مقالات سياسية

المات ضمير خائن.. حالفين نجيب التار

مصطفى عمر

الغصًة في الحلق، والحسرة تملأ القلب، وألم الفجيعة من كل حدبٍ وصوب، رغم محاولاتي المستميتة لتجاهل الواقع المرير، شرعت في البحث عن وطن بديل وتحصلت عليه بكل بساطة، تجاهلت واشغلت نفسي بأشياء أخرى تستنفذ كل وقتي، ولم أدع شيئاً يجنبني التفكير فيما آل بوطن الأسلاف والأحفاد  إلا فعلته، بيد أنً جميع محاولاتي تجاهل ما يحدث على الأرض فشلت.. ، تمنيت لو انً قذيفة دوشكا صبي جنجويدي استقرت في صدري وأخذت حياتي، فلست بأفضل حال من الشهداء الذين سقطوا، ولن أهنأ بالعيش الكريم طالما أنًهم يزورونني أفواجاً كل ليلة متسائلين، ماذا فعلت في سبيل الوطن، .. القصاص من قتلتهم..من باعوا دماءهم ووقعوا على قتلهم بعد ان سحبوا خيامهم من ساحة المجزرة، من قبضوا الثمن من أبوظبي.. ، من التزموا الصمت، من حنثوا..، من شهدوا زوراً، من باعوهم مقابل ثمن لا يتعدى تأشيرة لأميركا..، من خانوا العهد، من نصبوا كراسيهم على أشلائهم..، لماذا توقفت عن المسير في الطريق الذي رسموا معالمه بدمائهم الطاهرة..، ثمً ماذا فعلت من أجل الوطن الذي دفعوا أرواحهم من أجله،…وقائمة طويلة من الأسئلة تتجدد كل ليلة حتًى تمنيت لو أنًها تغيب عني لليلة واحدة أهنأ فيها بالنوم..

أخبرتهم بأنًني حاولت قدر استطاعتي وفعلت كل ما يمكنني فعله، ساهمت بوقتي ومالي وأفكاري..، وقبل أن أكمل ينتهرني قُصي ، أين قلمك؟ لماذا توقفت عن الكتابة؟ أجيبه: لم أتوقف لكن الأنجاس أوقفوا حسابي في تويتر ولم أستطع استرداده…! يردون بصوت جماعي…” لكن وقع الخطأ وتوقفت الثورة قبل أن يسقط النظام” نحن متنا، حتًى أرواحنا لم ترقد بسلام لأنكم تخاذلتم..، أحاول عبثاً الهروب فأجيبهم: .. لكننا لا نزال على الدرب ، ولن تفلت ميليشيات الجنجويد من العقاب…، ولكن! كيف يمكننا معاقبة الجنجويد والسلطة بيدهم..، أحاول فاشلا التبرير و أنسف كل عبارةٍ أتفوه بها بعد أن أجد نفسي مضطراً لبدء التي تليها ب”لكن”، ومع كل “لكن” يرد علىً وليد السعدابي – لا أدري لماذا هو بالذات- ويلجم لساني وينعقد حتى يعود القهقري ويكد أن يقطع نفسي..، فأصحو مذعوراً ولم يعد بإمكاني النوم بعد أن تعطًلت كل الروابط بين الروح والجسد.

أحاول استيعاب ما جرى فعلاً…، أعود للوراء واحاول أن استجمع أفكاري ..، أعود لما قبل 19 ديسمبر وأبدأ بسرد الأحداث…، أبسط وأشمل توصيف لما حدث في السودان هو أنً الشارع ثار ضد نظام المجرم عمر ، وبعد أن وجدت التنظيمات السياسيًة المتهالكة نفسها خارج المعادلة أصاغت ميثاقاً من تسعة بنود بمثابة العهد الذي بينها والثوًار..، فانتظم الشارع السوداني في ثورةٍ لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً كانت نتيجتها الحتمية اقتلاع النظام من جذوره، لكن، الأحزاب المتهالكة نقضت عهدها مع الشارع ونقضت أوًل بنود اعلان الحريًة والتغيير، …تحت ضغط الشارع اضطر النظام للتخلي عن رئيسه وبعض رموزه وتنازل كي يتشارك السلطة مع الطائفية و أشباه الساسة ممًن يمكن شراؤهم، فتحالف الأشرار ,اصاغوا مسودة دستوريًة تضمن استمرار النظام كما هو دون أي تغيير جوهري، بل ضمنت للمجرمين غاية ما كانوا يتمنونه وهو الاحتفاظ بكل مكاسبهم و تمتعهم بالحصانة ..، وجد الشارع نفسه يواجه عدوًان بعد أن كان بالأمس يواجه عدواً واحداً..

كان أكبر خطأ ارتكبناه أنًنا سمحنا ل”قحًت” بقيادتنا، وثقنا في تجمع المهنيين مع أنًه كان واضحاً منذ البداية أنًه مجرًد واجهة لأحزاب مبغوضة ، ولكن كما يقول المثل “المكتولة ما بتسمع الصيحة..، خان التجمع العهد بينه وبين الشارع في أوًل سانحة..، ولم يقف عند هذا الحد، بل حاول جاهداً تدجين لجان المقاومة..، فوجدت لجان المقاومة نفسها في مواجهة أكثر من عدو…، على الجانب الآخر تمكًن تحالف الجنجويد وبقايا النظام السابق و قحًت من السلطة فأصبح أكثر حرصاً على عدم التغيير وترك الباب مفتوحاً لكل مجرم كي يهرب بجرائمه، فأتوا برئيس وزراء كان في يوم من الأيًام قد قبل عرضاً من رأس النظام سابقاً عدًل عنه لاختلاف ربًما في الراتب ، أتوا بهذا الفاشل وفرضوه رئيساً لسلطة تنفيذيًه كل هدفها فلتان المجرمين من العقاب.. كيف لا وهم شركاء في الجريمة يتحتم على بعضهم أن يحمي البعض الآخرً.

لجان المقاومة هى الأخرى في أضعف حالاتها بعد أن يئس البعض ممًن كانوا يدعمونها بالأفكار والمال- وأنا منهم- من سلوك قيادتها الميدانيًة قليلة الخبرة ، فهى تارةً تحاول التماهي مع الوضع، وتارةً تجد نفسها مرغمة على تسيير موكب شهري تحت اصرارا اسر الشهداء، وفي النهاية تخرج مواكباً حاشدة لكنًها بدون هدف واضح وتفتقد للاسراتيجية وبالتالي الاستمراريًة…

الحل الوحيد الآن هو أن تعيد لجان المقاومة تنظيم صفوفها، وتستمر المواكب والمسيرات والاعتصامات وتتريس الشوارع يوميًا على نفس النهج الذي خرج به موكب 6 أبريل وموكب يوم المجزرة، وموكب 30 يونيو وموكب 31 يوليو…، حتى اسقاط النظام كاملاً قحًته وجنجويده وبقايا كيزانه، عندها فقط سيجد كل نغل خسيس العقاب الرادع لغيره، كل بحسب جرمه..، الوقت دوماً مهيًاً لذلك و تحالف الانقاذ الجديد هشَاً للدرجة التي تجعل من سقوطه أمراً حتميًاً في زمن أقلً من سقوط الانقاذ القديم، الشرط والوحيد هنا هو الاستمرار في النضال ، هذا يتطلًب من أهل الضمير الحي من السودانيين في الخارج والداخل القيام بواجبهم تجاه الوطن والشهداء.

لا سبيل أمامنا غير الاستمرار في النضال، ولا يمكن لبغاث قحًت أن تحل مشكلة وطننا الجريح بل وجودهم في سلطة الجنجويد يهدد الوطن أكثر مما كان مهدداً أيام عمر، وقد كتبت مراراً محذراً من هذا ولسوء الحظ هذا ما حدث..، 

هنالك بعض المغيبين أو المتفائلين دون سبب منطقي يعتقدون بأنً الأمور في طريقها للتحسن…أقول لهؤلاء: لا يمكن للعاطل حمدوك أن يطالب صراحةً (مجرد مطالبة) بأيلولة جبل عامر للدولة ناهيك أن يصلح لنا اقتصاداً ، و من غير الوارد أن يعاقب جنجويدياً قاتلاً ، أو كوزاً خسيساً لأنًه ببساطة غير كفؤ ، يأتمر وينتهي بأمر رئيسه حميدتي والأخير هو من يعين من بيدهم تقرير العقوبة وتنفيذها..وبنص الدستور (الوثيقة الدستوريًة).

أمًا نحن، لا نريد أكثر من عودة الوطن كما كان..، هذا لن يحدث دون سلطة مدنيًة حقيقيًة يعاقب فيها المجرمين ويؤخذ بالثأر من قتلة شهداء دارفور و جنوب كردفان وجبال النوبة و الخرطوم وشهداء ثورة 19 ديسمبر ، لا نريد أكثر من أن يكون السودان للسودانيين ، نريد أن يعود أهل دارفور الى قراهم آمنين ، … أن يطرد الجنجويد حيث أتوا إلى مادوغري والنيجر وتشاد والكاميرون، باختصار نريد أن تسود قيم الحرية والعدالة والسلام في وطننا حتًى يكون مكاناً صالحاً للعيش فيغير الله ما بنا لأنًنا قد غيرنا ما بأنفسنا.

مصطفى عمر
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..