مقالات وآراء

هوامش على دفتر المنفى

حسن أبو زينب عمر
هذه الليلة نادت للفراق
والتقينا لوداع في عناق
كان للروح احتراق
كيف نادتنا فلبينا النداء
وتجرعنا خمور الحب
في وجد
فأفرغنا الاناء
جورج جريس فرح
منذ أن أطلق أيقونة الشعر الجاهلي أمرؤ القيس تغريدته التي ملأت الدنيا وشغلت الناس .
قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فلازالت شلالات الوداع تنهمر دون توقف يقول ميمون بن قيس بن ثعلبة المشهور بالأعشى فقد قيل أنه تحسر كثيرا وهو يودع هريرة التي كانت قينة اعجب بها
ودع هريرة ان الركب مرتحل
فهل تطيق وداعا أيها الرجل
أما شاعر المقاومة محمود درويش فقد قال :
وطني ليس حقيبة
وأنا لست مسافر
أنني العاشق والأرض حبيبة
أثار هذا البيت استنكار النقاد لما فيه من تناقض سيما بعد رحيله الى مصر تاركا فلسطين التي قال فيها انه لن يغادرها فقال قولته المشهورة (ابتعدت عن وطنى لكي أكون أكثر قربا منه) .
(2)
القائمة طويلة ولن تنتهي من الذين نظموا شعرا ونثرا ولكن أكثر ما أستوقفني هنا هو ما خطه يراع الأسطورة خليل فرح الذي يتربع على عرش شعر الغناء السوداني بدون منازع فحينما تغوص في معاني كلمات قصيدته :
ماهو عارف قدمو المفارق  ينتابك شعور وكأنك تسير في حقل كثير الخصوبة والثراء فالوداع عنده بمذاق ونكهة الحنظل .. تفترش فيه أرضا رمضاء وتلتحف سماء غائمة تمطر حزنا لأنه ليس وداعا ينتهي بعودة العاشق .انه وداع سرمدي .. وداع رجل يرثي نفسه بعد اصابته بمرض الدرن وهو مرض كان مخيفا في المجتمع السوداني وقتها فقد كان يتم عزل المريض ويمنع زيارته خوفا من العدوى .. تعتبر هذه الأغنية من أجمل الأغنيات صدقا وعبقرية .. فهي قصيدة مترعة بالدلالات الكثيرة المعجونة بالعذوبة والعذاب معا تقطر لوعة وتنزف حزنا وأسى .. كتبها وهو في طريقه للعلاج في مصر من المرض اللعين مستخدما أسلوبه السلس في تصوير الكثير من المشاهد في امدرمان قبل مغادرته وقبل أيام من وفاته .
(3)
في سموم الصيف لاح له بارق
لم يزل يرتاد المشارق
كان مع الاحباب نجمه شارق
ماله والأفلاك في الظلام
ويحي قلبي الما أنفك خافق
فارق أم درمان باكي شافق
ياأم قبايل مافيك منافق
سقى أرضك صوب الغمام
في عيون النيل جيت سايق
كنا فوق أعراف السوابق
الضريح الفاح طيبه عابق
السلام يا المهدي السلام
من فتيح للخور للمغالق
من علايل أبو روف للمزالق
قدلة يامولاي خافي حالق
بالطريق الشاقي الترام
(4)
الشاعر الثاني الذي يستوقفنا لتماثل حالته مع خليل فرح هو حسن عوض أبو العلا الذي يحمل لقب شاعر العذابات .. كان ابو العلا صبيا ملهما ينتمي لطبقة عالية في المجتمع السوداني وكان في انتظاره وتحت قدميه عالم من الثراء والتميز غير ان قفزة من على صخرة على شاطيء الإسكندرية أدت لارتطامه بصخرة تحت الماء أحدثت كسرا في عنقه فأصيب بالشلل المستديم .. ذهبت أكثر اغنياته حزنا والتي أبكت الشعب السوداني حيث كتبها من على سرير المرض في مصر روى فيها عن معاناته مع الشلل الرباعي للفنان سيد خليفة هي (ولى المساء) وكانت تعبيرا عن المأساة التي عاشها .
(5)
ولى المساء الواله المخزون في جوف الضباب
وأنا أهيء زينتي
وأعد مفتخر الثياب
أملا لقياك الحبيب يصدني زهو الشباب
أمس مضى بين
التحسر والأنين
ووسادتي بللتها بالدمع السخين
مع تباشير الصباح وبسمة الفجر المبين
غنيت مثل الطير فرحا في رياض العاشقين
تسري النسائم عذبة
وأنا أهيم بلا ملال
وتقودني الآمال في دنيا المباهج والخيال
وهناك ارقد في الرمال ولا أرى غير الرمال
غد أذوب مهجتي في حر أنفاس الغرام
أرنو اليك ولوعتى ظمآى تؤجج في الضرام
وأبيت أعض في الدجى طيفا ينادي في منام
أبدا أعيش في حبه أنا غير أحبابي حطام
(6)
نثرا وفي فضاء النوستالجيا التي تعصف بالمحبين لم أقرا أكثر صدقا من كلمات سطرها واسيني الأعرج .. يقول الروائي الجزائري :
(ما بين طائرة تمضي وأخرى تعود قلب يستيقظ على دمعة وداع وآخر على شهقة فرح) ..ولكن أنا الذي عاش مرارات الغربة واكتوى بنيرانها وجدت نفسي أكثر قربا وأكثر انسجاما مع ما قاله الكاتب الكبير الدكتور خالد الكد في مقال كتبه قبل وفاته في جريدة الخرطوم يقول (الخضرة تمتد على امتداد البصر والبجع يرف بجناحيه فوق مياه البحيرة والنسيم العليل يداعب أجساد الحسان وهن يستمتعن بحمامات الشمس تحدثا بنعمة الله .وأنا اتجاذب الحديث مع أحداهن ووجداني وأحاسيسي معلقة في مكان بعيد تمنيت أن لا استمتع بسحر المشهد في حدائق هايد بارك .. تمنيت أن اقف انتظارا لحافلة في أبو روف اتصبب عرقا فتضربي كتاحة تحول جبهتي الى كتلة من الطين .. نحن في هذه البلاد مهما وجدنا من نعمة مستلفون تغدق علينا الملكة اليزابيث .. ورغم ذلك فقد تمنيت أن لا أقضي نحبي في هذه البلاد التى تموت من البرد حيتانها كما يقول الطيب صالح فيصلي على امام باكستاني ثم يستلم ثمن صلاته بالاسترليني) ..
بعدها بأيام نعى الناعي نبأ رحيل الكاتب الكبيرخالد الكد الذي برأه اللواء عمر الحاج موسى من تهمة المشاركة في انقلاب كبيدة في حادث سيارة مسرعة .

‫2 تعليقات

  1. عودا حميداً. أخيراً أنتبهت لشعراء بلادي وبلادك! نتمني أن تتحفنا بشعراء منطقتك وعشيرتك أيضاً!

    1. قبح الله المناطقية والعشائرية والقبلية وفك اسرك وحل قيدك لماذا تريد ان تنحصر وتغلق نفسك في عالم قرية بين يديك
      خليل فرح خلفاوي الطيب صالح شمالية وخالد الكد يعتبر امدرمان يعني قومي من البقعة مالكم كيف تحكمون
      فعلا مرمي الله ما بيترفع

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..