مقالات سياسية

ضمانات الموت … وضمانات الحياة

ضمانات الموت … وضمانات الحياة

في أمان شديد تم ترحيل طلاب حزب المؤتمر الوطني المتهمين بقتل طلاب من أبناء دارفور من موقع الجريمة التي حدثت في داخلية جامعة ام درمان الإسلامية في يوم الوقوف بعرفة والناس الصيام والحجاج في أهم أركان الحج وفي ظل إجراءات أمن بالغة وحماية كاملة تم ترحيلهم إلى جهة غير معلومة , هل هذه الجهة معتقلا وحشيا أو قسم للشرطة يتلقون فيه التعذيب لأخذ إعترافاتهم !! ؟

هذا الوقت الذي إستمرت فيه الشرطة والقضاء بإحتجاز الطالب عاصم عمر المتهم بقتل الشرطي في جامعة الخرطوم وسيتم الحكم عليه بالإعدام , حيث تم اختطافه من أمام الجامعة من جهة ما وليس من قبل الشرطة أو ببلاغ من النائب العام بالرغم من عدم الشروع في القتل المباشر أو إستخدام أي من مواد القتل كآلة حادة أو إطلاق الرصاص بشكل مباشر

هذا التناقض الشديد في المواقف يؤكد هذه العدوانية الشرسة من المؤتمر الوطني ضد بقية الشعب السوداني وكل الذين يختلفون معه في الرأي بإستثاء أبناء الحزب .. وهذا التناقض يشمل جميع الأجهزة الأمنية المنوط بها استتباب الأمن وزرع الطمأنينة في نفوس الناس ونشر العدل والمساواة بينهما ولا تنحاز لفئة ضد فئة أخرى وعليها أن تعمل للوطن وليس للحزب .

في الوقت الذي يتم فيه ترحيل أبناء حزب المؤتمر الوطني بكل ضمانات الحياة تجري إبادة بقية الطلاب بكل ضمانات الموت وتحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية والقضائية كما حدث للطالب محمد عبد السلام الذي قتل في جامعة الخرطوم وتم فتح بلاغ في القاتل وتم إطلاق سراحه بزمن قصير من إحتجازه والآن يتبوب منصب كبير في الحكومة وكل الشعب السوداني يعلم ذلك .. وكذلك طلاب جامعة الجزيرة الذين وجدت جثامينهم الطاهرة طافية على ( الترعة ) في مشهد فظيع ومنظر مريب وطلاب معسكر العيلفون وكذلك الطلاب والتلاميذ الذين قتلوا في إنتفاضة سبتمبر 2013 أكثر من مئتي روح برئة زهقت في الشوارع ولم يتم التحقيق في كل هذه الجرائم من قبل الأجهزة القضائية بالرغم من توفر كل الأدلة التي تدين القتلة … والقائمة تطول

كل هذا وحزب المؤتمر الوطني ما زال يصرّ على جريمته في التفرقة بين المواطنين فهؤلاء هم أصحاب الحذوة والجاه وبقية المواطنين من الدرجة الثانية لا يستحقون العدالة ولا الوظائف أما أعضاء الحزب يحصلون على كل الامتيازات وحتى النجاح في الجامعات يمنح لهم نسبة لإنشغالهم في الجهاد !! ولا يعيروا أدنى إهتمام لإنعكاس هذه السياسة الخطيرة على الوئام الإجتماعي في المستقبل القريب والبعيد مما أدى هذا إلى الإحساس الخطير والذي ينتاب السواد الأعظم من الشعب السوداني إنهم ليسوا شركاء مع حزب المؤتمر الوطني في هذا الوطن وأنهم غرباء في داخل وطنهم

وبين ضمانات الحياة وضمانات الموت يصبح موقف حكومة حزب المؤتمر الوطني من بقية الشرفاء من الشعب الذين كشفوا فشلهم في إدارة الدولة وإختلفوا معهم في الرأي وكيفية التعامل معهم وصمة عار في جبين حكومة الإنقاذ في هذا الزمن الكئيب .
وأنا أتعجب من حكومة المؤتمر الوطني تضع نفسها موضع الفرائس ثم تصرخ وتلوم الصيادين !!!

أما الجريمة التي إرتكبها أبناء دارفور والتي أغضبت حكومة المؤتمر الوطني كل هذا الغضب ليس بسبب اثني أو عرقي أو مناطقي كما يظن البعض لأن الكل في نظر المؤتمر والوطني سيان فالجريمة هي أنهم أسقطوا إمبراطورية الإنقاذ من جبروتها أمام العالم وأمام الشعب السوداني والذي سيكون مدينا لكم في هذه الخطوة الجبارة وهذا تعتبره تعدي على سُمعتها ومكانتها الدولية وكشف وجهها القبيح وممارساتها ضد المناضلين والمختلفين معها في الرأي أمام العالم والتي كانت حكومة المؤتمر الوطني تخفي مواقفها المشبوهة أمام التضليل الإعلامي وإخفاء الحقائق .. والأخطر من ذلك تم الربط بين الوطنية والإختلاف مع حكومة المؤتمر الوطني في الرأي … وأصبح كل من يكشف عورات المؤتمر الوطني فهو عديم الوطنية والعمالة للخارج وذلك لإستمالة النفوس المجيشة بالعاطفة الوطنية السودانية ضد المعارضين
في تقديري يمكن لحكومة المؤتمر الوطني أن تتدارك هذا الفشل وإنقاذ الوطن من حافة الهاوية إن كانت فعلا وطنية وحريصة على السلم والوئام الإجتماعي … وتخشى الانزلاق في فوضى بعض دول الربيع العربي كما تظن ذلك … عليها أولا أن تعترف بفشلها في إدارة الدولة والتنازل عن السلطة وتشكيل حكومة إنتقالية لمدة ثلاث سنوات يتم فيها إنعقاد مؤتمر دستوري شامل تشترك فيها كافة الأحزاب والقوى الوطنية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني .. ويتم فيه تحديد كيفية حكم السودان … وعدم إحتكار السلطة لفئة من منطقة محددة حتى نستطيع أن نعيد الثقة بين أبناء الوطن الممزق .. والعمل على إعادة الهيبة للقانون والدولة .. ومحاكمة كل مجرم إرتكب جريمة في حق الوطن والمواطن .. وإعادة هيبة الدولة والقانون

وإذا لم يدفع الوطن الثمن جراء هذه السياسة الخرقاء في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة فسوف يدفعه قريبا في داخل الخرطوم رغم كل التأييد من الجيش وجميع الأجهزة الأمنية للمؤتمر الوطني … الوضع أصبح خطير والغضب والغُبن وصل مداه الذي لم يستطع أن يقف أمامه أقوى جدار .. وأنا لست من المتشائمين ولكنني على ما أعتقد شخص واقعي وعملي وبرجماتي.

ياسر عبد الكريم
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..