مقالات سياسية

يا أيها الشعب . . ابتسم لصورة اكثر جمالا”

درج الكثيرون أن يُقارنوا بين الفترة الانتقالية الحالية وما فات من فترات انتقالية، وإن الحال سينتهي إلى ما انتهت إليه تلك، ويذهب البعض إلى التشاؤم بأنه حتى هذه الفترة قد لا تكمل عدتها، وتنقض علينا ديكتاتورية جديدة.

ولكني ضد هذه الرؤية، لأنّ بذرة التطور في الوعي بالمطلوب من الحكومات في نمو مضطرد، وأننا نقطف ثماره في هذه الانتقالية وما سيليها من دولة ديمقراطية تعمل بسلمية تداوُل السُّلطة بين تنظيمات تعمل لتنمية البلد والمواطن.

الصفوة التي تعلّمت إبان الاستعمار وحازت السُّلطة بعد الاستقلال، لم تُقدِّم طرحاً تنموياً، ولذلك شاع أن تُوصف بالفشل، في حين إنها لم تكن إلا صورتنا آنذاك في المرآة. تلك الصفوة لم تكن في نظر الشعب ونظر نفسها إلا بديلاً للاستعمار على المقاعد، بلا جهدٍ لخدمة الشعب وتنمية البلد، فكانت صورتنا (حكومتنا) في المرآة تغلب عليها عاطفة الولاء الطائفي والعرقي ولاحقاً الأيديولوجي. ربما كان ذلك لبساطة النشاط في الإنتاج والتجارة وعلاقاتهما بالحكومة. لم تكن خيارات الشعب تحت ضغط الاقتصاد ومطالب التنمية كما صار الآن، فكأنّه كان يكفي أن يرى الواحد منا واحداً من عرقه أو طائفته أو جماعته الحزبية على كرسي الحكم، وليس مهماً ماذا سيقدم ابن العرق أو الطائفة أو الحزب، المهم أن نرى شبيهنا على كرسي السُّلطة.

التطوُّر الذي حَدَثَ أنّ نشاط الإنتاج قد اختلف وأصبح اكثر تعقيداً، والاقتصاد والتنمية لم يعدا مُجرّد نشاط يخص قرية أو منطقة، وأصبح السؤال أكبر والإجابة عليه تتطلب وعياً بمفهوم الحكومات، وما يجب أن تقدمه للشعب، ووعياً بمفهوم السلطة، هل هي بيد الشعب أم بيد من هم على كراسي المناصب.

هذا الوعي قد ظهرت بوادره منذ نهايات السبعينات حين نَمَا تيار داخل الجامعات السودانية وهو التيار الخدمي للاتحادات والروابط، وذلك حين بدأ الخيار لتوليها لغير المحزبين، لأنّ برامج الأحزاب لا ترتبط بخدمات بقدر ما ترتبط بولاءات طائفية أو أيديولوجية.
هذا الوعي قد كَبرَ ونَمَا وشكّل تياراً يفيض على كل مناطق البلاد، فالفرد الذي كان ينتظر إرشادات سيده في الطائفة أو أميره في الجماعة، صار مواطناً يعرف مطلبه من حكومته في خدمته من خلال طرح برنامج تنموي ينهض بالبلاد، وثورة ديسمبر هي أولى ثمار هذا الوعي.
هذه الثمار ستتوالى، لأن الوعي يزيد ولا ينقص، وبدل أن كانت الأوامر والإرشادات تأتي من السيد أو الأمير ومن على رأس الحكم، باتت تأتي من الشارع، وخير دليل على ذلك اعتصام نيرتتي الذي امتد لمدن أخرى حتى اُستجيبت المطالب.

سيزداد الوعي ويضغط الشارع لأداء أحسن، وسيخرج من المشهد كل من لا يستجيب لتحسين الأداء، ويأتي الأحسن ويضغط الشعب اكثر، لأداء أكثر جودة، وهكذا سنجد أن وعي الشارع سيضبط صورته (حكومته) في المرآة لتصير أحسن تخطيطاً وأداءً.
التشكيل الوزاري القادم، سيكون أداؤه أفضل، لأنّ الشارع صاغ مطالبه بشكل أكثر وضوحاً وتحديداً، والتشكيل الذي سيليه سيكون أفضل من السابق. فكلّما حدّدنا نحن مطالبنا وضغطنا في اتجاهها، كلّما عكسنا في المرآة صورة أحسن لحكومتنا، مع ضغطنا سيختفي طالبو المناصب والامتيازات، ويظهر صاحب الفكر والقادر على العمل، ومع وضوح مطالبنا ستختفي الأحزاب والتنظيمات التي تجيِّش العواطف لصالح كراسيها، وتظهر تنظيمات تعمل لأجلنا.

منذ الاستقلال وحتى الآن، حكومتنا تشبهنا أو تناسب وعينا. كلما حسنا من وعينا، وباتت مطالبنا واضحة ونعرف أن نجهر بها، كلما صعدنا إلى كراسي الحكم من يليق بنا. لن تأتي حكومة من السماء نيِّرة الفكر وقادرة على التنمية، لتحسِّن من وضع هذا الشعب، بل ستخرج من هذا الشعب، وليجتهد هذا الشعب في تحسين بذوره وإنتاجه بالصبر والمتابعة والنقد والتصويب والتقويم والبناء.

لا بُدّ أن نُجمِّل أنفسنا قبل أن نقف أمام المرآة أو عدسة التصوير، لا يمكن أن نطالب بصورة جميلة ونحن لم نبذل جهداً للتجمل، والتجمل للشعوب يكون بالإرادة والوعي بالحقوق والضغط لتحقيقها، وكما قيل “اضحك الصورة تطلع حلوة”، من غير المُمكن أن تعقد جبينك وتتوقّع أن تكون مُبتسماً في الصورة.

اماني ابوسليم
[email protected]
السياسي

تعليق واحد

  1. رغم الاحن….والمحن…فما زلت د.اماني تزرعين الأمل في النفوس..
    # فالامل …يحي الشعوب…وينهض بالأمم.
    # والأمل…يغرس الحماس والثقة بالذات.
    # لك التحية والود..وحقق الله اماني شعبنا الصامد الصابر …بشدو همسك المترع بالتفاؤل…والدافع للعمل بالامل..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..