مدونة : العلمانية هي الحل

لم تعد العلمانية خياراً بل مخرجاً، وعلاجاً، لا نقول ذلك من باب المناكفة الفكرية، أو السياسية، بل تقديرا لخطر حالة الفوضى التي أضاعت البوصلة الدينية، وغيبت الحدود، بين ما هو مسموح، وما هو ممنوع، ومن هو كافر، ومن هو مؤمن، وأين يبدأ التطرف، ومتى ينتهي الاعتدال، وماهي معايير الوسطية، ومعايير التشدد.

طرح العلمانية كصيغة جامعة، ومظلة حاكمة، للتنوع الديني، والعرقي والمذهبي، ليس جديداً، لكنه ظل إلى الآن طرحاً فكرياً، في مواجهة الطرح الديني، الذي قدَّم ما يعتبره أجوبة نهائية، على المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة، وهو طرح تجاهل باستمرار، أن الخلافات القائمة بين المدارس، والمذاهب والتيارات والأحزاب الدينية، كانت في كل مرة، أعتى وأعمق من الخلافات، التي بينها، وبين التيارات العلمانية، والتي تصنف في العادة ضمن قائمة الكفار والعصاة.

هذه المرة، تطرح العلمانية باعتبارها الخيار السياسي والاجتماعي، إزاء التطرف، الذي يتخفى بأشكال عديدة، وصيغ مختلفة، وسط كم كبير من التصنيفات، اختلطت فيها الأدوار، وتشابكت بينها الخيوط.

أصبح البحث عن إطار جامع واحد بين هذه التصنيفات أمرا مستحيلا، بعد أن وصلت الخلافات في التفسير والتأويل حد التكفير، وبعد أن وصلت المزايدة، بين التنظيمات الدينية، حد الصدام الدموي، والتصفية الجسدية.

فالقاعدة التي كانت، لوقت قريب، مقياسا للتفريق بين من هو متطرف، ومن هو معتدل، ومن هو وسطي، ومن هو متشدد، باتت في عصر داعش والنصرة، من نماذج الاعتدال.

والخلافات المذهبية والطائفية، التي كنا ننظر إليها، كعرض من أعراض الخلافات السياسية الإقليمية، تطورت وضربت في العمق العربي والإسلامي، ليصبح خطر نزاعات الطوائف والمذاهب في الداخل، أكبر من خطرها القادم من الخارج.

وسيطرة بعض القوى الإسلامية على السلطة، أو وصولها لها، كشفت أن هذه القوى أضعف، وأعجز من أن تقدم البديل المقبول، الذي يجسد رؤية أصحاب مقولة “الإسلام هو الحل”.

وظهر أن المسألة أولا وآخيرا، لا تعدو أن تكون سباقا للوصول للسلطة والاستئثار بها، وتصفية الخصوم، حتى لو كانوا فكريا، من نفس المدرسة، وبذات الطروحات.

تحول العالم العربي، الذي كان يتطلع للانعتاق من سطوة الدكتاتورية الرسمية، نتيجة ذلك كله، إلى ساحة قتال ممتدة بين المليشيات، من جبال الأناضول في الشمال إلى خليج عدن في الجنوب، ومن البحرين شرقا، إلى ليبيا وتونس وما بعدهما غربا وجنوبا.

اليوم نحن أمام لحظة مصيرية، تتطلب إرادة سياسية حقيقية قادرة على استعادة الدين، ممن حاولوا اختطافه، وتفصيله على مقياس رؤية تنظيم سياسي، أو وضعه ضمن قالب فكري محدود، لا يستوعب التنوع، ولا يعترف بالتعدد.

إن المحاولات التي جرت للتوفيق بين الدين كمرجعية للتشريع وأساسا له، وبين احتياجات المجتمع وظروفه الاقتصادية والاجتماعية، كانت تصطدم على الدوام بتفسيرات ضيقة للنصوص، وكانت العلاقة الملتبسة بين السلطة الزمنية والسلطة الدينية، قيدا على الحكومات التي غالبا ما رضخت للابتزاز، وقبلت بإعطاء النخب الدينية صلاحيات ليست من حقها، وقبلت بتطبيق تفسيرات واجتهادات تعطل بسببها دور المؤسسات، وانتهكت نتيجة لها، حقوق أفراد ومجموعات.

المطلوب اليوم، رفع الدين عن التداول السياسي، ومنع الاستقواء به لفرض رؤى سياسية، أولتصفية حسابات حزبية أو مذهبية؛ وهذا يعني بالضرورة، مراجعة موقع الدين في منظومة المصادر التي يستمد منها الحكم مشروعيته، وفي منظومة المصادر التي يستمد منها التشريع المدني نصوصه، بحيث تكون قوة التشريع من قوة القانون، لا من رؤية مجتزأة هنا، وتفسيرضيق هناك.

إن الذين يطالبون بتحكيم الشريعة والنصوص، عاجزون عن الاتفاق على تفسير جامع مانع، وهم مختلفون بين بعضهم البعض، أكثر من الخلافات التي بين المسلمين كمجموع، وبين غيرهم من الأديان.

والتكفير الذي يتنامى ويتحول من طرح نظري وفكري، يتبدل اليوم ليأخذ شكل صدامات دموية بين تنظيمات الإسلام السياسي، يدفع ثمنها عامة الناس، وتسنزف بسببها موارد عيشهم وقوتهم.

إن المطالبة بمراجعة الدور السياسي للدين، تقتضي تحديد مكان الدين، في بنود العقد الاجتماعي للمجتمعات الإسلامية، فهو ليس سيفا مسلطا على الرقاب، بل ضابط أخلاقي، لا يمس الحريات الأساسية للأفراد، ولايتجاوز حقوق الأقليات وكراماتهم.

والنصوص القانونية التي تستمد من الشريعة حتى تكون صحيحة وقابلة للتطبيق لا يمكن اخضاعها لتفسير موتور هنا، واجتهاد متعصب هناك.

وما لم يتم تحكيم المؤسسات المدنية سنظل، أسرى للجهل باسم العلم، والقتل باسم الجهاد.

شبكة “إرم”

تعليق واحد

  1. الناس الرافعه شعار الاسلام هو الحل اما تجار دين او مغبشين لانه الواقع بقول انه اي حكومه او مجموعه في العالم رفعت الشعار ده اذاقت شعبها الامرين وفشلت في اخراج مثال طيب للعالم ..
    فالسؤال هل شعار الاسلام هو الحل قابل للتطبيق ولا هو مجرد شعار لخداع العامة من الناس؟
    واذا كان قابل للتطبيق لماذا لم يطبق وفشل لاكثر من الف عام؟
    فهل الاشكال في الاسلام ام في المسلمين؟
    لو سلمنا ان الاشكال في المسلمين .. طيب يادعاة دولة الشريعه والاسلام هو الحل ماتبدوا البنا من تحت بدل تنطو لينا في الحكم وتدمروا بلدنا واقتصادنا بنظريات فاشله
    ماتصبرو وتأسسو لدولة الشريعه بالدعوه قبل القفز علي السلطة
    شخصيا مؤمن انه العلمانيه هي المخرج والحل وانه دولة الخلافه لاتقوم الا مع خروج المهدي المنتظر .. طيب ليه اوجع راسي وادمر بلدي بتجريب نظريات فاشله ولم تثبت نجاحها لاكثر من الف عام بينما نري ان العلمانيه جعلت الغرب يتسيد الحضاره اليوم

  2. من اجمل ما قرأت وكأنك تقرأ افكاري
    نعم والف نعم العلمانيه هى الحل وليذهب الفاشلين من المتأسلمين الي كهوفهم
    شكرا مره اخري استاذ ناجي

  3. بكل بساطة العلمانية ليست هي الحل و ليست بجزء من الحل و اذا أردالمرء ان يصل للحل فعليه بدراسة اسباب المشكلة
    من الجلي جدا ان اسباب مشاكلنا ليست في التفسيرات الضيقة للنصوص و انما في ثقافة العنف و القوة الخشنة ففي مجتمعاتنا للاسف نجد أن القوي هو المحترم و هو السيد المطاع حتى لو كان سفاحا و مصاصا للدماء و نجد ايضا ان الغني هو المبجل و المكرم وان كان ماله مجموعا من عرق الفقراء

  4. قلت “إن الذين يطالبون بتحكيم الشريعة والنصوص، عاجزون عن الاتفاق على تفسير جامع مانع، وهم مختلفون بين بعضهم البعض، أكثر من الخلافات التي بين المسلمين كمجموع، وبين غيرهم من الأديان.”

    طيب الدساتير العلمانية المختلفة في كل شيء تفسر إختلافاتها كيف إذا كانت العلمانية هي الحل كما تقول؟ يا تو علمانية إنت عايز؟ وياتو دستور علماني إنت عايز؟

    إذا كانت العلمانية هي فصل الدين عن الدولة فالصين تفصل الدين عن الدولة، وأمريكا تفصل الدين عن الدولة، وروسيا تفصل الدين عن الدولة، وإسرائيل تفصل الدين عن الدولة، وموسيفينى يفصل الدين عن الدولة، وسلفاكير يفصل الدين عن الدولة …………….الخ

    يا تو واحد من ديل عاجبك؟ ولماذا لم يتوحد هؤلاء جميعاً في دستور واحد مانع منعة شديدة؟

    يا قول بت قضيم الله يرحمها “حقكم تسولو ستار وحق الناس تدقولوا الطار”

  5. لا خوف مطلقاً على الدين الإسلامي، ولا على الدعوة الإسلامية، فالإسلام يعتبر من أكثر الأديان إنتشاراً في العالم ، وأتباعه يتزايدون في كل يوم، ولكن الخوف، كل الخوف من “المتاجرة” بهذا الإسلام، وتشويه صورته بالتعصب والتطرف والإغتراب عن العصر، فالشعوب الإسلامية لا ينقصها سوى “الحرية” واتباع نظام للحكم يقوم على إحترام كرامة “الإنسان” و التداول الحقيقي للسلطة ويحترم القوانين، ولا تعرف البشرية جمعاء حتى يومنا هذا نظاماً أفضل من النظام “الديموقراطي” يرعى تلك القيم ويقوم على تطبيقها.

  6. السيد ناجي موسي لك التحيه
    (1) لقد تناولت على الفيس بوك هذا الأمر وقلت نصا العلمانيه هي الحل .
    (2)ثم على سودانيز اونلين دوت كوم بالامس القريب (المسلم أرهابى أم مجرم؟).
    (3)وعلى الراكوبه (ضد الأحزاب الدينيه)ثم (دعاه ولكنهم بغاه)
    * بإختصار شديد نحن بحاجة لتجمع يعلن أن آن الأوان لذهاب تلك الأفكار السوداء
    بلا رجعة فلا حل بغير الديمقراطيه فالذين إرتدوا فى عهد الإنقاذ أكثر بكثير من
    الذين إعتنقوا الإسلام ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..