الاحتفال في غيبة البشير !ا

تراســـيم..

الاحتفال في غيبة البشير !!

عبد الباقي الظافر

غضب عمنا الحاج لأن إدارة التعليم نقلت ابنه المعلم إلى مدرسة أخرى في قرية بعيدة.. شدّ الحاج الرحال إلى عاصمة المديرية برفقة فلذة كبده.. تحت إحدى شجيرات الإدارة ظفر الحاج ببغيته المسؤول عن التعليم.. كلما أراد المعلم الحديث انتهره أبوه: “اسكت ياولد”.. المفاوضات انتهت بين الأب المتجبر ومدير التعليم المستبد على أن يقدم الابن المقهور استقالته.. في اللحظة الأخيرة أقسم الوالد على ابنه أن يكتب الاستقالة المعنية ويرسمها على الأرض لأن هؤلاء الناس لا يستحقون مجرد ورقة. تذكرت تلك الواقعة وأنا أقرأ أن الحركة الشعبية في بهجتها بإعلان ميلاد دولة الجنوب ستوزع رقاع الدعوة لكل الكيانات السياسية باستثناء شريكها المؤتمر الوطني.. الحركة في هذا الموقف تبدو وكأنها تستبطن الكيد السياسي، وتحاول معاقبة الحزب على مواقف سياسية في أبيي وجنوب كردفان.. ولكنها في الحقيقة تحاول تجنب مشاركة الرئيس البشير.. مشاركة الرئيس البشير قد تجعل قادة كثراً يفضلون استخدام الهاتف في إيصال تهانيهم القلبية. لهذا ستحاول الحركة التباطؤ في دعوة المؤتمر الوطني.. وفي الوقت قبل الضائع سترمي لحكومة الخرطوم بـ(عزومة مراكبية).. وأغلب الظن أن الحزب الحاكم سيرد الصاع صاعين ويتخلّف عن المناسبة التي يجب أن يكون فيها لاعباً أساسياً. كثير من الدول الغربية جعلت لنفسها خطاً واضحاً في تجنب الاجتماع مع الرئيس البشير.. نفس هذا السيناريو حدث في القمة الأوربية الإفريقية المشتركة.. أوحى هؤلاء وقتذاك لعقيد ليبيا أن يسحب دعوته للرئيس السوداني حتى يصبح الطريق سالكاً.. فعل القذافي المطلوب بصورة مذهلة.. المفاجأة أن الحضور الأوربي على مستوى الرؤساء كان ضعيفاً جداً.. سيتكرر هذا الأمر في جوبا.. سيغيب البشير ولن يحضر ساركوزي وسيعتذر أوباما.. وسيرسل رئيس وزراء بريطانيا أحد وزرائه.. تحرك هؤلاء الزعماء تسبقه ترتيبات محددة وقراءة عميقة لتفاصيل الميدان السياسي والأمني. هؤلاء الغربيون عندما تجبرهم الظروف على المرور على محطة الخرطوم يأتون.. صحيح أنهم لا يزورون الرئيس.. ولكنهم يسمعون رؤيته للأحداث عبر نوابه ووزرائه.. هذا يعني بالإمكان الجمع بين دعوة البشير والحفاظ على زخم الاستقلال عبر مشاركة أكبر عدد من الرؤساء الأجانب. حكومة الجنوب مطلوب منها التعامل مع الواقع بعيداً عن الأمنيات.. الرئيس البشير نتفق ونختلف معه يظل رئيساً للسودان.. إنه الرجل الذي اتخذ قراراً شجاعاً بإنهاء أطول حرب أهلية في إفريقيا.. والرئيس الذي التزم بمسيرة السلام الصعبة طوال خمس سنوات. في المستقبل المنظور تظل هنالك ملفات مشتركة بين الشمال والجنوب.. الدولة الجديدة محاطة بتحديات جسام.. البترول الجنوبي لن يصل الأسواق إلا عبر موافقة الخرطوم.. حكومة البشير تمتلك كثيراً من شفرات صناعة الأزمات لحكومة سلفاكير.. من مصلحة حكومة الجنوب أن يكون البشير أول معترف بميلاد الدولة القادمة.. ولن يحدث ذلك عبر أسلوب الاستفزاز الدبلوماسي. المطلوب من الرئيس سلفاكير أن يحضر بنفسه إلى الخرطوم.. يجتمع مع أخيه البشير ثم يبلغه بصورة ودية أن تشريفه لميلاد دولتهم أمر في غاية الأهمية.

التيار عبد الباقي الظافر