنة العام 2012م، ومن المتوقع المزيد من زيادة ميزانية الأمن والدفاع بعد اتساع نطاق الحرب، وتوسيع الضرائب والمزيد من الزيادات في اسعار السلع الأساسية( السكر ، البترول،?.الخ)،اضافة إلى تكوين الوزارة الجديدة التي تعبرعن تفاقم أزمة النظام وبقيامها على مشاركة فوقية ديكورية من حزب الاتحادي ?الأصل? مع معارضة واسعة من جماهيره، وبالتالي المزيد من الأعباء على الجماهير الكادحة. والرفع الكامل لليد عن خدمات التعليم والصحة( قرار خصخصة الخدمات العلاجية).

وكذلك يحاول النظام بتصعيده للحرب شغل الجماهير عن قضاياها ونهوضها الحالي من أجل مطالبها وحقوقها، ومصادرة الحقوق الديمقراطية والحريات الدينية تحت ستار الحرب، وفرض الدولة الدينية الظلامية والتي سوف تؤدي إلى المزيد من تمزيق الوطن، وباتساع لهيب الحرب يكون النظام قد صعد إلى الهاوية وفتح على نفسه طاقات من جهنم سوف تعجل باسقاطه ونهايته المحتومة.

وبالتالي، تصبح قضية الساعة هي خلق أوسع جبهة لوقف الحرب والخطاب العنصري الاستعلائي، والحل الشامل والعادل للقضايا العالقة بين دولتي الشمال والجنوب، وقضايا جنوب كردفان وأبيي والنيل الأزرق ودارفور.

الميدان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..