مقالات سياسية

أرفعوا أيديكم عن الأسرة السودانية!

محمد التجاني عمر قش

يدور جدل واسع النطاق، هذه الأيام، حول التعديلات الدستورية المقترحة، وفقاً لمخرجات الحوار الوطني، ليس فقط تحت قبة البرلمان، بل خرج ذلك الجدل والنقاش إلى منابر المساجد والصحافة ووسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي والمجالس الخاصة والدوائر القانونية والمجمعات الفقهية.

هذا الجدل يدور تحديداً حول ما يسمى بزواج التراضي الذي ” يسمح بالتعاقد على الزواج بين الشاب والشابة مباشرة أو وكالة طالما أنهما قد بلغا سن الرشد القانونية” أي بمعنى أن الأمر لا يتطلب موافقة الولي أياً كان أباً أو غيره على هذا الزواج أو حضور مجلس العقد! وكما هو واضح فإن هذا جدل فقهي يتعلق مباشرة بأحوال الأسرة السودانية التي تمر بمرحلة تحول حرجة دفعت بكثير من الفتيات إلى الخروج من المنزل إما طلباً للعلم أو الرزق، وهذا بكل تأكيد أمر مشروع ولا غبار عليه البتة؛ لكن يلاحظ ظهور بعض الجوانب السالبة لهذا التحول حتى اشتكى منه كثير من دعاة المحافظة على كيان الأسرة بشكلها السوداني الموروث الذي يقوم على الاحترام والتقدير والمودة وتبادل المسئوليات والواجبات بين أعضاء الأسرة الواحدة وفقاً للعرف والشرع وكريم الأخلاق التي عرف بها المجتمع السوداني المحافظ، سواء في القرية أو المدينة أو في البوادي. وقد استقر العرف في البلاد أن الفتاة أو المرأة، سواء كانت ثيباً أو بكراً، لا تنكح إلا بموافقة وليها ومباشرته لعقد الزواج حضورياً أو بتوكيل غيره،

وهذا أحد العوامل التي حافظت على تماسك الأسرة وسلامتها حتى الآن مع أننا نسمع حالياً عن تزايد حالات الزواج العرفي وازدياد أعداد اللقطاء نتيجة العلاقات الجنسية غير المشروعة؛ خاصة في أوساط الشباب من الجنسين. وإذا سمح المشرع بزواج التراضي؛ فهو بذلك يكون كمن يصب الزيت على النار المشتعلة أصلاً؛

وبالتالي ينسف الأسرة السودانية التي ظلت مفخرة لنا جميعاً يتفيأ ظلالها كل من جاءها من الباب الرسمي، طالباً يد إحدى كريماتها وفقاً لأحكام الكتاب والسنة. من ناحية أخرى، لدينا هيئات علمية وفقهية معتبرة وقد عبرت صراحة عن رأيها حيال هذا المقترح إلا أن بعض القيادات السياسية تصر على تمرير المقترح بذريعة توسيع الحريات من منطلق دستوري وسياسي مستندة على بعض الآراء المذهبية التي لا يوافق عليها أهل العلم ولا تتوافق مع ما هو سائد ومعمول به في مجتمعنا. وكم تمنيت أن نعتد بآراء علمائنا في هذا الصدد؛ فهم أئمتنا الذين ينبغي أن ننظر إلى فتواهم بعين الاعتبار بعيداً عن النظرات الضيقة والأصوات النشاز التي تصف هؤلاء العلماء الأجلاء بأنهم علماء سلطان أو غير ذلك من التسميات المقرضة التي تقلل من شأن الرأي الفقهي؛ لأمر في نفوس أصحابها من دعاة التحرر والتحلل!

نحن لسنا ضد حرية المرأة بأي حال من الأحوال، لكننا في ذات الوقت، لا نريد لبنات مهيرة وسليلات رابحة وبنونة أن يكن سلعة رخيصة يصل إليها كل من هب ودب من الذين يؤيدون الإباحية التي يدعو إليها “مؤتمر سيداو” وما شباهه من شعارات لا يقرها شرعنا الحنيف. فقد نصت المادة الأولى من اتفاقية سيداو كما يلي: “لأغراض هذه الاتفاقية يعنى مصطلح ?التمييز ضد المرأة? أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه، توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل”. والمجتمع السوداني يقر بأن النساء شقائق الرجال؛

ولذلك نحن كآباء وأولياء أمور نرفض هذا المقترح جملة وتفصيلاً؛ حتى لا يفتح الباب على مصراعيه بذريعة الحريات وتصبح نساؤنا هن الضحية الأولى، ونفقد بذلك تماسك الأسرة السودانية التي هي الوحدة الأساسية للمجتمع ونقول بصراحة: يا أيها السياسيون أرفعوا أيديكم عن الأسرة السودانية فهي ليست الخدمة المدنية ولا التعليم ولا هي مشروع الجزيرة أو اقتصاد السودان حتى نسمح لكم بتدميرها إشباعاً لرغباتكم واتباعاً لتوجهاتكم الفكرية بعد أن أعدتم القبلية وأحييتم الجهوية، رغم أنف المجتمع، وبذرتم بذلك فتنة قعدت ببلادنا ومزقتها شر ممزق، للأسف الشديد. وإذا كان من ينادون بهذه التعديلات القانونية والدستورية يعتمدون على آراء بعض الفقهاء والقادة السياسيين من الأحياء والأموات، فإن فقهاء السودان المعتبرون لهم آراء وقد أعلنوا عنها صراحة ورفضوا هذا التوجه الخطير الذي من شأنه أن يقوض أركان الأسرة السودانية وينسف وحدتها؛ فلماذا تريدون منا اتباعكم وإدارة ظهرونا لهؤلاء العلماء؟

إن هذا المقترح ليس من المناسب أن يطرح في هذا الوقت ولا بهذه الكيفية الشرسة التي استفزت مشاعر الناس؛ سيما وأنه مرفوض من قبل كثير من العلماء؛ ولذلك يجب ألا يناقش أصلاً، ناهيك عن إقراره وتضمينه في دستور السودان؛ إرضاءً لبعض الأطراف، وعلى كل حال يجب سد الذرائع؛ تفادياً لتفشي الفساد.

محمد التجاني عمر قش
[email protected]

تعليق واحد

  1. الأسرة السودانية فهي ليست الخدمة المدنية ولا التعليم ولا هي مشروع الجزيرة أو اقتصاد السودان حتى نسمح لكم بتدميرها إشباعاً لرغباتكم واتباعاً لتوجهاتكم الفكرية بعد أن أعدتم القبلية وأحييتم الجهوية، رغم أنف المجتمع، وبذرتم بذلك فتنة قعدت ببلادنا ومزقتها شر ممزق، للأسف الشديد.
    دا كلام جميل منك

  2. الأسرة السودانية فهي ليست الخدمة المدنية ولا التعليم ولا هي مشروع الجزيرة أو اقتصاد السودان حتى نسمح لكم بتدميرها إشباعاً لرغباتكم واتباعاً لتوجهاتكم الفكرية بعد أن أعدتم القبلية وأحييتم الجهوية، رغم أنف المجتمع، وبذرتم بذلك فتنة قعدت ببلادنا ومزقتها شر ممزق، للأسف الشديد.
    دا كلام جميل منك

  3. ((في ذات الوقت، لا نريد لبنات مهيرة وسليلات رابحة وبنونة أن يكن سلعة رخيصة يصل إليها كل من هب ودب من الذين يؤيدون الإباحية التي يدعو إليها “مؤتمر سيداو”))

    سؤال للأخ الكاتب – مهيره عرفناها هي مهيره بت عبود – ورابحه هي رابحه الكنانيه بتاعة الثوره المهديه – طيب بنونه دي تطلع شنو ؟ دي ما ادونا ليها …

  4. ((في ذات الوقت، لا نريد لبنات مهيرة وسليلات رابحة وبنونة أن يكن سلعة رخيصة يصل إليها كل من هب ودب من الذين يؤيدون الإباحية التي يدعو إليها “مؤتمر سيداو”))

    سؤال للأخ الكاتب – مهيره عرفناها هي مهيره بت عبود – ورابحه هي رابحه الكنانيه بتاعة الثوره المهديه – طيب بنونه دي تطلع شنو ؟ دي ما ادونا ليها …

  5. فى حاجة الناس ما انتبهت ليها الغرض من زواج التراضى وبدون ولى القصد منة بأن المرأة تتزوج ما تريد وهذا حق مكفول لها ولكن هنالك قصد خفى متعمد ليس الغرض منة بسط الحريات وإنما للتعبير
    الديموغرافى للسكان وهذا واصح جليا من قبل النظام نجاة فئة محددة والتساهل معهم دون الفئات الاخرى علما بأنهم كلهم وافدين وبغض النظر عن الأسباب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..