الأحلام لا تموت

قليل من الذنب لم يغتفر لي حينما عنفتني معلمتي وبقوة لصفعي زميلة لي في الفصل وذلك لأنها قالت لي أمام صديقاتي أنتِ تضحكين كوالدك حينما نتصدق عليه بفتات الخبز، أخبريه أن لا يتأخر باكراً ، فكان أبي يعمل سائقاً لديهم، لا أدري ما الذي جعلني أنفعل في وجهها هل لأنها عايرتني امام صديقاتي بأبي الذي يعمل عندهم ويأخذ باقي الطعام منهم ليُطعمني إياه، أم أنها عايرتني بالفقر الذي أهلكنا…. كانت معلمتي في قمة الظلم حينما سمعت من طرف واحد ولم تسمع مني رجعت يومها الى منزلي والحزن يقتلني هرعت الى أبي الذي كان بالنسبة لي كل شيء.. وأنا أبكي بحرقة ولكن سرعان ما إحتضنني بيديه التي أخذت الندوب والجروح رونقها…. كان والدي يدفعني إلى الحياة و الى العطاء فكلما يصيبني اليأس من الفقر وقلة المال أسمع صوته مَلِيء بالشجن والحزن لا بأس يا طبيبة قلبي غداً تزيلين من سنوات عمري الألم ، لم تعلم زميلتي من سائقها وكيف أن يداه اللتان تقودان السيارة هي مدينتي ودنيتي لا بل أسوار قلبي التي تحميني من غدر هذا الزمان القاسي.. لم تعلم أن كل فتاة معجبة بأبيها و أنا تلك الفتاة التي ترى الجنة من بين ثناياه…. وها أنا الآن بعد مرور زمن من تلك الحادثة والتي إعتبرت منها كثيراً أحمل قبعة والدي ونظارته في أول أدراج مكتبي بعد عناء طويل من الدراسة وقهر السنوات الماضية و التي لوثتها مرارة الفقر وقلة الحيلة.. كنت أتمنى لو أن والدي الذي ورثني الصبر بأن يكون معي ويسمع صوت المرضى حينما يخرجون من عيادتي بالثناء علي والدعاء لي ، حيث أن عيادتي أصبحت ثالث أهم عيادات الباطينة في بلدتنا لم يفارقني والدي كان أول الحاضرين في قلبي وأخر الغائبين عن تفكيري عندما أخلد الى النوم، أترحم عليه كثيراً وأبكي بحرقة حينما اتذكر أنه لم يحمل شهادتي والتي تمناها قبل ان أتمناها أنا…. لم يزل الحنين يطرق نوافذ القلب ويشجيني حينما يجن الليل ويسدل ستائره السوداء وتهطل تلك الأمطار المحملة بالذكريات، يجتاحني الشوق الى تلك الأيام التي سرقها الزمان منا، وبلهفة يتذكرها العقل وتبكي عليها الذكريات التي حفرت على جدران الغياب تفاصيلها حينما غاب منها أبي، الأمل يتجدد داخلي كلما أحسست أني سبب بعد الله في شفاء بعض المرضى من أَوْبِئة عجز معظم آطباء البلدة من إيجاد حل لها…. جاء شهر فبراير المحمل ببريق الحزن وبكثير من الذكريات المؤلمة، شهر فبراير الذي توفى فيه والدي ..لبست الأرض وشاحها الأبيض المشرق بالحياة و كثرت الأمراض في هذا الشهر فالأجواء تقلبت بطريقة مريبة لم يحدث وأن أُصيب بلدتنا برد مثل هذه السنه وأنا في عيادتي دخلت عليّ تلك المرأة الحسناء وملامحها الجميلة تذكرني بواقعة المعلمة التي وبختني بصورة وحشية امام الطالبات ( أيام الثانوية) والتي لم أنساها حتى الأن. لم يساورني أدنى الشك للحظة واحدة بأن لا تكون نفسها زميلتي في الصف والتي كان يعمل والدي لدى والدها سائقه الخصوصي، حينما أنهيت فحصها نظرت إليّ وهي تشكرني بكل ذوق و تثني علي بحديث الناس عني وان سمعتي في مجال الطب سبقتني. إبتسمت وقلت لها لم يُذّكُرك إسمي و الذي وضع على باب عيادتي بشئ فأجابتني بكل هدوء لا فلقد ضعفت الذاكرة بسبب كثرة الأمراض فأجبتها أنا إبنة السائق الذي كان يسعد حينما يأتي إلىّ بفتات الخبز منكم، صرعت المرأة ولم تجيب كانت تريد إحتضاني ولكني لم أستطيع حتي مد كفي لمصافحتها ففي قلبي شرخ كبير لا يصلحه النسيان….. ثمة أناس يقهرهم نجاح من أقل منهم مادياً يثبطون معنوياتك ويدفعون بك الى القاع ولكن لم يدركوا ان من القاع تنبت وردة مسقية من الحنان تخرج الى النور تشع كهالة، تتعلم وتنتج وتُكون بعلمها حاجزاً فولاذياً يحمي من الحياة فقط أومن بقدراتك التي وهبها الله لك….. إنتهى:الكاتبه هويدا حسين أحمد

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..