مقالات وآراء سياسية

ضَعِ الجميع أمام أمرِ إِسرائيلَ الواقِعْ: ليتك جرَّعتهُم الدواءَ يا برهان ..

خالد الطاهر

وحتى لا يجهلنْ أحدٌ علينا او يُزايدْ، فكاتبُ الجملةِ أعلاه يساريُ الهوى يقبلُ واقعَ الشراكةِ مع عسكر لجنة البشير الأمنية على مضضْ، دون أن ينسى ولو للحظةٍ واجبَ القصاصِ لدماءِ شهدائنا وجرحانا، لمفقودينا، ولشرفِ من أُغتُصِبنَ من ثائراتنا في جريمةِ فض الإعتصام .. (بالمناسبة، ربما كانت مثلُ هذه الإشارة إلى موقِعِ الكاتِبْ من إعرابِ الصراع الإجتماعي مُتَعدِّيةً للتدلِيلِ جُزئياً على عوار نقد  د. النور حمد هذه الأيام لليسار السوداني في إِقباله على قضية التطبيع .. وكم تمنيت لو ان المذكور قد حملَ نفسهُ على التواضِعِ هوناً ما وزجرَ نرجسيتِهِ الجامحة في عدائِهِ المريبْ للشيوعيين، حتى تكون رُؤاهُ متسقةً مع تأهيلِهِ الأكاديمي في نُشدانِها للموضوعيَّة وبُعدِها عن شُحِّ النفسْ، ما علينا..)

وصلاً لما كتبنا قبلاً عن تعقيداتِ مشهد العلاقات الخارجية، فمعلومٌ للكافة إنَّ مسألةُ التطبيع معروضةٌ ضمن حزمةٍ تتضمن الإزالة من قائمة رُعاة الإرهاب وتسهيلاتٍ لمنحٍ تبلغ حوالي عشرة بلايين دولار .. غيرَ خافٍ إن السودان يمرُ بظروفٍ نرى إنَّها تجبر حكامه على إتخاذِ قراراتٍ صعبةٍ  شُجاعة في ملفاتٍ يستحيل بلورة إجماعٍ حولها كالذي نحن فيه من جدلِ العلاقة مع تل أبيب .. يتحجج الرافضون للتطبيع بأن الأمر يحتاج إلى حكومةٍ منتخبةٍ مُفوَّضة متناسين نص الوثيقة الدستورية، الفقرة الثالثة عشر من المادة الثامنة التي تُقرأ: “وضع سياسة خارجية متوازنة تحقق المصلحة العليا للوطن وتعمل على تحسين العلاقات الخارجية وبنائها على اساس الاستقلالية والمصلحة المشتركة” وهو نص يعطي الحق إبتِداءً الآن لطرفي الوثيقة، مدنيين وعسكريين، في إجتراحِ كل ما من شأنهِ إنهاءُ وضع السودان كدولةٍ منبوذةٍ وإعادة دمج البلاد في الاقتصاد العالمي.. لذا فإنَّ فهمُنا المرِنْ لروح ِ النص يجعلُ الأمرَ في غايةِ البساطة ويُجرِّدُ حُجَّةِ التفويض من قِيمتِها ..

أمام السودان الآن فرصةٌ تاريخية للتخلص من كابوس الملاحقة القضائية وتحقيق مكاسب دبلوماسية ومالية ضخمة وبضربةٍ واحدة .. هذه الفرصة ستضيعْ أن لم نغتنمها خلال أسبوعين من الان، إذ إن الصفقة التي نوقشت في ابوظبي  تُوَاجَهُ بتحفظ الكونغرس الأمريكي لأنها تتضمن إعادة الحصانة السيادية التي تمنع رفع قضايا إرهابٍ جديدةٍ على السودان .. بل إن الديمقراطيين – المرجح فوزُ مرشحهم للرئاسة في انتخابات نوفمبر القادم – ينوون إستصدارَ تشريعٍ يُمكِّن ضحايا هجمات 11 سبتمبر من رفع دعاوَى تعويضات ضد السودان أمام القضاء .. غير أن وزير الخارجية الأمريكي بومبيو بإمكانه تمرير قرار الإزالة من قائمة رُعاة الإرهاب  بمرسومٍ تنفيذي إذا ما واصل الكونغرس تعنُّتِهِ في الاسبوعين القادمين ..

لعل كل واحدٍ منا يذكرُ عندما كنا أطفالاً نعافُ الدواء المر، حينها كان اباؤنا يجبروننا على تجرُّعِهِ بإغلاقِ أُنوفنا وصبِّهِ غصباً في حلوقنا، وبالطبع لم تكنْ تلكَ ساديَّةٌ آباء، فلم يكونوا ينشدون إلا تعافِينا .. هذه الطريقة مطلوبةٌ سياسياً – وبإلحاحٍ الآن – إزاء رافضي التطبيع من المُتخشِّبين والعاطِفيينَ اللاواقعيين، أعني بالتحديد بعضُ رِفاقي من المنتمين إلى اليسار الجزافي واليمين الطائفي، إضافة الى من لا بواكي لهم، رهطِ القوميين العرب الذين يعتقلون أنفسهم في أُحجية “لاءات الخرطوم الثلاثة” التي لا قيمة لها عند جرد الحساب .. أما الإسلامويين اليتامي فلا أَعبأُ بهم، فهم من أدخلنا في هذا المأزقِ الكريه وهم الأجدر بالصمت والاستغفار بدلاً من جعجعتهم الفارِغة ومشارِيعهم المُفلِسة التي تُمثِّلُ مصالحنا الوطنية آخر شواغلها..

لا مجال في هذه اللحظة التاريخيةُ الفارقة لترفِ “اللت والعجن وطق الحنك” حول مآلاتِ الصفقة المعروضة  بما تحويهِ من إِعتراف بإسرائيل، فالازمة الاقتصادية خانقة ومرشحةٌ للتفاقم فيما نحن أحوج ما نكون لإعفاءِ ديوننا وتدفق المساعدات والاستثمارات الى خزائِننا الخاوية..

إِفعلها يا برهان وأحمِل الجميع حملاً للتخفف من حُمولة الماضي الباهِظة بالتحقيق الفوري للمصلحة القُطرِيَّة.. واقِعيَّتي تُحتِّمُ عليَّ أنْ أقولها رغم المسافة الوجدانيَّة التي تفصل بيني وعسكر السيادي .. فالخرطوم أحبُّ إليَّ من القدس في نهاية المطاف، ومواطنينا أعزُ عليَّ من لِئامِ الفلسطينيين الذين يصفوننا ب”العبيد” و يُوصوننا بفتح سفارتنا في ” أُمِّ الفحم” تندُّراً !!! .. إِبرم معاهدةَ صلحٍ مع إسرائيل فمصرُ والصادق المهدي يعارضانِ ذلك، وكفاك معارضة هذه الدولة وهذا الخَرِفْ الأخرقْ دليلاً على صوابِ ما ستفعل .. ليس هنالك متسع من الوقت، فوضع السودان الاستثنائي اليوم يتطلب تدابير استثنائية في قامة خُصوصية اللحظة التاريخية، و إن قرر السودانيون لاحقاً –  عبر الاستفتاءِ او بغيره – سحبَ الإعتراف، فلهم ذلك..

مقال سابق ذو صلة:
جدلُ التَّطْبيعِ مَعَ إِسْرائيلَ: ” خَليُّ البُرْهانُ يَدْفَعُ مِنْ جِيبْتُو، مَشْ عَلَى حِسابي” !!! ..

‫8 تعليقات

  1. السودان لايستطيع ان يتقدم بمقولة التغيير من الداخل اولا لان الداخل فاسد وحاقد ولابد من لجام خارجي يقود القطيع الهائم لتحقيق حياة كريمة وشعب ودولة غير منبوذيين.
    اهلا بالتطبيع

  2. انا عندي اقتراح
    انك تدي تفويض للبرهان انو يقلب الحكومة ويقتل ما يقتل من الشعب
    وبعدين يطبع مع إسرائيل او الجن الأحمر، ويربط ليهو حبل في رقبتو ويسلمو الإمارات
    يأس عقيم وكأن كل مشاكلنا ستحلها بسمة من إسرائيل،، التحية للأمام الصادق المهدي

  3. وجّهت مراسلة (ذا هيل)، لورا كيلي، التي غطت بشكل مكثف موضوع السودان وقائمة الإرهاب والتشريع في الكونغرس، انتقادات لاذعة لتعامل إدارة ترمب مع السودان، خاصة بعد التصريح المنسوب لمسؤول أمريكي في صحيفة (واشنطن بوست) يسخر فيه من الجهود السودانية للحصول على مقابل مُجزٍ للقبول بالتطبيع.

    وقالت: ‏”هناك دعم كبير من الحزبين في الكونغرس لإخراج السودان من قائمة الدولة الراعية للإرهاب، في محاولة لدعم الإطاحة الثورية للسكان بالديكتاتورية القمعية والاستبدادية لعمر البشير”. وأضافت: “يحتجزهم ترمب كرهائن في محاولة للعثور على واحدة من “خمس أو ست دول” تعترف بإسرائيل بعد الإمارات والبحرين – مع إعطاء الأولوية الوحيدة للترويج، ما سيكون لكثير من الأمريكيين، انتصاراً غامضاً في السياسة الخارجية للانتخابات”.

    وتساءلت عن عدد الأمريكيين الذين يدركون حتى ما حدث – او يحدث في السودان؟ وما يهم هو أن ترمب ومسؤوليه يحاولون ابتزاز أمة تكافح في محاولة لجعلهم يتدخلون في انتخاباتنا”. وأوضحت أن الشعب السوداني قد عانى طويلاً وعمل بجد أكثر مما يتخيله أي شخص لنقل بلاده نحو مجتمع حر”.،،،،
    انظر:امرأة غريبة عن بلدنا وتزمجر على إهدار كرامة شعب
    وانت وبكل ذل وضعة تتوسل لجنرال يداه ملطخة بالدماء ان يدوس على ما تبقى لنا من كرامة ببوته،، ليتك ناشدت حمدوك،، نفس ذليلة

  4. يُعتبر لفظ كلب مذمة لأن الكلب يتبع مالكه يطعمه ويلجمه، في حين يُعتبر لفظ أسد محمدة لأن الأسد حُر وجري وشجاع.

  5. لقد حركت ساكناً و أعليت من شأن الحوار بلغة باذخة و أسلوب رفيع و منطق مباشر و تناول موضوعي صادق

    1. سلمت وغنمت اخي شايف.. من امثالك نستمد طاقتنا للكتابة.. دمت يا شفيف وليتني اكون دوما عند حسن ظنك فيما اكتب..

  6. سلمت وغنمت اخي شايف.. من امثالك نستمد طاقتنا للكتابة.. دمت يا شفيف وليتني اكون دوما عند حسن ظنك فيما اكتب..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..