مقالات سياسية

أطروحات لمشروع قومي إصلاحي حقيقي 1-5

مقدمة

الشاهد أنني ومنذ ديسمبر 2005 – وبعد إتفاقية السلام مباشرة- أخذت أعيد ضرورة الأخذ بالتخطيط الإستراتيجي وضرورة تجديد الواقع السياسي لرتابته وجموده (صحيفة سودانيل أساسآ) .. ولن أمل التذكير والنصح .. وقلت: ما كانت وليست هي الآن ولن تكون مشكلة السودان في: من يحكم؟ المسألة في: ماذا يراد تنفيذه؟ وكيف ينفذ؟ ثم كيف يحكم السودان؟ فإذا تم التوافق علي ذلك فلن تكون مسألة: من يحكم إلا ملحآ للديمقراطية …. لذلك ففي تقديري أنه في هذه المرحلة الوطنية والدولية الإنتقالية المضطربة فإن قدر الشعب السوداني أن يأتي “بالأنموذج” لا “بالممكن” ..

من أهم ما يمكن الإستفادة منه من دروس الماضي منذ إستقلال السودان هوغياب الإجماع أو التوافق حول الرؤية المستقبلية .. فلو قام آباء الإستقلال بالتخطيط والتنفيذ للجيل القادم بعد خمسون عامآ لكان الوطن في واقع آخر الآن .. وحتي بعد تبني فكرة التخطيط الإستراتيجي حاليآ فالمجلس القومي للتخطيط الإستراتيجي الآن هو عملية “مؤسسة حزبية” .. ولا بد من وجوده كمجلس قومي ..

كبدء وفي مثل وضعنا الراهن يظل  السؤال الأساسي هو: من هو المستهدف بالخطة الإستراتيجية لل 25 عامآ القادمة مثلآ؟ والإجابة هي :

“هو المواطن السوداني الذي سـيتم الحمل به في الدقيقة الأولي بعد 25 عامآ” … الأساس الذي بنيت عليه هذا التعريف هو المثل الشعبي “”ما أحلي من الجنا الا جنا الجنا”.. فمنذ لحظة التأكد من حمل هذا المولود يصبح هذا المحمول هو السيد او هذه السيدة وتصبح الأم والأب والجدود والحبوبات موظفين أو عمال همهم تسهيل حياة هذا السيد او هذه السيدة .. وعليه فالمأمول هو أن نرفع هذا العبء عن أي أبوين أوجدين .. ليصبح هذا همآ عامآ.. وهو مبتغانا  من هذه الفكرة الإستراتيجية ..

الشاهد أن الواقع المعاش منذ إنقلاب الإنقاذ هو إستعمار أولي القربي لأهلهم الشعب السوداني .. وما أقساه من واقع .. تمثل هذا الواقع الإستعماري في : أمنية الدولة وتسييس الخدمة المدنية والتمكين الذي قاد لغياب تام لسيادة حكم القانون ولواقع بلا استراتيجيات هادية لغياب المؤسسات .. ودولة بلا مؤسسات هي “لا دولة” .. فالسائد أنهم أصبحوا مراكز قوي همها الذات فقط وتنافسوا علي المراكز بغرض الإغتناء  بلا وازع من أي نوع فأصبحوا طبقة عالية وغنية وباقي الشعب الطبقة الدنيا موقعآ وثروة.

تتضمن سلسلة أطروحات لمشروع قومي إصلاحي حقيقي هذه بعض الجوانب كإعادة تعريف الجبهة الداخلية جغرافيآ (2-5) ودمج العدد الكبير للتكوينات السياسية الحالية في حزبين حقيقيين تسير عليهما الديمقراطية المأمولة (3-5) وإلغاء تسييس الخدمة المدنية والتمكين (4-5) والتخطيط والتنفيذ الشفاف لأعمدة التنمية كالزراعة وغيرها (5-5) .. الهدف من هذه الطروحات أن تساهم عند تنفيذ مبدأ مشاركة الجميع في تسهيل التوافق الوطني علي: ماذا يراد التوافق عليه؟ وكـيف ينـفذ؟ وكيف يحكم السودان؟ ومن فوائد مشاركة الجميع تخطيطآ وتنفيذآ هي:

أولآ: سنقلل لحد كبير الطموحات الشخصية الهدامة: فالشاهد أن حب القيادة صفة عامة عند الشعب السوداني ومن الأفضل ترشيدها لا قهرها .. فمهم جدآ ضبط التكالب علي السلطة والمنصب والمال بأي شكل .. فبمشاركة الجميع  سيضطر المشارك –عند التخطيط- أن يكون موضوعيآ لأنه إذا رفع سقف المطلوب في موضوع معين في مرحلة تنفيذية محددة فربما يفوز بالإنتخابات عند تنفيذ تلك المرحلة ولن يستطيع عمليآ أن ينفذها .. لأنها مررت عند النقاش “نكاية أو تصعيبآ” لطرف سياسي محدد بإعتبار أنه من سينفذ .. بعد الإتفاق علي الخطة وعند التنفيذ يمكن ترشيد الطموحات الشخصية بالكفاءة “الإنسان المناسب في المكان المناسب” لا تسييس الخدمة المدنية ثم تتبعها المحاسبة بسيادة حكم القانون التي تعني “لا أحد فوق القانون”.

ثانيآ: المساعدة في إزالة التعصب القبلي والجهوي فعند التخطيط:  أنت الآن لا تستطيع أن تعرف نسب المولود القادم بعد 25 عامآ ولا أين سيقيم .. وهذا سيجعلك تعامل الجميع بنفس القدر من الموضوعية .. وايضا يكون إهتمامك بكل المناطق بنفس القدر فربما يستقر المقام بحفيدك في منطقة لا توليها أي إهتمام الآن أو حتي تعاملها بسلبية الآن.

ثالثا: مشاركة الجميع شعبا وقيادات في هذه التوافق علي التصورات وتنفيذها بدلا عن الالتجاء للآخرين لحلها .. وطالما أن الكثير من السودانيين ذوو أوزان دولية فالمأمول أن تظهر خبرتهم وحكمتهم في التخطيط المستقبلي هذا لإجتياز هذه المرحلة الحساسة.

رابعآ: ساهم الجميع عمليا في حل المسائل علي أساس مستقبلي بدلا عن التسكين الموضعي.

خامسآ: تم تخطي عقبة الاقصاء المتبادل وتم ايجاد أرضية مشتركة للتحاور والانجاز .. وهذه لها أهمية قصوي بحساب أن من هم في المعارضة اليوم ربما يصبحوا في الحكومة غدآ والعكس صحيح.

سادسآ:  ساهم الجميع في أن تكون الرؤية العامة واضحة المعالم وهذا ما سيطمئن الأسرة الدولية وسيتوقف إفتعال القروح .. وسيكون التوافق الوطني هذا مدعاة لجلب الاستثمارات الضخمة المرجوة من ناحية أخري.

ثامنآ: سيضمن إستمرار إدارة التخطيط والتنسيق ومتابعة وتقييم التنفيذ بعد إنفضاض الملتقي  ..وسيمنع هذا ذوبان مؤسسة الملتقي (سمها ما شئت) بالإقصاء والإهمال المتعمد مثلآ وسيضمن إستمرارية البناء وعدم تكرار “إزالة آثار من سبق” من جانب آخر.

مجمل القول أنه إذا كان التوافق السياسي والممارسة الديمقراطية الحقة والمحاسبة والتنمية وناتج التخطيط المستقبلي عمومآ هو فعلا الهدف الذي ننـشد فالشاهد أن مشكلة السودان مشكلة قومية .. فلوضع الوطن في مسار الإستقرار والنمو الديمقراطي والتنموي فالشفافية والصبرهي الأدوات الأساسية  والواقعية المطلوبة للبدأ في السير نحو مصاف الدول المستقرة والغنية والمشاركة دوليآ..

وآخر قولي مثلما قلت أولآ: أنه ما كانت وليست هي الآن ولن تكون مشكلة السودان في: من يحكم؟ .. المسألة في: ماذا يراد تنفيذه؟ وكيف ينفذ؟ ثم كيف يحكم السودان؟ ويستحيل إتمام ذلك بدون إشراك الجميع حقآ لا بطريقة “سيدنا الخضر مع سيدنا موسي عليهما السلام” مع الإختلاف الواضح في المضمون .. إذا تم التوافق علي ذلك فلن تكون مسألة من يحكم إلا ملحآ للديمقراطية .. وفي كل الأحوال فأيا كان الفائز في الإنتخابات فعلي الاقل سيكون هنالك توافقآ  وطنيا .. وبالتالي هنالك جبهة داخلية موحدة وقوية وجبهة داخلية (عريضة أو جغرافية) مأمون جانبها علي الأقل .. وهناك مشاريع متفق عليها جاري تنفيذها وهنالك تبادل سلمي للسلطة وسيادة لحكم القانون وهناك محاسـبة .. وهذا قدر هذا الشعب الرائع: أن يأتي بالأنموذج.

واخيرآ أثق في فطنة القارئ الكريم في تسهيل مهمتي لإيصال الفكرة إليه ..

وفقنا الله جميعآ لنقدم للوطن مايليق به في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها.

د. عادل الخضر أحمد بلة
أستاذ بجامعة الجزيرة
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..