مقالات سياسية

ماذا لو غاب هؤلاء؟! (2)اا

ماذا لو غاب هؤلاء؟! (2)

شوقي عبد العظيم
[email protected]

ظهر أربعتهم في منتصف الستينيات من القرن الماضي، ومن وقتها جلسوا على كرسي الرجل الأول في أحزابهم.. منهم من ورث مقعد الرئيس في الحزب كتقليد متبع في أسرته وإن كان ذلك بعد انتخابات وبيعه، كما هو الحال بالنسبة لرئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل؛ مولانا محمد عثمان الميرغني، ورئيس حزب الأمة؛ الإمام الصادق المهدي، ومنهم من انتخبه أعضاء الحزب في المنصب الأول، وظل فيه إلى يومنا هذا، وهو ثالث الأربعة الأستاذ محمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي ورابعهم الدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي الذي ظل رئيسا لحزب الحركة الإسلامية بمسمياته المختلفة ومن بينها حزب المؤتمر الوطني الحاكم.. ومضت (43) سنة منذ أن تولى آخر رئيس فيهم رئاسة حزبه… وكلهم تجاوز عمره السبعين واقترب من الثمانيين، لذلك كان لابد لنا أن نسأل ماذا لو غاب أحد هؤلاء الأربعة عن رئاسة حزبه؟.. إن كان الغياب بسبب مجريات التغيير الديمقراطية داخل التنظيمات السياسية أو غياب لأسباب طبيعية المرض أو الموت.. ولاشك أن هذا السؤال المحوري ستتولد عنه أسئلة فرعية وإن كانت لا تقل أهمية في تقديرنا عن السؤال الرئيسي، وهي أسئلة من شاكلة هل سيستمر التوريث داخل الأسر في الأحزاب الطائفية التقليدية الأمة والاتحادي إن وقع ذلك الغياب؟ وإن استمرت التجربة هل ستكون مقبولة في زماننا هذا أم ستخلق مشكلات داخل هذه الأحزاب؟ أما بالنسبة للأحزاب الأيدلوجية الحديثة إن جازت التسمية الحزب الشيوعي وحزب المؤتمر الشعبي… هل استعدت لهذا الغياب وحضرت البديل؟ وهل ستتأثر الأحزاب في مجملها بغياب هؤلاء الأربعة؟ وخاصة أن كل منهم ظل طوال هذه الفترة يدير الحزب بنظرية الرجل الواحد؟ كل هذه الأسئلة وغيرها من التي سترد في سلسلة تحقيقات (ماذا لو غاب هؤلاء؟) سيكون الغرض منها فتح هذا الباب إلى أوسع مدى ممكن وتحريك قضية ظلت ساكنة لزمن طويل والأهم من ذلك أن ينتقل هذا الحوار إلى داخل الأحزاب والتنظيمات السياسية نفسها .. البداية كانت من الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ورئيسه مولانا محمد عثمان الميرغني، أما في الحلقة الثانية فها نحن عند دار الحزب الشيوعي السوداني والذي منذ أن خلف سكرتيره العام محمد إبراهيم نقد الراحل عبد الخالق محجوب في عام 1971 ظل نقد سكرتيرا عاما له فماذا لو غاب نقد عن سكرتارية الحزب؟
السياسة ولا شيء غير السياسة
معتقلات وسجون وفصل تعسفي عن الدراسة واختفاء تحت الأرض، هذه حياة الأستاذ محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي، وبين هذه وتلك كان يخرج ليتنفس السياسة في الشوارع والطرقات، ونقد نموذج للسياسي الكلاسيكي الذي يتحول التزامه السياسي إلى حياة وأسرة ومهنة تؤمنه له ما يبقيه قائما يخطب في الناس ويمارس نشاطه، إن سألت أين توظف ؟ لم يفعل؟ وعن أسرته لم يتزوج وكما يتردد تزوج السياسة… وماذا يملك سكرتير الحزب الشيوعي بعد أكثر من خمسين سنة من ممارسة السياسة؟ فهذه يجيب عنها زملاؤه بفخر وإعزاز.. نقد لا يملك عربة ولا بيت ولا حساب مصرفي وهو فقط يمارس السياسة ولا شيء غير السياسة… أول استحقاق سياسي قدمه في 1952 عندما فصل من مدرسة الخرطوم الجامعية ? كلية الآداب على خلفية مشاركته في تظاهرات ضد الاستعمار بيد أنه من قبل شارك في مظاهرات 1946 الشهيرة وهو طالب في المرحلة الأولية بمدرسة حلفا، وكان من قادة مظاهرات طلاب مدرسة حنتوب الثانوية المساندة لمؤتمر الخريجين، وكان من بين زملائه في حنتوب د.حسن الترابي والراحل جعفر نميري.. بعد فصله من جامعة الخرطوم سافر إلى بلغاريا ليدرس في جامعة صوفيا العلوم الاجتماعية والاقتصاد عاد في 1958م إلى السودان ليجد الشمولية في انتظاره عندما وقع انقلاب 17 نوفمبر 1958م، وهنا كانت بداية نقد مع العمل السياسي السري والاختفاء تحت الأرض حتى لا يبطش به العسكريين كما فعل النميري لاحقا بسلفه عبد الخالق محجوب.. اختفى لعام كامل ثم قبض عليه في 1960 ولم يطلق سراحه إلا في 1961 وأمضى عامه بين سجن كوبر وملكال… انقشع الحكم العسكري بعد ثورة أكتوبر 1964 ترشح نقد في انتخابات 1965م عن الحزب الشيوعي وفاز في دوائر الخريجين وصار نائبا في البرلمان إلا أن الأمر لم يستمر طويلا بسبب طرد نواب الحزب الشيوعي عنه …في عام 1967م عقد الحزب مؤتمره الرابع وكان نقد من ضمن أعضاء اللجنة المركزية المنتخبة .. بعد عامين وقع انقلاب النميري، وكان انقلابا شيوعيا قحا.. وبدأت أفكار اليسار تدير حركة الدولة والمجتمع ولكن وللأسف انقلب الانقلاب على الشيوعيين لينكل بهم النميري شر تنكيل ويعلق قادتهم على المشانق ومن بينهم السكرتير العام للحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب الذي اعدم في 1971م.. ليخلفه محمد إبراهيم نقد ووقتها نقد رقما سياسيا بارزا تهابه ثورة مايو وتحسب له ألف حساب، إلا انه يؤثر الاختفاء ليمارس العمل السري من تحت الأرض
قائد من تحت الأرض
نقد من 1971م سكرتيرا للحزب الشيوعي، وفي المؤتمر الخامس الذي عقد في 2009م أي بعد( 42) سنة من المؤتمر الرابع، اختير مرة أخرى سكرتيرا سياسيا، في الأولى كان عمره(41) سنة فهو من مواليد 1930م حسب ما هو مسجل في الأوراق الرسمية، وفي الثانية صار عمره(79) سنة، ولا يفوتنا أن نشير إلى أن الأستاذ بات يعاني مشكلات صحية متكررة في الفترة الأخيرة، وهناك مساعٍ حثيثة ليبعث للعلاج بالخارج، واللافت أن نقد كان يدير شؤون الحزب من مخبئه ما يزيد على نصف المدة التي شغل فيها منصب السكرتير العام.. بعد (71) اختفى نقد تحت الأرض، ولم يخرج إلا في مايو 1985م في ندوة بجامعة الخرطوم وكان النميري قد أطيح به في أبريل من نفس العام وهذه(14) سنة وقبلها كان قد اختفى لعام بعد انقلاب عبود في 1958م، وبعد أن وقع انقلاب الإنقاذ قال نقد إن ملة العسكريين واحدة ليكسر حصار الإقامة الجبرية الذي ضرب عليه في منزل شقيقته بعد أن أخرج من السجن، واختفى في 1993م، ولم يعد إلى السطح إلا بعد داهمته قوى من الأمن في 2005م، وهي(11) سنة ليصبح ما قضاه تحت الأرض(26) عاما بالتمام والكمال… وبمنطق مختلف يمكننا أن نقول إنه لم يدير الحزب بطريقة طبيعية إلا لـ(16 ) سنة فقط.
ماذا لو غاب؟!
ماذا لو غاب السكرتير العام نقد الذي داوم على المنصب لأكثر من 40 سنة؟ طرحنا السؤال على المسئول التنظيمي بالحزب الشيوعي بابكر الكنين قلل من تأثير غياب السكرتير لجهة أن الحل في المؤسسية التي يلتزم بها الحزب. وقال في حديثه لـ(الأخبار) (تركيزنا في الحزب على المؤسسات والهيئات لا على الأشخاص والأفراد والمؤسسية لن تسمح بأن ينتج عن غيابه صراع أو فوضى). وأشار الكنين إلى أن المؤتمر الخامس للحزب أعاد بناء المؤسسات ورسخ منهج الحزب الديمقراطي الحر، وفي تقديره كلها عوامل إضافية لانتقال المهمة إلى آخر بطريقة مرنة.. وعاد وقال ( بقاء الأستاذ محمد إبراهيم نقد كل هذه المدة لم يكن تمسكا بشخصه بقدر ما هو الظروف السياسية التي تعيشها البلاد وملاحقات أفراد الحزب ومصادرة ممتلكاته والتضييق عليه)
نفي وتأكيد
مراقب قريب من الحزب الشيوعي طلب حجب اسمه قال إن الحزب الشيوعي ليس استثناء من ما يحدث في الأحزاب الأخرى من صراع على المناصب، وإن بدا كذلك من الخارج، وألمح إلى أن المؤتمر الخامس والأخير شهد نوعا من ذلك الصراع، مذكرا بأن دخول د.الشفيع خضر في اللجنة المركزية تم بصعوبة شديدة رغم أنه من القيادات الصاعدة المجمع عليها.. وعن ترشيحه خليفة لنقد قال اعتقد أن الترشيح ينحصر في اثنين وهما د. الشفيع خضر والأستاذ سليمان حامد… ما ألمح إليه المراقب نقلناه إلى مسئول التنظيم بابكر الكنين الذي نفى الأمر بشدة، وقال(لا يوجد أي صراع على المنصب، وما يتردد عن خلاف بين د.الشفيع والأستاذ سليمان حامد ثرثرة فقط لا علاقة لها بالصحة).
القيادي بالحزب الأستاذ صالح محمود أكد في تصريحات صحفية أن نقد يمكن أن يعتزل أو يخرج عن الحزب في أي وقت، مشيرا إلى أن بديله لم يطرح بعد وهو الأمر الذي ستعالجه المؤسسات، حسب قوله.
نقد لن يترشح!!
قطع عضو اللجنة المركزية الأستاذ صديق يوسف في حديثه لـ(الأخبار) بأن السكرتير العام الأستاذ محمد إبراهيم نقد لن يترشح مرة أخرى لمنصب المسئول السياسي أو السكرتير العام. وقال (قطعا نقد لن يترشح للمنصب في المؤتمر السادس، وأنا أيضا لن أترشح للجنة المركزية ولا كل الذين هم من جيلنا)، وشرح صديق الطريقة التي سيتم بها اختيار من سيخلف نقد وهي عن طريق الترشح الحر في المؤتمر العام إلى اللجنة المركزية التي تضم 45 عضوا، وهم من سيختارون المكتب السياسي الذي سيختار مسئوله السياسي أو السكرتير العام.. وعن توقعته للسكرتير القادم قال (لا مجال للتوقعات فهو انتخاب سري حر، وأنا لن أشارك فيه باعتبار أنني لن أترشح للجنة المركزية). وعن الصراع المحتمل على المنصب قال (نحن نمنع مثل هذه الصراعات ولا أتوقع أن تكون هنالك لبويهات في المؤتمر السادس).
التغيير قادم
من ما سبق بات من المؤكد أن قيادة الحزب الشيوعي ستتغير في القريب إن لم يكن القريب العاجل، وبحسب قيادات الحسب فالأمر سيكون محض روتين لا أكثر في حزب تديره المؤسسات حسب زعمهم، ولكن هل الأمر سيان عند جيل الشباب والرعيل الأول؟ وهل أعضاء الحزب الشيوعي معصومون من شهوة السلطة؟ وهل هذا كل ما سيخلفه غياب الأستاذ محمد إبراهيم نقد؟ هل؟!
صحيفة الأخبار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..