مقالات سياسية

مفاوضات جوبا: طريق مسدود

تاج السر عثمان بابو

لايمكن تناول ما حدث من خلل في مفاوضات السلام في جوبا التي وصلت لطريق مسدود بمعزل عن خطأ هيمنة اللجنة الأمنية للنظام السابق أو المكون العسكري الذي كرّسته “الوثيقة الدستورية” في : وجود 5 عسكريين في مجلس السيادة، تعيين وزيري الداخلية والدفاع ، تقنين قوات الدعم السريع دستوريا ، تعيين مفوضيات أساسية : “السلام، الحدود، الدستوروالمؤتمر الدستوري، والانتخابات”، وأبقت شركات الأمن والجيش والدعم السريع خارج وزارة المالية، وإعادة إنتاج سياسات النظام السابق القمعية والاقتصادية ، والتحالفات العسكرية الخارجية الضارة بسيادة ووحدة البلاد ،مما كرّس الهيمنة العسكرية والاقتصادية والمصالح الطبقية للقوى القابضة فعليا علي السلطة، تلك المصالح الطبقية هي التي تقف حجر عثرة في طريق السلام ، والديمقراطية وتحسين الأوضاع المعيشية ، وعدم رهن البلاد لسياسات صندوق النقد الدولي.

لم ينتظر المكون العسكري تكوين مفوضية السلام ،بل استلم عملية السلام من الحكومة ، ووقع اتفاقا مع الجبهة الثورية تمّ بموجبه تأجيل تكوين التشريعي والولاة المدنيين لحين انتهاء السلام، وتم خرق الوثيقة الدستورية التي أشارت الي تكوينه خلال 90 يوما، اضافة الي السير في الحلول الجزيئة والمسارات التي تشكل خطورة علي وحدة البلاد، من خلال محاصصات لا تعبر عن قضايا ومطالب أصحاب المصلحة، فضلا عن تجاوز الحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة، وأن الحركات نفسها جزء من قوى الحرية والتغيير التي قادت الثورة ، وأن الجماهير في شعاراتها أكدت أهمية وحدة البلاد من خلال تنوعها، كما في شعار ” يا عنصري ومغرور ، كل البلد دارفور”، ” من كاودا لام درمان ، كل البلد سودان”، بالتالي ، لم يكن مبررا بعد الثورة السماح بالتدخل الدولي ، والمفاوضات خارج السودان، بل كان يجب حضور جميع الحركات المسلحة في الخرطوم ، والجلوس في مائدة مستديرة ، لمعالجة قضية السلام ، في ارتباطها بالحل الشامل والتحول الديمقراطي والتنمية المتوازنة ، والترتيبات الأمنية بحل المليشيات، وقومية ومهنية القوات النظامية، ودولة المواطنة التي تسع الجميع، والتمهيد للمؤتمر الدستوري الكفيل بمعالجة شكل الحكم ، وحل خلافات الحدود والأرض ، وعلاقة الدين بالدولة. الخ.

أعادت مفاوضات جوبا، ومنهجها في الحلول الجزئية والمسارات ، للأذهان منهج النظام السابق الذي وقّع اتفاقات كثيرة مع قوي المعارضة والحركات المسلحة، وكان من الممكن أن تفتح الطريق لمخرج من الأزمة، ولكنه تميز بنقض العهود والمواثيق ، كما وضح من افراغ الاتفاقات التي وقعّها من مضامينها وحولها إلي مناصب ومقاعد في السلطة والمجالس التشريعية القومية والولائية تحت هيمنة المؤتمر الوطني، ولم تحل قضايا الجماهير و المناطق المهمشة في التنمية وتحسين الأوضاع المعيشية والصحة والتعليم والخدمات مثل: الاتفاقات مع مجموعة الهندي من الاتحادي، جيبوتي مع الأمة والتي أدت إلي انشقاق حزبي الأمة والاتحادي، ومجموعة السلام من الداخل التي انشقت من الحركة الشعبية، واتفاقية نيفاشا والتي كانت نتائجها كارثية أدت الي تمزيق وحدة السودان، بعدم تنفيذ جوهرها الذي يتلخص في : التحول الديمقراطي وتحسين الأحوال المعيشية ، وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية بحيث تجعل كفة الوحدة هي الراجحة في النهاية، وبالتالي يتحمّل نظام الانقاذ المسؤولية الأساسية في انفصال الجنوب. وبعد ذلك وقّع النظام اتفاقات أخري أيضا لم يف بعهودها مثل: اتفاق القاهرة مع التجمع الوطني الديمقراطي، واتفاق ابوجا مع مجموعة مناوي، والاتفاق مع جبهة الشرق ، واتفاق التراضي الوطني مع حزب الأمة، واتفاق نافع – عقار و حوار الوثبة الأخير الذي تحول لمحاصصة ومناصب ، وكلها اتفاقات وحوارات لم تؤتي أُكلها، وأصبحت حبرا علي ورق. ولم تّغير هذه الاتفاقات من طبيعة النظام وخصائصه وعقليته الاقصائية والشمولية حتي لو كان علي حساب وحدة الوطن، إضافة لمواصلة التنكر لوثيقة الحقوق في دستور 2005م التي كفلت حرية التعبير والتجمع والتظاهر السلمي، من خلال التعديلات التي كرست لحكم الفرد المطلق، وقمع المواكب وفتح النار عليها كما حدث في موكبي البجا في شرق السودان، وأبناء كجبار، مما أدي لقتلي وجرحي، اضافة للقمع الوحشي لمواكب سبتمبر 2013 وهبة يناير 2018 والشباب والطلاب وقوى المعارضة والنساء والعمال والمزارعين ومتضرري السدود والتعدين العشوائي والأطباء..الخ، ومصادرة الصحف وإعتقال الصحفيين ومنعهم من الكتابة، وإجراء تغييرات شكلية في النظام عن طريق التضحية ببعض الفاسدين دون تغيير طبيعة النظام، وممارسة تعذيب المعتقلين السياسيين، مما أدي لتراكم المقاومة ضد النظام حتى ثورة ديسمبر التي اطاحت برأس النظام ، وما زالت مستمرة حتى استكمال مهامها في:

التحول الديمقراطي ، وتفكيك التمكين والانتقال من دولة الشمولية والحزب الواحد الي التعددية السياسية ، ووقف الحرب والحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة بالآتي: –
* الديمقراطية وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات.
* رفع حالة الطوارىء ، واطلاق سراح كل المحكومين.
*الترتيبات الأمنية بحل كل المليشيات ” دعم سريع ، جيوش الحركات. الخ” ، وقومية القوات النظامية بعد تنقية المليشيات من الذين ارتكبوا جرائم ضد الانسانية.
* تسليم البشير فعلا لا قولا والمطلوبين في جرائم الابادة الجماعية للجنايات الدولية.
* عودة النازحين لقراهم ، وإعاد تأهيل واعمار مناطقهم ، وعودة المستوطنين لمناطقهم ، والتنمية المتوازنة.
* قيام الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو العرق أو اللغة أو الثقافة، وحماية ثقافة ولغات المجموعات المحلية.
* قيام المؤتمر الدستوري ، الذي يقرر كيف تحكم البلاد؟ ، ويضع الإطار لدستور ديمقراطي بمشاركة الجميع ، وقانون انتخابات ديمقراطي ولجنة مستقلة تضمن قيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.
– الغاء كل الاتفاقات العسكرية التي تفرط في سيادتنا الوطنية، وقيام علاقاتنا الخارجية علي أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخري.
تاج السر عثمان
[email protected]

تعليق واحد

  1. يا راجل دي حركات بدون وطنيه او حياء ابطال التروس هم من صنعوا الثوره لا ادري لماذا مفاوضات جوبا مع الانتهازيين وتجار الشنطه والفاسدين وهل لكن حق في الثورة حتي تفرضوا شروطكم وتفضحونا قدام العالم الحر يا وسخ

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..