مقالات سياسية

التعليم في فترة المهدية (6)

تاج السر عثمان  

1. ذكرنا في الحلقة السابقة عن التعليم  في فترة الحكم التركي  أن السودان شهد في تلك الفترة نوعا من التعليم الأكاديمي والمهني الحديث ، حيث قامت سبع مدارس ابتدائية ومدارس للتدريب المهني مثل : مدرسة التلغراف ومدرسة مصلحة النقل النهري. الخ ، وكانت من وظائف هذا التعليم تخريج كتبة وموظفين وعمال مهرة لمد الدولة باحتياجاتها منهم.

 جاءت دولة المهدية نتاج ثورة شعبية مسلحة بعد القضاء علي دولة الحكم التركي التي كانت دولة مدنية ، وحلت محلها دولة المهدية ذات الطبيعة الدينية والتي استمدت نموذجها من الدولة الإسلامية التي قامت في عهد النبي (ص) ومن بيت مال ودار قضاء وإفتاء وجيش .. الخ . واصبح الامام المهدي علي راس الدولة باعتباره خليفة رسول الله ، ويليه خلفاؤه وأمناؤه الذين كان يستعين بهم في تصريف الشؤون المدنية والإدارية والعسكرية والقضائية وغيرها ، اضافة إلي أن الأمام المهدي ومن بعده الخليفة جمع بين السلطة الدينية والزمنية وكان مصدر التشريع ، وبحكم انه خليفة رسول الله وله صلة مباشرة به وهذه الصلة قد تتم في حضرة في يقظة أو منام.

 كانت وظائف هذه الدولة متعددة ومتنوعة فهي دولة عسكرية ، أي أنها كانت في حالة حروب داخلية وخارجية مستمرة وكان لها وظائفها الاقتصادية وكانت الدولة عن طريق بيت المال لها أراضيها (ملكية الدولة) التي تؤجرها للمزارعين بنسب معينة من المحصول وكانت مصادر دخلها من الغنائم والضرائب والزكاة والعشور.

2 . قضت دولة المهدية (1885 – 1898م) على التعليم المدني الحديث الذي تمّ في فترة التركية ، وحل محله تعليم ديني في عدد محدود من الخلاوي التي أصبحت المنهل للتعليم في السودان ، حتي دخول جيوش الاحتلال الانجليزي في عام 1898م .

    كما قضت المهدية علي التعليم التبشيري والنشاط التبشيري بأسره في السودان واغلقت مدارس الارساليات التي تم فتحها ابان الحكم التركي – المصري (محمد عمر بشير : تطور التعليم في السودان ، 1970م ، ص 55) . ولقد تأثرت العلائق التعليمية والثقافية بين السودان ومصر في فترة المهدية للاختلاف بين نظامي الحكم في البلدين ، ولم تعد مصر وأزهرها قبلة الطلاب السودانيين لتلقي العلم والتدريب فيها ، كما تأثر التعليم في السودان ايضا من جراء الحروب الكثيرة التي شهدتها فترة المهدية ولم يتطور في وقتئذ أى جهاز تعليمي ذى بال (المصدر السابق : 57) .

  بالرغم من موقف الخليفة عبدالله تجاه تعليم الارساليات، الا أن خريجي تلك المدارس كانوا يمثلون العمود الفقري للعمل المكتبي والفني في دواوين الحكومة (للمزيد من التفاصيل ، راجع ، تاج السر عثمان الحاج ، التاريخ الاجتماعي للمهدية ، مركز عبدالكريم ميرغني 2010م) .

ويعزى د. محمد سعيد  القدال ذلك الى أنه كان مرتبطا بالفترة التي كان فيها ابراهيم عدلان امينا لبيت المال والذي اعاد توظيف التركية (أولاد الريف) في وظائف الحسابات ومسك الدفاتر والتي كانت لها بعيد الأثر في دقة العمل الحسابي ، ومن الأمثلة لهؤلاء الموظفين محمد شكري كاتب شمال البقعة ، والحاج سعد المغربي من طرابلس كاتب بيت المال وفتي أفندي الذي كان ضابط بوليس في التركية فأصبح كاتبا ، رستم محمد رشدي الذي كان كاتب تلغراف بدارفور فأصبح كاتبا ، عبد الدائم من اسنا كان يعمل في بيت مال دنقلا ، عمر موسي حمدي الذي كان باشكاتبا فأصبح (قباني) بالبقعة ، يوسف افندي نديم ، عبدالله المحلاوى (محمد سعيد القدال ، السياسة الاقتصادية للدولة المهدية ، دار جامعة الخرطوم 1986م، ص 179) .

   اى أن دولة المهدية استفادت من ثمرة التعليم الحديث باستفادتها من هؤلاء الكتبة والمحاسبين ، ولكنها أغلقت المنبع الذي تخرج فيه هؤلاء الموظفون والكتبة وهى مدارس التعليم المدني الحديث !!! .

3 . كانت ايديولوجية المهدي تنادي بوجوب العودة لروح الاسلام ونقائه ونبذ الطرق الصوفية وتوجيه الناس الى القرآن والسنة ، كما لم يكن المهدى متعاطفا مع العلماء الذين ساندوا الادارة الأجنبية ، ولذلك كانت دعوته لاتؤيد بطبيعة الحال النظم التعليمية التي ادخلها الحكم التركي (محمد عمر بشير، مرجع سابق،ص، 55) ، وفي فترة المهدية انتشرت الخلاوى حتي بلغ عددها في امدرمان وحدها ثمنمائة خلوة في عهد الخليفة (بشير : 55) ، وبالرغم من انشغال الخليفة عبدالله في الحروب الخارجية والمنازعات الداخلية ، الا أنه كان يدعو قومه لحفظ القرآن ، وقد أمر ذات مرة ان تعد 4500 لوحا ليكتب عليها الدارسون سور القرآن ، وقد شدد على أنصاره من الكبار أن يحفظوا من سور القرآن على أدني تقدير ما يؤدون بها الصلاة ، وأن يتعلم الاطفال مبادئ التعليم الثلاثة : القراءة والكتابة والحساب مع حفظ القرآن (نفسه : 56) .

    كما كانت الدولة تقوم بدفع مرتبات المعلمين في هذه الخلاوى ، أى أنها استمرت في سياسة الحكم التركي نفسها الذي كان يدفع مرتبات معلمى الخلاوى.

4 . أضحت امدرمان مركز التعليم والثقافة وقبلة العلماء والمعلمين في فترة المهدية ، كما استفاد المعلمون والعلماء من مطبعة الحجر التي غنمها الثوار عند سقوط الخرطوم فطبعوا نسخا كثيرة من الكتب والمحفوظات واستطاع اسماعيل عبدالقادر الكردفاني أن يصدر كتابين احدهما عن المهدي ، وآخر عن اثيوبيا عندما كان مقيما بامدرمان (محمد إبراهيم ابوسليم : الحركة الفكرية في المهدية ، دار جامعة الخرطوم ، 1970م) ، وأصدر ودتاتاى كتابا عن أقوال المهدي ، كما اسهم كل من عوض الكريم المسلم والحسين الزهراء.

  في مجال الكتابة أيضا كان هناك أهم مركز للتعليم في شرق السودان حيث تقيم أسرة المجاذيب وقد اشتهر منها شخصان بكتاباتهما في بث دعوة المهدية هما ابوبكر يوسف وحمد المجذوب الطاهر وكان المجذوب ابوبكر كاتبا لعثمان دقنة وقد قام بتصنيف رسائل المهدي الى عثمان دقنة أما حمد المجذوب ، فقد أعد مخطوطا عن وقائع الشرق وصف فيه الحوادث والمواقع في شرق السودان في عهد المهدية ، وكان المركز السابق في دنقلا ، التي كانت معسكرا كبيرا من معسكرات جيوش المهدية ، وهناك عكف عدد كبير من الانصار في تدوين ونقل راتب المهدي لنشره وتوزيعه على المواطنين .

  وخلاصة القول ، يمكن أن نصل الى الآتي :

– المهدية قضت على التعليم المدني الحديث الذي بدأ في فترة الحكم التركي.

– انتشرت الخلاوى.

– استمر ارتباط معلمي الخلاوى بالدولة.

– انتشرت مراكز الثقافة المرتبطة بنشر تاريخ وترسيخ الايديولوجية المهدية.

تعليق واحد

  1. اصل الهوس الديني في السودان هي مهدية الكاذب محمد أحمد ود فحل وتابعه ود تورشين.
    ظلت البداوة تمثل البنية التحتية للفقر والجهل والمرض لذلك أتت مجاعة سنة ستة.
    وقامت الخلاوي بدور البنية الفوقية لذلك النظام القميئ.
    فقهاء كُثر التحقوا بالمهدية اتقاءا لشرها أو طمعاً في خيرها.

    هل هناك عاقل منع التعليم العام مثل ما فعل هؤلاء الموكوسون؟

    ومازال هناك من طروج للتجارة بالدين.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..