مقالات وآراء

العنصرية ما بين الدين والعلم والقوانين

الأديان السماوية والإسلام بصفة خاصة ، يعالج العنصرية بشكل روحي ونفسي عقائدي ، بينما القوانين تمنع العنصرية بطريقة مهابة العقوبات ومراعاة حقوق المواطنة الدستورية.

القوانين لا تعالج او تزيل العنصرية المترسبة وما يصاحبها من أحاسيس ، هي فقط تعتمد على إحتراس الناس من القانون وتشريعاته ، وليست نابعة من دواخل النفس . لذلك نجد حينما تختفي تلك الرقابة القانونية ، او عند وجود حصانة بطريقة ما منها ، يمكن للفرد المريض ان يرتكب جريمة من الجرائم المصنفة في هذا الإطار ،  ويطلق العنان لغرائزه الذميمة وممارساتها البغيضة.

العلوم الإنسانية تغذي العقل وتشحن الفكر ، بتقنيات ومفاهيم لتوجيه سلوك الفرد ، في ظل تعايشه في مجتمع متعدد الثقافات ، والأعراق ، واللغات، والأديان ، والوان البشرة ، ومع تباين اوضاعهم الإقتصادية ، وإختلاف النوع ذكورا وإناثا.

هذه المتغيرات او الإختلافات والتنوع ، تحتاج لإدراك وفهم متميز ، ولمقدرات ذاتية للفرد ، تمكنه من إدارة هذه المعطيات في أوجهها المتعددة.

إن التشبع بالتعاليم الدينية والنهل من العلوم الإنسانية تمكن من إحداث بلورة ذهنية / عقلية ووجدانية.  يستطيع الفرد من  خلال ذلك ضبط نفسه وكبح جماحها عند الجنوح عن نسق تلك العلوم والمفاهيم النيرة . ومع الممارسة والتعود تصير صيرورة لسلوك  فردي ثم عام يتبناه كل افراد المجتمع . الأمر الذي يحقق التعايش السلمي ، وإحترام الآخر ، وحفظ الحقوق ، وإرساء قواعد الأمن المجتمعي . فهو إذن سلوك ومنهج للتعاملات ، تتحقق به مبادئ كالحرية والمساواة والعدل للجميع في المجتمع الواحد.

أن إخفاق القوانين في دحض العنصرية يعزى لأن تلك القوانين لا تخاطب النفوس والوجدان كما أسلفت ، كما وان العلوم الإنسانية  قاصرة على من ينهل منها ويتبنى مفاهيمها ، لذلك تبقت  هذه النفوس المريضة كما هي تحمل تلك العنصرية البقيضة التي نشأت وسادت عبر عقود التاريخ المظلم . فلا قانون إستطاع لجمها ، ولا من علوم قضت تماما عليها.

بالرغم من ان هذا التاريخ المحزن قد دفن وحجر عليه ، وحُرِم في المناهج التعليمية والكتب والإعلام ، ومنع تداوله داخل الولايات المتحدة ، إلا أنه مع الأسف ، مازال يتوارثه البعض ، فيصدرون الكراهية والبغض ، وعنصرية العرق واللون في المجتمع الحديث.

إنه تحدي كبير يواجه البشرية جمعاء ، وبالأخص أولئك الذين يؤمنون ويطبقون مبادئ الأديان وحقوق الإنسان ، ويقرون بأن الناس سواسية رغما عن الإختلافات المذكورة . فقناعات  الراشدين مستمدة من انه  ليس بإرادة الناس او خياراتهم بأية صورة ،  وأين ومتى خلقوا ، او اوجدوا في الحياة !!  وكذلك اية لغة  يتحدثوا وعلى أية ديانة نشأوا!!

هنا يشترك جميع بني البشر  بالخضوع لإرادة الخالق في تحديد هذه الأمور ، للحكمة الألهية ولقضاءه . وحيث أن الخالق عز وجل ، أكد في كتابه الكريم ، بأن كل تلك ، ليست بعوامل لتفضيل بعضكم على بعض ، فالتفضيل في موازين الخالق جلٍ وعَلا ، هو بالأعمال الصالحة وبالأخلاق وتقوى القلوب.

الخسران كل الخسران لمن لا يعي أن التفضيل ليس بألوان البشرة فهو الجهل والعمى ذاته ، الذي يراد إخفاءه ، ومن ثم القيام بمحاولات تحسينه ، بذلك الطلاء الأبيض عند الجهلاء ، او بالمال او بالجاه ، عند المستبدين والأشرار . هؤلاء عجزوا أو عزفوا قصدا عن إتباع موازين الحق والعدل الرباني وحقوق الإنسان  ، وفشلوا في إستنباط الهدف الحقيقي من الحياة.

إن الجاه والمنصب والعلم الذي لا ينير الطريق لصاحبه فلا فائدة منه . فهو مثل السير في دهاليز مظلمة ، وفرقعات مؤقتة ، وبالونات منتفخة ، ما يزالون ينفخون فيها زيفا وبهتانا حتي تفرقع في اوجههم،  ثم لا يسوى أيا منهما بعد ذلك شيئا.

القوانين والعلوم ضرورية دون شك ، ولكن كي نفعلها أكثر ونجعلها سلسة التطبيق ، يتبقى أن لا نغفل دور الوسائل التربوية والإعلامية المختلفة ، والأنشطة الثقافية ، وحملات التوعية ، ومد جسور التواصل بين أطياف المجتمع بآلية الإحترام المتبادل والخطاب التوفيقي المتزن . خطاب يتوجه للعامة قبل النخبة ، و للصغار قبل الكبار ، لتتفتح مفاهيمهم وينشأوا النشأة الصالحة ، حتى نطمئن على ان أجيال المستقبل ، سيحققون مبدأ العيش بسلام ، وننأى بهم بعيدا كل البعد عن اوساخ النفوس ، من كراهية وعدائيات وأحقاد ، هي في غالب الأحيان لا مبرر لها ، سوى الجهل والأنانية ومحاولات السيطرة ، والكثير من عينات هذه الأمراض المجتمعية والنفسية .

لابد وأن أشير بان هذا التحصين بكل مقوماته المذكورة ، لن يستقيم أن لم يشمل كل الأطراف اي من يشعر انه يعاني من التمييز ، وكذلك من يمارس التمييز ويعتبر نفسه اعلى درجة من سائر الخلق . فالإحتقان الموجه من اية فئة ضد الأخرى ، يضر ويعرقل ، وربما يفشل الكثير من المجهودات والخطط الناجعة.

اللهم كلل مساعينا بالنجاح

تعليق واحد

  1. العبودية فى السابق لم تكن قاصرا على اصحاب البشرة السوداء كما هو عند الغرب فقد جاءت عنصرية الرجل الابيض ضد الاسود بعد إستعلاء البيض والإستعمار الذى من خلاله سيطروا على العالم فأصبح عرقهم الابيض هو السائد وهو العرق النقى غرورا وكبرا من عند انفسهم ، ووصل مرحلة تقديس البيض ان اصبح الدقيق الابيض هو الفاخر وان اللون الابيض يرمز للسمو والرفعة و سار قطيع العالم على ذلك.
    الإسلام وجد العبودية تمارس ليس ضد الاسود فقط بل ضد كل الألوان حيث لم تكن مرتبطة بعرق معين او لون فكثير من شواهد وقصص الرق والعبودية فى الجزيرة العربية مهد الإسلام تروى عن رق نتيجة الغارات بين القبائل فتسبى النساء جوارى وهذا مفهوم الرق وامتد بعد الإسلام فقد استرق سلمان الفارسى و الكثيرين والرق سابقا كان يتقصر على ان العبد سلعة مثل اى السلع عندهم تشترى وتباع بالمال ومن استطاع ان يشترى نفسه او يجد من يشتريه ويعتقه فقد تحرر من العبودية للأبد ويمارس كافة حرياته دون ان يستعبده احد او يذله احد عمار بن ياسر بعد عتقه اصبح سيدا وصحابى جليل وبلال بن رباح تحرر واصبح حرا طليقا لا يستطيع احد ان يتحكم فيه والكثيرين فلم يكن الرق او العبودية يعلق بالإنسان حتى بعد ما يتحرر فهى لم تكن صفة تعلق بإثنية معينة كما الحال عند البيض والاتراك حيث يعدون الاسود عبد وإن كان حرا وهذا هى الثقافة الغربية التى تجعل الانسان الحر بلونه فقط عبدا والحيوان مقيم اكثر منه كما هو عندهم من تقيممهم الكلاب والقطط .
    الإسلام لم يعالج مسألة الرق والعنصرية وفق قوانين لان كما ذكر كاتب المقال يجب مخاطبة الوجدان الإنسانى نفسه فإن الإنسان لن تردعه قوانين او نظم إلا إذا كان هو مؤمن بان ما يرتكبه ذنب كبير وخطأ فادح يستوجب الإقلاع عنه وهذا ما عالجه الإسلام بأن أمر بالعتق لهم وجعل امر عتقهم وتحريرهم سبب لدخول الجنة ومرضاة الله و تكفير للذنوب وتكفير للجرائم الجنائية وجعل امر تحرير الناس من العبودية شأن عظيم جدا ووصف من يقوم بذلك بالمؤمن الذى يجتاز العقبة ولم توجد اية واحدة او حديث او حديث لصحابى او فقيه وعالم دين مسلم يحث او يدعو لإسترقاق الناس وعبوديتهم بل منهم من قال متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احرار .
    الذين يوصمون الاسلام بانه يدعو للرق بهتانا وكذبا وزورا هم من يمارسون الرق والعبودية ضد الاحرار السود ويمارسونه بطريقة سافرة فى شكل عنصرية بغيضة جدا تمنع الاسود من إرتياد المطاعم والأماكن والمركبات التى يتواجد فيها البيض وقد إنتشر فيديو عن صابون غسيل الايدى فى احد المطاعم الامريكية لا يعمل إلا للأبيض ، تبا لهم فنحن مسلمون نرقى بقيمنا.
    تبقى شئ مهم هو ربط العنصرية فى السودان بالزواج وهذا خطأ فادح وكبير لان الاسرة التى ترفض الزواج بإثنية معينة لا يعنى انها عنصرية لان الزواج امر إجتماعى مكفول فيه الحرية الشخصية والخصوصية وهناك من يرفض زواج إبنته من إبن أخيه إذا كان مثلا سفيها او عربيدا او اسرته مستبدة قد تقهر إبنتهم وتزيقه الجحيم ، كما ان البنت ستكون أمانة عند زوجها وهى مخلوق ضعيف تحت رحمة زوجها فإما يكرمها وإما يهنيها فهل إذا ضمنت انه يكرمها ولهذا جاء الحديث من ترضون دينه وخلقه فإذا كان دينه جيد وخلقه اى تعامله واخلاقه فاضلة فلن يتوانى اب من تزويج إبنته ، لهذا رفض الزواج بين الإثنيات لا يعنى عنصرية بل ينصب فى إطار الخوف على المرأة من ثقافة مغايرة ومن تعامل سئ او من عادات وتقاليد تختلف تماما عن ما تعلمته لان هناك عادات وتقاليد تتنافى مع الشرع مثل تلك الإثنيات التى فى ثقافتها صناعة الخمور او ان المرأة تعمل والرجل يكون عاطلا وهى التى تدبر كل شئ ، كما ان من حق كل إثنية أن تحافظ على نوعها وتعتز بإثنيتها ما دام لا تتعدى على حريات الإثنيات الاخرى ولا تمارس معهم اى نوع من العنصرية فى حق المواطنة وفى الحقوق المجتمعية.

  2. الأخ الثوري اشكرك على المطالعة والتعليق . واصبت في ما ذهبت أليه ولكن لم اقصد من المقال تفنيد العنصرية او تاريخ العبودية، بل في الأسباب التي تجعل العنصرية ما تزال سائدة لدي البعض حتى يومنا هذا وبالتالي نعاني من ممارساتهم القبيحة .
    لامست جوهر الموضوع عندما اوضحت اكثر كيف عالجت الاديان الفكر العنصري وكذلك عندما اشرت لقصور القوانين في محو آثار العنصرية .
    لك ودي.

  3. وهذا هى الثقافة الغربية التى تجعل الانسان الحر بلونه فقط عبدا
    **********************************
    اتفق معك في كثير مما ذكرت لكني احتلف معك في الجزئية المدونة اعلاه فهذه ثقافة عربية اسلامية وليست غربية كما ذكرت , فالغرب هم من حارب الرق والعبودية وليس العرب والمسلمين كما ذكرت وحتي يومنا هذا العنصرية متفشية لدي العرب والمسلمين اكثر من اي مجتمعات اخري نعم يرددون في المساجد لا فرق بين هذا وذاك الا بالتقوي ولكن مجرد احاديث منابر والسلام , فحديثك هذا غير صادق وغيرمحايد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..