سر أجنحة آلهة حضارات ارض السودان القديم!

سمحت الإمبراطورية البريطانية التي كانت تحتل مصر والسودان، لعالم الأثار الامريكي جورج ريزنر (1867-1942) (George A. Reisner)، وفريقه العلمي من جامعة هارفارد ومتحف الفنون الجميلة في بوسطن، بالتنقيب الأثري في شمال السودان في العام 1913. بعد انتهاء ريزنر وفريقه من البحوث الأثرية في هذه المنطقة، قام بالاستيلاء على العديد من القطع النادرة لأثار الحضارة السودانية القديمة، وتم نقلها الى متحف بوسطن للفنون الجميلة ” Museum of Fine Arts، Boston”. في هذا المتحف؛ تم تخصيص قسم لها، وسمى بالفن النوبي (Nubian art)، عرضت فيه معظم القطع الأثرية التي جلبها ريزنر من شمال السودان.
من ضمن القطع المعروضة هناك، تمثال صغير لآلهة انثى، كتب تحتها: الآهة مجنحة winged” goddess”، حضارة نبتة، تعود الى 712-743 قبل الميلاد. تظهر الالهة وهي واقفة، ممددة أذرعها الى جانبيها، وتظهر اجنحة كبيرة من خلفها، تنزل حتى الأرض، في تناسق مع ثنية ذراعيها. في كتيفها تطل برقبتها المسطحة ثعابين الكوبرا المقدسة. تلبس فوق راسها تاج قرص الشمس الذي يرمز الى الاله امون. اما في متحف برلين للمصريات فتظهر الكنداكة اماني شختو “Amanishakheto ” في سوار من الذهب الخالص وهي بأربعة اجنحة. اماني شختو هي واحدة من الملكات القويات التي حكمت مملكة مروي.
الى ماذا تشير هذه الاجنحة المرتبطة بالآلهة والملوك والملكات في الحضارات السودانية القديمة! لابد ان الانسان الأول قد حسد الطيور على مقدرتها على الطيران، وتحليقها في الفضاء بعيدا عن الأرض. وانه يظل يحلم بمحاكاة هذه الطيور، وتحقيق المتعة في التحليق والطيران، ورؤية عوالم مختلفة، والتحرر من المشي على الأرض طول الحياة. انه نوع من الخروج عن المألوف، كسر قوانين الرتابة. انها رمزية التحليق بعيداً عن مشاكل الجنس البشري على الأرض، والخروج الى فضاءات لا متناهية، تشعر الروح بالانتعاش. الحضارة القديمة في شمال وادي النيل، كانت تضع للروح اجنحة تحلق بعيدا عن الميت، وسميت ب “البا”. وفي حضارات السودان القديمة، تم وضع اجنحة للآلهة، لأنها تستطيع ان تحلق في سماوات عليا مثل الروح. في متحف بوسطن للفنون الجميلة بقسم فنون النوبة تظهر على الأقل ثلاث الهة مجنحة. كما ان المنحوتات الموجودة في جبل البركل وفي الكرو تظهر أيضا الالهة المجنحة. ولم يقتصر تركيب الاجنحة للآلهة وحسب، فهنالك بعض الحيوانات المقدسة قد وضعت لها اجنحة، مثل الأسد.
الاله الانثى نايك “Nike”، الالهة الحكمة اليونانية، وكانت لها اجنحة ضخمة. سميت كذلك بإلاهة النصر. في الموسوعة البريطانية ذكرت ان تماثيلها كانت صغيرة الحجم وتحمل في يد المؤمنين بها. وكانت في أثينا بدون اجنحة، لكن الاسم مجردا من أثينا هو نايك المجنحة.
ظهرت أيضا الملائكة المجنحة في القصص التوراتية: في (حز13:28-14). ويخبرنا أيضاً حزقيال أن الكروبيم له أربعة أجنحة ” لكل واحد اثنان يغطيان من هنا ولكل واحد اثنان يغطيان من هناك اجسامها.” (حز23:1). بينما يذكر لنا أشعياء أن السرافيم له ستة أجنحة حيث مكتوب “السرافيم واقفون فوقه لكل واحد سته اجنحة. باثنين يغطى وجهه وباثنين يغطى رجليه وباثنين يطير” (اش2:6). والكروبيم هو المقابل للملاك جبريل ذو الاجنحة العظيمة.
في حضارة بابل القديمة، وفي الكثير من الرسومات والمنحوتات الاثرية ظهرت عشتار باجنحة. عشار هي الهة الحب والجمال والخصوبة. العرب قبل الإسلام كانوا يطلقون عليها اسم “عثتر”، ويعتبرها بعض المؤرخين انها الالهة “العزى” التي عبدتها قبائل غطفان وبني سليم في الجزيرة العربية.
هنالك عدد غير محدود من الالهة ذات الاجنحة في الأديان والاساطير القديمة في معظم انحاء العالم. ولا يعرف على وجه التحديد لماذا كانت هذه الالهة تحاكي الطيور في امتلاكها هذه الاجنحة! ولماذا أصبحت الاجنحة رمزا لها. انه الحلم الإنساني منذ أقدم العصور للتحليق في الفضاء، وكسر قوانين الجاذبية التي تبقيه مثبتا في ارض عاش فيها كل البؤس والحرمان!

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. شكراً للكاتب .. الديانات جميعها تقريباً تتخذ من السماء (الفضاء) مكاناً لمصدر تلك القوة الخارقة ذات المشيئة الحرة التي تسير الكون .. ومصدر تلك القوة الخارقة تتنزل إلى أرض الناس وتتجلى في أشياء مادية ممثلة بالآلهة التي نحتت لها التماثيل التي كتبت عنها ..

    والأجنحة في التي تتخذها تلك الآلهة ترمز إلى أنها منحت خاصية الطيران للوصول إلى مصدر القوة التي في السماء والتي تستمد منها قدراتها الخارقة التي تمارسها على الأرض مثل إنزال المطر ومعالجة المرضى وجلب النصر لتابعيه على الأعداء وجلب الحب إلى القلوب وكافة الأفعال الخارقة التي تنسبها الشعوب المؤمنة لآلهتها تلك ..

    بل أن بعض الأديان البدائية تقوا بأن صاحب التمثال المجنح ذاك كان في السماء عند مصدر القوة الخارقة .. ثم تنزل بأمر منه إلى الأرض للإعتناء بالبشر الضعفاء الذين ليسوا إلا عيال لمصدر تلك القوة التي في السماء ..

    والله أعلم ..

  2. شكراً للكاتب .. الديانات جميعها تقريباً تتخذ من السماء (الفضاء) مكاناً لمصدر تلك القوة الخارقة ذات المشيئة الحرة التي تسير الكون .. ومصدر تلك القوة الخارقة تتنزل إلى أرض الناس وتتجلى في أشياء مادية ممثلة بالآلهة التي نحتت لها التماثيل التي كتبت عنها ..

    والأجنحة في التي تتخذها تلك الآلهة ترمز إلى أنها منحت خاصية الطيران للوصول إلى مصدر القوة التي في السماء والتي تستمد منها قدراتها الخارقة التي تمارسها على الأرض مثل إنزال المطر ومعالجة المرضى وجلب النصر لتابعيه على الأعداء وجلب الحب إلى القلوب وكافة الأفعال الخارقة التي تنسبها الشعوب المؤمنة لآلهتها تلك ..

    بل أن بعض الأديان البدائية تقوا بأن صاحب التمثال المجنح ذاك كان في السماء عند مصدر القوة الخارقة .. ثم تنزل بأمر منه إلى الأرض للإعتناء بالبشر الضعفاء الذين ليسوا إلا عيال لمصدر تلك القوة التي في السماء ..

    والله أعلم ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..