مقالات وآراء سياسية

اماااااااال حتستقر امتيييييييييي ؟؟؟

د. عبدالحميد مامون الكامل

  

في عام 1999 في مبني وزارة الصحة المصرية بالقاهرة قابلت صديقي ودفعتي في كلية الصيدلة الدكتور احمد فتح الله . بعد السلام وحديث ذكريات الدراسة سالني عن سبب وجودي في مبني وزارة الصحة فاوضحت له انني اريد الحصول علي بعض المستندات بغرض الحصول علي رخصة ممارسة مهنة الصيدلة في امريكا … سكت برهة من الزمن ثم فجر قنبلته بعبارة (ايه يا عوبد انتي لسسسسه حتروح امريكا وسكت برهة اخري ثم اضاف بنبرة اكثر دهشة (امال حتستقر امتي؟؟؟؟)

كان ذلك الحوار بعد عشرة اعوام كاملة بعد تخرجنا معا من كلية الصيدلة . الان حان دوري لاندهش ملا السمع والابصار عندما اخبرني انه في خلال تلك السنوات العجاف (بمقياس رختر السوداني) والمورقات كالزهور حسب دورة حياة الفرد في مصر المحروسة انه خلص فترة التنجيد الاجباري ثم ذهب للسعوية لمدة خمسة اعوام ورجع الي دياره بعد اشتري شقة وتزوج وفتح صيدليته الخاصة واودع في البنك مصاريف جهاز اموراته الجميلات عندما يبلغن سن الزواج.

 وهناك في جنوب الوادي حيث انا والالاف من جيلي تتحور احلامنا حتي تجد دورة حياة تناسبها . وعندما نفشل نخرج احلامنا كل صباح ونحملها في ايدينا نزيل منها غبار السنوات العجاف ونعيد اخفاوها في داخلنا مرة اخري وعندما يطول امد الانتظار ولا تذهر … نحورها ونقطم اجزاء منها كعرائس المولد عندما كنا اطفال لا ندري كيف تحور الاحلام حتي تزهر ولكن هذه المرة لا تكون بطعم السكر في حلوي عرائس المولد وانما مرة مثل كؤس الخمر التي تزيف واقع الحال

ومع فجر كل صباح تنقص احلامنا احد اطرافها حتي تصبح كشمعة صغيرة لا تنير الدروب ولايشتري ثمنها خبزا اسمر .

 ولكن ……

  هنالك من تفتح لهم ابواب بعض الاوطان بعد ان ادمي الطرق اصابعم علي ابوابها … هولاء من اهل الحظ السعيد الذين بدات دورة حياتهم تستعيد ايقاعها حسب مقياس (رختر السوداني) ولكنهم لا يدرون متي يستقرون علي راي صديقي المصري الدكتور احمد فتح الله.

ويرحلون بدون ان يغلقوا الابواب ويطفئون الانور … وكيف يفعلون وهناك الام والاب والابناء وحقيبة الفن … آملين بالعودة يوما ما حسب دورة احلامهم التي انهك (ثورها) الدوران فاصبحت لا تملا جوفهم بمياه النيل فرحلوا وهم عطشي … يحملون الوطن في حقايبهم مثل البوم صور قديمة او كتاب علا غلافه غبار السنوات .

ما اقسي ان تحمل وطنك في حقيبتك ثم تفرشه كبائع متجول في ارصفة المواني … فمنا من حمله الي اقصي نقطة للعالم في شواطي ايرلندا واخرون عبروا به (المالح الكبير) الي بلاد العم سام .

وهنالك يقيمون صلواتهم كل ليلة عندما يفتحون حقيبة الوطن  وعندما طال امد اقامتهم ولم تذهر شتلات العودة . تكاثروا وصاروا وطنا داخل اوطان وعندها جمعوا اجزاء الوطن في حقيبة واحدة واقاموا سودانهم الصغير في ديار جالياتهم  للابناء … يغنون لهم عازة في هواك وانا امدرمان … وهم لا يدرون او تناسوا عمدا بان قلوب اولائك الابناء البرئية لا تحمل الوطن داخل حقايبهم فهم لم يقدلون مع الخليل (من فتيح للخور للمغالق) ولم يحورون احلامهم حتي صارت نغم نشاذ يصدره عازف كمان لا يحسن العزف فبعثر نغمات ( انا سوداني .. انا) في اقصاع الارض … هذا نبت في وديان جديدة يزهر ثمرات لم تروي بمياه النيل ولم تنصج ثماره باشعة شموس السودان الذهبية .

ولكن رغم ثقل حقايب الوطن التي حنت ظهورنا من ثقل احلامها…

فلنقم صلواتنا كل ليلة في ديار جالياتنا (اوطاننا البدلية) … وليغني اطفالنا -رغم نشاذهم- اهازيج الوطن المسافر في حقايبنا ولترقص جميلات السودان وينثرن عطره في قلوبنا وشيالاتهم علي اكتافنا فنرقص (العرضة) ثم نودع الاحزان ( بيت المال) فنحن لا ندري متي (تحط امالنا المسافرة ارض السلام) علي قول خليل عزة

او بمعني اخر حسب قول صديقي المصري احمد فتح الله (اماااااااااااال حتستقر امتيييييييي؟؟؟) .

ملحوظة : شارك المقال لو تكرمت فكلنا يحمل الوطن داخل حقيبته … حتي يظل عطر جميلات السودان يملا ارواحنا وان طال السفر…

‫3 تعليقات

  1. تحياتي دكتور مامون :
    ردا علي طلبك الكريم :(ملحوظة : شارك المقال لو تكرمت فكلنا يحمل الوطن داخل حقيبته … حتي يظل عطر جميلات السودان يملا ارواحنا وان طال السفر…)
    تلك شنشنة أعرفها من تسكعي زمنا طويلا في بلاد الآخرين وقلت عنها ذات لحظة شوق جارف يعرفه من كان مثلك :

    (ينتابني وجع وطن من حين لآخر. يأتي فجاءة و بلا مقدمات . يبدأ باحلام متتالية عن أمكنة بقيت منقوشة بالذاكرة.
    هل أنت في حاجة لتقصص رؤياك علي إخوتك ؟ لا أظن , فرؤيا الغريب واحدة و متكررة.مراتع الطفولة , أعني!
    تزاملت في مكان العمل مرة مع لبناني . حكى لي أنه كان يعمل فيما مضي بمدينة جدة بالسعودية , فجأة إنتابه وجع وطن حاد , فأوقف تاكسي في شارع رئيسي بجدة وقال للسائق:
    “خذني ع بيروت .” ظنه السائق مجنونا , ولكني صدقته عندما قال لي بأنه كان جادا جدا.
    ماذا تفعل إن ذهبت لوطنك , ولم تجده ؟

    ماهو الوطن ياغريب ؟ عرفٌه لي! حبيبات تراب ؟ جينات وراثية من بقايا الاسلاف ؟ أم أسم في طابعة بريد ؟ خطوط طول و عرض في خريطة قديمة معلقة بجدار باهت اللون ؟ أم ذكريات طفولة لم تشف منها و تجترها وأنت تائه في أوطان الآخرين ؟
    قبور من تحب تتكاثر في وطنك .ويتناسل مكانهم آخرون , لا أحد منهم يعرفني . ياللسخرية, فقد أصبحت أخيرا غريبا هنا و غريبا هناك!

    قل لي باالله عليك : ماذا لقيت من سفرك هذا ؟ غير أنك نسيت الحوت في مجمع بحرينك . وصرت تبحث عنه في بحار الآخرين . تبا لك !

    المكان هو نفس الخط المتعرج علي خريطة الخرطوم , هو ذاته لم يتغيير ولكن تغير الزمان ,كم أكره التعابيرالمحفوظة, الكليشيه, مثل “مياه كثيرة جرت تحت الجسر” ولكن لابد من أستعمال بعضها أحيانا . دعنا نقل بأن مياه كثيرة مرت تحت الجسر , مليارات الاطنان من الماء مرت تحت الجسر , فهل ما زالت ذاكرة المكان تعرفني ؟

    خذني ياصديق الي مكان كان مألوفا لي فيما مضي . كان الكل فيه يعرفني . الآن لا أحد فيه يعرفني! من القائل ؟ و ما المناسبة : ذهب الذين أحبهم *** و بقيت مثل السيف وحدي ?

    ماعلينا . لنعد الي المكان . كان الكل يسميه شارع الغالي , وكانت الحكومة آنذاك تسميه شارع القصر جنوب . هل يا تري غيروا أسمه ألآن ؟ المحطات في الشارع كانت : محطة الغالي , التعاون , ال ظلط , حجازي.

    زرت بعض الأحبة في مقابر فاروق ومنها غربا الي محطة الغالي ثم واصلت السير جنوبا بمحاذاة شارع الظلط , لم أتبين أين هي محطة التعاون . كيف ذلك ؟ وهناك كان يسكن صديق الدراسة علي . بعد تردد سألت أحد المارة , هل هذه هي محطة التعاون ؟ نظر إلي باستغراب وقال:
    “لا دي محطة بشدار”
    “كيف الكلام دا؟ ” قلت .
    تدخل عابر طريق آخر أكبر سنا وقال “أيوه زمان كان أسمها محطة التعاون .” شكرته و واصلت السير جنوبا, سمعت أذان صلاة المغرب . دخلت مسجد طيفور و تمنيت أن يقرأ الأمام سورة الكهف .
    ما أخرجك عن وطنك يااباعازة ؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..