مقالات سياسية

مسيراتنا ضد مسيراتكم ومتاريسنا تحاكي متاريسكم !

أسامة ضي النعيم محمد

تلك هي المبادرة المطروحة اليوم لحل المشكل السوداني ، هدم المعبد وتحويل عمائر الخرطوم الي مساكن للهوام والقطط ، ذلك حين تظل بيننا سائدة ثقافة ( من يريد السلطة فليحمل السلاح لينازلنا ) أو ( لا نسلمها الا للمسيح) ،( المديدة حرقتني !) و( صرف البركاوي) هي ملافظ من سوء أدب ولعجزفي التعابير تتموضع في قاموسنا السياسي تلك المفردات، ينتج عنها هذا الانسداد في الافق وقلة الحيلة ، يرفع عجزنا في قنوات العرب الفضائية خبراء استراتيجيون يدعون امتلاك ناصية الحقيقة للكسب الرخيص ، يظنون أن ما عداهم يكاد لا يبين وهم شباب لجان المقاومة ، بضعة أفراد بحساب تلك الخبرات الضعيفة وبإحصاء العادين حول العالم هم الملايين التي خرجت في أربعة وخمسين مدينة سودانية في يوم واحد ، تلتها مسيرات عدها ملايين من الشباب صبايا وصبية خرجوا في سلمية أخذت بألباب العالم ، يطلبون العيش الكريم في حرية وسلام وعدالة ،ينشدون دولة مدنية تحرسها قوات مسلحة مهنية تملك من رباط الخيل طائرات 35اف.

مثلما لكم مسيرات وحشود تخرج ، فلنا أيضا في التوم هجو ومني وجبريل عزوة خرجت في اعتصام القصر، فالمسيرة من لجان المقاومة يقابلها الحاكم بمسيرة ضرارمتحديا لشعبه ، تتريس الشوارع في منهج لجان المقاومة تقابله السلطة بقفل الكباري ووضع متاريس من الحاويات ، لا يتمخض الاستقطاب عن ميلاد مبادرة ايجابية ، فقط استجابة للتحدي من الطرف المقابل كما في ( المديدة حرقتني ) أو ( كان راجل طالعني الخلاء) ، وصلت بنا الحال في سدة السلطة الي ذلك الانحدار، أتأمل الحال واستدعي من الذاكرة وعبرشريط التأريخ ، أقف عند موقف سيدنا عمر وهو يرسل الاعتراف علي رأس الاشهاد ( أخطأ عمر وأصابت امرأة ) ، ما بالنا لا نستحضر أيضا من الملل الاخري قريبة العهد ،في أحداث مايو 1968م أشار وزير الداخلية للرئيس ديجول بأن يقوموا ببعض الاعتقالات لتخفيف حدة الشباب الثائر. فكان رد فعل الرئيس شارل ديغول ، وهو مؤسس الجمهورية الخامسة ، تجاه نصيحة الوزير، أتريدني أن ألعب دور الطاغية علي أبناء بلدي ؟ ، ثم تلك ميشيل أوباما ترسل القول الي الفريق في المواجهة : (WHEN THEY GO LOW,WE GO HIGH).

أين المكون المدني في مجلس السيادة ، أين هم سدنة وحماة المدنية الذين دفعت بهم الجماهير عنوانا للمدنية في مجلس الحكم السوداني ، اطلاق مبادرة في بركة السياسة السودانية المتأكسدة هو من أوجب واجبات المكون المدني في مجلس السيادة ، لا بد من تحريك الجمود وإعادة العقل والحكمة السودانية الي أطرف المعادلة ، طريق ثالث يقوده المكون المدني يعضد أدبيات الحكم المدني ، تحل ثقافة الحوار والتفاوض والنفس الطويل والصبر علي الديمقراطية التي لا تأتي الا بمزيد من الديمقراطية ، نزع تكتيكات حالة وضع القتال وخدع الحرب ومحاصرة الخصم وما اليها من تعليمات في صحف دروس العسكرية ، تحل محلها مدنية الحكم وسوس البشر وتعمير الارض بدلا من تعمير السلاح للقتل (SHOOT TO KILL) .

أغفل المكون المدني في المجلس السيادي مهمته ورضي بدور الحمل الوديع ، أو هو باسط ذراعيه بالوصيد عند بوابة القصر يحرس أعضاء المكون العسكري ويحوش عنهم بعيدا الثوار، علي المكون المدني أن ينهض بدوره ويقدم مبادرة يطرحها علي مكونات الحراك في السودان ، تكوين مجلس الشعب وإعداد جيش قومي واحد والتحضير للانتخابات في جداول زمنية تعرض علي أطراف المعادلة السياسية في السودان .

تعيين القائد العام للجيش لأعضاء المكون المدني في مجلس السيادة لا يمنعهم مواجهته بقولة الحق ، لا خير فينا ان لم نقلها ، ممارسة المهام في الوظيفة ببذل العناية المهنية المطلوبة ، من أخلاقيات تسير بها المهن وتحافظ عليها ، المكون المدني عليه التزام أخلاقي لمقابلة المليونيات التي تخرج وعقد نقاشات مع قادة الحراك والاستماع الي وجهة نظرهم في مواقعهم ، في أحداث مايو 1968 بفرنسا وصل الامر الي مناظرات تلفزيونية بين الفريقين.
العجز الحالي في تقديم رؤية سودانية يعزز مطالبة الثوار في التغيير وبناء دولة مدنية لها منصات حوار مفتوحة لتربية النشء علي الديمقراطية وأدواتها ، المتاريس الشعبية وقفل الكباري و ضدها من المتاريس الحكومية وقفل النت وقطع الاتصالات من أدوات الحكم الشمولي وليست من (مداميك) بناء الدولة المدنية.

في الختام كلمة أخيرة للخبراء الذين يزحمون بعض شاشات القنوات الفضائية ، الموقف ليس مباراة هلال مريخ بل معالجة مخاض أمة تعاني الطلق لميلاد دولة مدنية تطرح بعيدا ارثها القديم من حكم شمولي يختطفه عسكري ليتراقص لثلاثين عاما.
وتقبلوا أطيب تحياتي.

أسامة ضي النعيم محمد

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..