ما عجيب وغريب إلا الشيطان

لفت نظري مقال الأستاذ مصطفى أبو العزائم في زاويته (بعد ومسافة) وكذلك مقال الأستاذ حيدر المكاشفي في زاويته (بشفافية) بعدد الأحد الثالث من يونيو لهذه الصحيفة الغراء، لا لأنهما تناولا موضوعاً واحداً وإنما لأن عنوان الأول كان (ما غريب إلا الشيطان) بينما كان عنوان الثاني (ما عجيب إلا الشيطان) وجرياً على ذات الايقاعية رأيت أن يكون عنوان مقالي دمجاً بين الاثنين. أما الموضوع الأساسي فهو ينبني على ما حدث في منطقة الحواتة بولاية القضارف قبل أيام ونقلته صحيفة الصيحة الغراء، وقد لخصه الأستاذ مصطفى أبو العزائم في مقاله قائلاً (أن الشرطة قامت بفتح بلاغ ضد الشيطان بتأييد من النيابة بعد أن أبلغ شاكيان إثيوبيان يعملان بأحد المشاريع الزراعية الخاصة بأنهما وأثناء ممارسة عملهما وعند محاولة قطع أفرع الأشجار صعد غبار كثيف نحو السماء ومن ثم ظهر جان أو شيطان ? حسب زعمهما ? وقام بضربهما ضرباً مبرحاً في وجهيهما تجاه الفك الأيسر مما سبب لهما الأذى والجراح لينخرط العاملان في نوبة بكاء حادة اقترنت بصراخ وهلوسة وتأكيد على أن المعتدي هو شيطان رجيم). وكنت قد قرأت في بعض الصحف الورقية والاليكترونية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي للذين توقفوا عند هذا الخبر بالتعليق والسخرية، فكانت غالبية الآراء تستنكر قبول فتح الشرطة لبلاغ ضد شيطان – مبهم المعالم والأوصاف – ولا تعرف كيفية ومكان الوصول إليه لإعلانه للمثول أمام العدالة الناجزة.

في تقديري أن قبول الشرطة بفتح البلاغ ضد الشيطان ليس بالأمر الغريب لأنه يقع تحت نطاق فتحها وتقييدها لبلاغات كثيرة ضد مجهولين يمكن أن يكونوا مثل ذلك الشيطان أو أشد منه جرماً. وحيث أن الشخص المجهول عادة لا يتم العثور عليه حتى ولو أرشد المدعي على منطقة تواجده، لعل ذات الشيء قد ينطبق على الشيطان وبالتالي سيتم حفظ البلاغ ليبقى حدثاً مدوناً في بطون الأضابير.

كان المقالان المشار اليهما مدعاة لاجترار كثيراً من الروايات والمواقف، التي تدل على تدخل الشيطان في مجرياتها، من رصيد موروثاتنا المحكية وهي بالطبع بين العجيب والغريب. ولا أراني هنا بحاجة لإعادتها لأن قراءتها بالرجوع إلى مصادرها الأصلية سيكون أكثر امتاعا، لكنني قد اورد رواية علقت بذاكرتي منذ أيام الصبا. ففي أحد الأحياء وعلى شارع رئيس كان هناك منزلاً مهجوراً قيل لنا ونحن في عمر يدفعنا للمغامرات وخوض التجارب بأن ذلك المنزل مسكوناً بواسطة الشياطين لكي نتحاشى المرور أمامه وبالذات في الأمسيات. لقد ظل المنزل مهجوراً لعشرات السنين ولكن فجأة ودون مقدمات قام على انقاضه في الآونة الأخيرة مبنى فخيم تم استغلاله كفرع لأحد البنوك التجارية. فإذا كان بالفعل هناك شياطين سوف لن يغادروا عرينهم بالهين لأنهم لا يعرفون مغريات خلو الرجل أو جدلية (أخوي وأخوك)، لذلك كلما مررنا بجوار ذلك البنك يساورنا الشك بأن الشياطين لا زالوا يكمنون بين ردهاته يتأملون العملاء وأثرياء الغفلة ومن لف لفهم ? عسى أن يستردوا لنا جزءاً من المسلوب – غير أن البنك لم يفقد حتى الآن شيئاً من أمواله أو أصوله أو مستنداته بل أن كل معاملاته تسير بسلاسة وهدوء. هل يا ترى لأن الشياطين زاهدون عن ما في جوف خزائن البنك من جنيهات لمعرفتهم بأن وضع الجنية لا يسر صليحاً أو عدواً أم لأن هناك شرطة غير مرئية استطاعت قيدهم وتعطيل فعاليتهم قبل تشييد مبنى البنك؟

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..