توجعات “مغترب” في إجازة

توجعات “مغترب” في إجازة

سعد الدين عبد الحميد ? سلطنة عمان
[email][email protected][/email]

ثبت لي في إجازتي الأخيرة التي قضيتها بالخرطوم، أن (التدهور السلوكي) المتسارع هو السمة الغالبة في “العاصمة الحضرية” لأهلات السودان! يستمتع به العامة و”الخاصة”، كما تنتهجه غالب مؤسسات الدولة والمجتمع، والتي يفترض فيها رعاية هذا السلوك و”ترقيته”. ولكم هذه الأمثلة:

مساجد يتأذى منها جيرانها: كان يعجبني تداخل أصوات مؤذني المساجد يتفاوت علوها، إلا أن مكبر صوت مجمع أنصار السنة بالصحافة شارع محمد نجيب “المعروف بمسجد محمد الأمين” صار (يلتقم) كافة الأصوات حوله. بل ويقتحم المساجد مشوشاً حتى على الصلاة في بعضها! وكم من مصلٍ في مسجد آخر أمّن وراءه، ظناً أن إمامه أكمل الفاتحة!
كما أن علو صياح من يلقون الدروس والأحاديث عقب صلوات الفجر والمغرب والعشاء يقض فعلاً مزاج ومضاجع الساكنين حوله في دائرة يتعدى قطرها الكيلومتر بمربعات 31 و33 و 36 و 37 و38. وحتى التخاطب بينهم وهمو داخل بيوتهم لا بد أن يكون صياحاً، وفيهم الطفل والمسن والمرضع والمريض والطالب، وكلهم يشتهي الهدوء، ليكمل نومه أو يركز في مذاكرته أو يسمع نشرة أو برنامجاً، غير ما يفرضه عليه أهل هذا المسجد سماعه، ولعدة مرات في اليوم الواحد!. ما عرفنا المساجد يُتأذى منها؟ ثم وأين الجهة المعنية من توجيهها بعدم استعمال المكبرات في غير رفع الأذان؟

وطالما ابتدرت حديثي بالمساجد، فقد كان يصلني صوت مسجد آخر في صلاة التهجد (حينما يسمح صوت المسجد الأول بذلك) يقرأ إمامه بصوت كسول متراخٍ، وهو لا يكاد يكمل آيتين دون خطأ. وقيل لي أنه يُصِر على الإمامة بحسبانه دكتوراً ومحاضر جامعي!!

فوضى “نظام” المرور: عادة ما أقضي أسبوعي الأول في الخرطوم متأملاً “مقادير” ما وصلت إليه (فوضى) السواقة فيها قبل أن أجرؤ على السواقة بنفسي. ويعجب من حولي لكثرة (إندهاشاتي) من “إنتهاكات” السائقين، وخاصة أصحاب الحافلات والركشات، وقوة عينهم في (إحتقار الغير) وإقتحام الطرق والخروج منها و(اللولوة) داخلها من مسار لآخر “إن رسمت بها مسارات”. في ما لا يشبه نظام و قواعد المرور المتعارفة، والتي تحفظ للكل حقهم في إستخدام آمن للطريق. ويكون أغلب هذه ال(ممارسات)، ولا أقول مخالفات، تحت بصر شرطي المرور وبوجوده. حيث أن القاعدة الفقهية التي تسود كما علمت هي أنه لا يجوز له التدخل طالما لم يحتك الحديد ببعضه!

ويكون بعض هذا الأسبوع مخصصاً لحفظ مسارات بعض الشوارع التي غابت عنها الأسهم والعلامات أو اللوحات الإرشادية التي تفيد مستخدميها بإتجاه السير فيها مزدوجاً كان أم أحادياً، وفي أي إتجاه. فضلاً عن رسم خرائط ذهنية مرجعية دقيقة للحفر الدائمة والمستحدثة، الجافة منها والممتلئة، ومواقعها وأحجامها، وما تمثله من خطر على شاسيه وركب العربية “ومن بداخلها”. وإضافة لذلك، وهو الأهم، مواضع الإرتكاز الدائم والمؤقت و(المفاجئ) لحملات رجال المرور وإيصالاتهم ذات القيمة الفلكية، حيث أنها غدت من عناصر تقصير أو إطالة أمد الإجازة لعلاقتها الوطيدة بالميزانية.

وبت أفهم ? من ناحية أخرى ? لم كانت رخصة السواقة السودانية قبل عشرين عاماً تستبدل مباشرة بالرخصة الخليجية ? ثم صار حاملها يطالب بتلقي بعض حصص تعليم السواقة النظرية قبل أن يمتحن في الشارع. ووصل الأمر الآن إلى ما يشبه عدم الإعتراف بها. ذلك أن (ثقافة) السواقة هناك إرتقت لما يوافق أعلى معايير السلامة المرورية الدولية، والتي تفترض في السائق والمركبة والطريق قدراً من الشروط والمواصفات، لا يتوفر لدى كثير من سائقينا، وتكاد تخلو منه طرقاتنا.مع إكتظاظها بالحديث من السيارات. وآمل أن أعود للكتابة عن ذلك لاحقاً بإذن الله.

سفلتة وخراب خيران: سررت لسفلتة شارع مجاور لمنزلنا يقود لمشفى إبراهيم مالك، إلا أن فرحتي وأهل الحي لم تطل، إذ سرعان ما تزايدت أعداد وسرعات السيارات والركشات عليه مهددة سلامة عابريه، ومنهم نساء وأطفال يقصدون دكاكين اللحم والخضار والبقالة على جانبيه. وبتنا نستمع “لطرطرة” أعلى ونستنشق دخاناً أكثر. لعلها ضريبة ” التطور”؟
أما الآليات الثقيلة التي عملت على رصف وسفلتتة الشارع، فقد ناءت “بكلكلها” على جدار مصرف الأمطار العتيق فتهاوى بعضه، وغادرت الشركة المنفذة بآلياتها المكان في سلام، وطبعاً لن يعود أحد لصيانة المصرف الذي صار سداً للماء خلفه!
إصحاح بيئة.. يا محسنين: خلال الأسبوع الثاني من رمضان سمعنا تصريحا إذاعياً لأحد مسؤولي ولاية الخرطوم يتوعد فيه البعوض والضبان ومن لف لفها من ملوثات البيئة بحملات إصحاحِ تقضي عليها ولا تذر، فتبسمت أمي واستبشرت لها بطول سلامة. وقالت (أل يلمو الوساخة في الأول)! مشيرة إلى تكدس النفايات في الشوارع لتأخر الشركة المعنية عن جمعها.
إنقضت أسابيع، و”أبتلينا” بمزيد من الأمطار والتصريحات الشبيهة، وسألت معارفي من أنحاء الولاية المختلفة إن كان بعوضهم قد حظي بأي رشة، فكان ردهم جميعاً (يطرشنا) وأنهم لا ينامون إلا بعد إشعال الدخاخين وتشغيل المراوح بأقصى سرعاتها (وهذه من فوائد السد التي تؤذي الجيوب). وليلة سفري كان طنين البعوض ينافس مكرفون المسجد المذكورعلواً. أما شوال الوساخة الأبيض أمام أحد البيوت فقد كان رمادياً لكثافة الذباب المتجمع فوقه.

موية وغسيل كلى: بلغني من أثق فيه أن صديقاً له “من أهل التخصص” وجد أن نسبة الأملاح في خطوط المياه تبلغ 180 في مرابيع الشريف، وتتفاوت درجاتها في مناطق أخرى حتى تصل إلى 700 في الأزهري. بينما لا يجب أن تتعدى هذه النسبة 120 في المياه الصالحة لصحة الإنسان. إن كان ما قال صحيحاً، فهل تعلم شركة المياه بذلك؟ وهل تعمل على إبلاغ مستخدميها بما يتوجب عليهم؟ أتمنى ألا يتطوع أحدهم برفع دعوى عليها لترد بقطع (الإمداد) فيقع علي السباب واللعنات.
مطار الخرطوم الذي هو دولي: جئت المطار مسافراً ليلة الأحد الثاني من سبتمبر ووجدت الزحام خارجه كبيراً. لم نجد العربات التي تحمل عليها الأمتعة، ورأيتها مكدسة بالصالة بجوار جهاز التفتيش المجاور للمدخل. إستأذنت ضابط الشرطة لآتي بواحدة أو يكلف من يخرجها لنا، فقال إن العمال يخرجونها من باب جانبي. توجهت وآخرون لذلك الباب واثنان من عمال المطار يخرجان منه وكل منهما يدفع عربة واحدة! وصلناه فإذا هو مغلق، طرقناه وجاءتنا بعد دقائق من تخبرنا في لهجة حاسمة بان لا عربات في الداخل (وعيننا فوقها)!

حملت أمتعتي على كتفي ويدي و”زحفت” في صف طويل إلى داخل الصالة. بعد خروجها من جهاز التفتيش سحبت عربة من ” المتكدسات” لنقل أغراضي إلى (كاونتر) إجراءات السفر، فانتهرني أحدهم بأن ذلك ممنوع. عدت لحملها ثانية حتى الكاونتر. بعض موظفات العربية للطيران كن يوزعن الدور على الواقفين حسب المزاج، وعمال الصالة يقدمون هذا ويؤخرون ذاك على كيفهم! لما جاء دوري كانت تلال الشنط تتكدس على موازين الكاونترات وسير نقل الأمتعة متوقف.
بعد نصف ساعة جاء بعض العمال (لرمي) الشنط خارج السير، كان جلياً أن لأحدهم “تار” مع الشنط وأصحابها. إذ راح يجبدها ليرفعها ويرميها بعنف، خشيت معها على ظهره (وأنا صاحب دسك). رحت أنادي عليه لتنبيهه وليرأف بمتاعنا ? لكن يبدو أن (أضانو كانت تقيلة)!، توقف لحظة بعد أن إنقلعت يد إحدى الشنط، لكنه رماها جانباً وواصل. لفت نظر الموظفة لما فعل ويفعل فبادلتني إبتسامةً غبراء ولم تكلف نفسها الإلتفات إليه.
اللهم من أرادنا بسوء فأنزل السوء به.
اللهم لا تول علينا من لا يخافك ولا يرحمنا.
اللهم لا نسألك رد القضاء، ولكننا نسألك اللطف فيه.

تعليق واحد

  1. الأستاذ عبد الحميد، عودا حميدا، ترى هل نسيت أكبر وأهم موجعات الاجازة الا وهو “جهاز إذلال وفقع مرارة المغتربين”، إنه حكاية أخرى وسلسلة من الأوجاع والمواجع….

  2. وازيدك من الشعر بيتا ان الموظفيين السودانيين بالمطار يمنعونا من حمل اجهزة اللابتوب ( كمبيوتر محمول ) كصحبة راكب داخل الطيارة السعودية في العودة من السودان وذلك بعد ولوج سلم الطيارة في حين ان موظف السعودية ( والمضيف السعودي نفسة) ماعنده اي مانع من دخولنا للطيارة السعودية ومعنا اللابتوب وعلق على هذا الاجراء مستغربا ( وهم يقولون لنا السعوديين مابيرضو هات اللابتوب ) حتى ان احدهم ذات مرة اخذ شنطتي من سلم الطائرة السعودية وسرق منها جوال حديث سبق ان رآه في لحظة مرور الشنطة على جهاز الكشف ) والسؤال الى متى هذه التصرفات الغير حضارية ؟؟؟؟

  3. حكاية اصوات المساجد هذه بالغت فيها شوية مع اقرارنا بان البعض يرفع الصوت اعلى مما ينبغي
    أما القيادة في الخرطوم فيبدو انه حين يصل المغترب الى مرحلة القيادة من دون خوف ستكون الاجازة قد انتهت

  4. ده انت في الخرطوم – ده انت شفت حاجه – مالك ما دخلت لي جوه يعني مشيت على الأقاليم المهمشة – شفت طريق مدني – الخرطوم – طريق شندى على واطي – طريق كوستى – يا أخي خليهم يشوفو المغتربيين ديل عايزين شنو يحلو ليهم مشاكلهم ومشاكل وليداتهم – ياأخي البشير ده فاضي لينا من الرقيص .

    اللهم من أرادنا بسوء فأنزل السوء به.
    اللهم لا تول علينا من لا يخافك ولا يرحمنا.
    اللهم لا نسألك رد القضاء، ولكننا نسألك اللطف فيه.

  5. حملت أمتعتي على كتفي ويدي و”زحفت” في صف طويل إلى داخل الصالة. بعد خروجها من جهاز التفتيش سحبت عربة من ” المتكدسات” لنقل أغراضي إلى (كاونتر) إجراءات السفر، فانتهرني أحدهم بأن ذلك ممنوع. عدت لحملها ثانية حتى الكاونتر. بعض موظفات العربية للطيران كن يوزعن الدور على الواقفين حسب المزاج، وعمال الصالة يقدمون هذا ويؤخرون ذاك على كيفهم! لما جاء دوري كانت تلال الشنط تتكدس على موازين الكاونترات وسير نقل الأمتعة متوقف.
    والله ماقلت الا الحق نهب نهب نهب فى المطار عربة مخصصة لراحة المسافر يحدد لها مسار طيب ليش وجودها اصلا يحرامية نفس الموقف مررت به وتسالت وين مدير الصالة وين الرقيب يالله انصرنا نصرا قريبا

  6. ارجو ان تضيف لموجعاتط اصوات المايكرفونات التى يحملها اصحاب عربات الكارو لبيع الخضار وايضا ( الهورد ) الخرد والصياح منذ السادسه صباحا لعل المحليات واللجان الشعبيه تصحى من نومها لمنمع هؤلاء من استعمال المكبرات

  7. الأخوة الأحباء
    للأسف أسوأ قرار يقرره المغترب السوداني هو قرار العودة النهائية أو قضاء إجازة في السودان لأنه من بعده تبدأ مرحلة العذاب من السفارات والقنصليات وانتهاءاً بجهاز المغتربين ما بين معاملة سيئة ووجوه عبوس قمطرير ماعارف كيف جابوها واختاروها للأماكن الشغالة فيها دي. وعلى حد علمي أنه ديل يعتبروا موظفين علاقات عامة يعني لازم يظهروا الإبتسامة والكلمة الطيبة وامتصاص الغضب …إلخ.
    ولاأقول إلا أنه ربنا يصلح الحال.

  8. الاسم الحقيقي لهذا البلد هو (السوء دان) والمصيبة اننا ندعي باننا احسن شعب مع العلم اننا اسوء شعب علي وجه الارض وكل الذي ذكرته قام به سودانيون وهذا يكفي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..