مقالات سياسية

الاتحادیون والأمة ومآلات التغییر

زین العابدین صالح عبد الرحمن

 

تظل السیاسة في السودان محكومة بالإرث الثقافي السیاسي الذي بدأ تاریخیا مع تأسیس نادي الخریجین في أم درمان عام 1918م والذي قال عنھ المفتش الانجلیزي لمدینة أم درمان ، الذي كان قد حضر حفل الافتتاح .
“أن النادي سوف یلعب دورا مھما في تاریخ السودان” وقد (كان بالفعل) بعد ما تم تكوین مؤتمر الخریجین
عام 1938م . أن ذلك الإرث الثقافي السیاسي ظل عبر تاریخ السودان المعاصر یحكم العملیة السیاسیة ، والغریب في الأمر ؛ أن القوى الجدیدة والحركات إذا كانت (یمینا أو یسارا) أن شعاراتھا الجدیدة الھدف منھا
فقط استقطاب للأجیال الجدیدة ، وفي ذات الوقت ھي تغرق في ذات الثقافة السیاسیة التقلیدیة ، التي تجعل تركیزھا على المناورات والمناكفات السیاسیة.
والملاحظ أیضا ؛ أن القوى السیاسیة السودانیة بتیاراتھا الفكریة المختلفة، تركز على أسالیب المناورة والتكتیك في صراعھا مع بعضھا البعض دون تقدیم أي رؤیة إستراتیجیة توضح فیھا أھدافھا على المدیین المتوسط والبعید ، ویعود ذلك لتركیزھا على فلسفة المناورة التي تتغیر فیھا الأھداف بسبب التغیرات التي تحدث في المجتمع ، أو تحدث نتیجة لتغیر في التحالفات السیاسیة المؤسسة على المصالح الحزبیة ، وأیضا
لتغیرات تحدث في النظام السیاسي للدولة ، خاصة بعد ما دخلت القوات المسلحة في العملیة السیاسیة عام
1958م ، حیث جاءت القوات المسلحة بأدوات جدیدة للساحة السیاسیة (السلاح و القمع) أدوات تساعد على احتكاریة السلطة، الأمر الذي أضعف الرؤى السیاسیة التي تحتاج إلي تشغیل العقل مستفیدا من الخیال ومعرفة ثقافة المجتمع باعتبارھم أدوات الإبداع الإنساني . ھذا التحول الذي حدث في الساحة لدخول أدوات جدیدة لیس لھا علاقة بالسیاسة قد أثر تأثیرا سالبا على العملیة السیاسیة ، وأثر حتى على تصورات النخب الذین خارج دائرة الإنتماء السیاسي ، حیث باتوا واقعین في شباك الاستقطاب الحاد . مشكلة الاستقطاب السالبة ؛ تشترط على الشخص أن یحدد موقفا أولا ثم بعد ذلك یبني تصوره السیاسي بناء على ھذا الموقف ،
خارج صندوق . الأمر الذي یدخل الكل في الأزمة ، وتتعمق الأزمة لآن الكل یخشى اللعنة أو القتل المعنوي إذا حاول التفكیر
إمعانا على أن تكون جذوة الإرث الثقافي السیاسي مشتعلة ، وتظل ھي البوصلة التي تحدد اتجاه العملیة
السیاسیة في المجتمع ، تداعت ستة أحزاب أتحادیة لعقد اجتماع في القاھرة بھدف التوافق على رابط تنسیقي
بینھا ، كمحاولة أولى تعبد طریق وحدة الحركة الاتحادیة ، وأختیار القاھرة لعقد ھذا الاجتماع یشكل جزءا من الثقافة الاتحادیة التاریخیة ، والعبرة لیست في التوقیع على اتفاق إطاري تنسیقي، أو وحدوي ، لكن في
الرؤیة الجدیدة التي تحملھا تلك التنظیمات لحل الأزمة السیاسیة في البلاد . الملاحظ أیضا أن أغلبیة القیادات
التي اجتمعت في القاھرة ، ھي قیادات مجربة تاریخیا، وقدمت ما عندھا في فترة الثلاث عقود الماضیة وأكثر ، وتعتبر جزءا من عملیة الفشل السیاسي التي أوصلت البلاد لھذه الأزمة العمیقة، لآن تفكیرھا مرتبط
بالسلطة ، وكیف الوصول إلیھا ، وأن أغلبیة القیادات السیاسیة تجعل ترتیب عملیة التحول الدیمقراطي في المرتبة الأدنى من مرتبة المصالح الحزبیة ، إلا القلة منھم ، ھؤلاء محتاجین أن یقنعوا القاعدة الاتحادیة أولا
ثم الشعب ثانیا أنھم یملكون رؤیة جدیدة یریدون تقدیمھا للساحة السیاسیة ، وھذه الرؤیة الجدیدة سوف تحدث تحولا یؤدي إلى تغییر حقیقي ینتج عنھ استقرارا اجتماعیا سیاسیا ، أو أنھا تقدم للقیادة عناصر جدیدة تملك رؤى جدیدة تحدث بھا أختراقا في الساحة السیاسیة ، لكن الملاحظ أن الأداة التنسیقیة سوف تشكل من
القیادات المجربة ، لآن تاریخھا السیاسي لا ینبئ أنھا سوف تكون حریصة على تقدیم قیادات جدیدة، لذلك تأثیرھا في الشارع لن یكون كبیرا . رغم أن الساحة السیاسیة محتاجة لفاعلیة قوى الوسط ، والذین یحملون
رؤیة جدیدة مغایرا للسابقة.
المحطة الأخرى المھمة ؛ توقیع 6 أحزاب اتحادیة وحزب الأمة الذي یرأسھ مبارك الفاضل المھدي نھایة الأسبوع الماضي ، في العاصمة المصریة القاھرة على مبادرة وطنیة لإنھاء الأزمة السیاسیة المتطاولة في السودان . وقال عنھا الفاضل في كلمتھ أمام حفل التوقیع على المبادرة “إننا نضع أیادینا في أیدي قادة  الحزب الاتحادي الدیمقراطي للعبور بالفترة الانتقالیة إلى بر الأمان ، كما عملنا مع بعض خلال فترات الحكم الدیمقراطي، وفي سنوات النضال ضد الدیكتاتوریة” ھي أیضا سیاسة لا تخرج عن الإرث التقلیدي التاریخي .
في الستینات وقف الحزب الاتحادي مع الصادق المھدي كشخصیة سیاسیة ذات رؤیة جدیدة ، وكانت رسالة للإمام الھادي المھدي أن التغییر مطلب سیاسي یجب التعامل معھ بأفق واسع . ودعوة مبارك المھدي والتوقیع معھ على مبادرة وطنیة لإنھاء الأزمة السیاسیة المتطاولة في السودان . أم ھي ممارسة الھدف منھا
الضغط غیر المباشر على القوى التاریخیة لحزب الأمة لكي تخرج من عباءة التحالف المتواجدة فیھ لكي تنحاز لتحالف جدید یعید الجمیع للإرث الثقافي السیاسي لمؤتمر الخریجین . أن وحدة الحركة الاتحادیة مسألة
مطلوبة وتمثل أشواق لكل الاتحادیین ولكن لابد أن یكون لھا مشروعا سیاسیا داعما لقیام الدولة المدنیة
الدیمقراطیة.
تصبح الأسئلة : ما ھي الرؤیة الجدیدة التي سوف تملكھا التنسیقیة الاتحادیة بقیادة السید المیرغني وتقدمھا للمجتمع السوداني؟ ھل التنسیقیة سوف تتبنى مبادرة المیرغني للحوار أم أن لدیھا مبادرة أخرى تنسیقا مع حزب الأمة (مبارك المھدي) ؟ ھل التنسیقیة لھا تصور لعمل تصالحي داخل حزب الأمة بھدف توحید كل جنحتھ ؟ ھل التنسیقیة قادرة على تحریك قوى الوسط بھدف طرح رؤاھا الاستناریة في المجتمع لخلق التوازن السیاسي في الساحة أم فقط الھدف منھ ھو المساومة من أجل السلطة؟ ھل للتنسیقیة تصورا یھدف لجمع كل المبادرات وبحس قوى الوسط أن تخلق مبادرة واحدة ، تجد الدعم من قبل جمیع الداعمین لعملیة
التحول الدیمقراطي في البلاد؟ .
أن الإجابة على الأسئلة توضح طبیعة العملیة التنسیقیة والھدف منھا ، وكیف تستطیع التنسیقیة أن تخلق واقعا جدیدا في الساحة السیاسیة یكون داعما لعملیة التحول الدیمقراطي ، وأن لا تبدأ من الصفر باعتبار
ھناك مبادرات عدیدة تم طرحھا. ونسأل الله حسن البصیرة.

 

[email protected]

‫8 تعليقات

  1. اسكت يا ديك حزب سيدك الميرغني منتهي الصلاحية وحزب سيدك المهدي كالسفينة التي تتجازبها الامواج، حزب سيدك الميرغني كان في سلطة الانقاذ حتي آخر دقيقة وحزب سيدك المهدي استمرأ حكاية جبر الضرر كلما اكحتاج الي اموار يذهب الصادق الي عمر البشير ويستلم المعلوم، اذا كنت منتظر خيرا من هذين الحزبين تكون واطتك اصبحت واما التيس الآخر مبارك الانتهازي فهو نكرة وقرادة.

  2. ان احزاب الامه والاتحادي الديمقراطي واذنابهم من الاخوان المسلمين هذه كانت مطلع خطبة نميري رحمه الله عندما قام بانقلابه سنة 1969

    1. انت لو قاصد الدفع ثمن التذاكر مين تكون باااالغت يعني مين الحيدفع التذاكر ومصاريف الجيب والاكراميات كمان لهؤلاء العملاء غير المخابرات المصرية

  3. تحليل ممتاذ واجد نفسي متفق مع القول ان العملية الديموقراطية لا يمكن أن تتم في السودان الا بدعم قوي الوسط وهي أغلبية اهل السودان.

  4. الزول دة قاعد في استراليا وينظر لينا من هناك ، تعال ياخى قول كلامك دة من ام بدة ولا من ام صفقا عراض ولا من الغنوماب او من بنارتى ، ـعال انكوى معانا هنا شوف الرصاص الكل يوم بينهمر في الشباب ، شوف قطعة الكهرباء حارة كيف في غرف العمليات ، شوف الكشات لرزق الشباب ، شوف سعر تركيز القمح الغير مجزى ، شوف عمال الميناء لما ما يكون في شغل صادر او وارد ،، لكن تقعد لى بهناك في آخر قارة في العالم وتنظر ( هسة كمان تلقاك بقيت تامل الكنجارو ) ،، تسكت بس

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..