مقالات سياسية

التفكير خارج الصندوق

الصادق احمد عبدالسلام إدريس

ظلت مسألة تدخل الجيش في السياسة أو تدخل أهل السياسة في الجيش هي من أكبر المعضلات التي عطلت مسيرة السودان منذ الاستقلال. إذا أدى ذلك لبسط الجيش لسيطرته على الحكم خلال معظم هذه الفترة الممتدة منذ أن حزم الانجليز حقائبهم ورحلوا عنا.
خلال الفترة الديمقراطية الثانية، أبريل 1985 ويونيو 1989 أقدمت الأحزاب على انتاج ما يعرف بميثاق حماية الديمقراطية الذي وقعت عليه كل الاحزاب ماعدا الجبهة الاسلامية القومية. ولكن سرعان ما اقدمت بعض من الاحزاب الموقعة على هذا الميثاق على خرقه عبر أذرعها في المؤسسة العسكرية وذلك بصدور مذكرة الجيش الشهيرة والمشئومة التي حذرت من خلالها الامام الصادق المهدي رئيس الوزراء المنتخب من أن الجيش سينقض على السلطة إذا أقدم الصادق على تنفيذ اتفاقه مع الجبهة الاسلامية القاضي بإشراك الأخيرة في الحكومة. وشكلت هذه المذكرة تدخلا سافراً من الجيش في الشأن السياسي بل انقلاباً كامل الدسم ينتظر فقط قراءة البيان الأول. وبناء على ولذلك أسرعت الجبهة الاسلامية بتنفيذ انقلابها المعد له سلفاً بقيادة العميد عمر حسن احمد البشير، أي أنها تناولت أعدائها في وجبة الغداء قبل أن يتناولنها في وجبة الإفطار . وقس على ذلك انقلاب نميري في 25 مايو 1969 الذي لعب الحزب الشيوعي دوراً كبيراً فيه انتقاماً من حله من قبل الجمعية التأسيسية في 15 نوفمبر 1965.
ولوضع حل عملي لتدخل العسكر في السياسة اقترح أولاً إخراج كل قوات الجيش بكافة أفرعها من حدود ولاية الخرطوم وتوزيعها على الولايات الأخرى مثلاً المدفعية في عطبرة والهجانة في الأبيض والبحرية في بورتسودان وهكذا ويشمل ذلك حتى السلاح الطبي وترك قوات بسيطة جداً منها لحراسة المؤسسات السيادية مثل القصر الجمهوري وللتشريفات فقط ثم اجبار جميع الضباط والجنود على الانتقال بأسرهم للعيش في الولايات وفرض قيود شديدة على زيارتهم للخرطوم على أن لا يدخلها الفرد منهم إلا بأمر تحرك عسكري توضح فيه اسباب حضوره والفترة التي سيقضيها فيها وعنوان إقامته فيها كما هو عليه الأمر في مناطق العمليات ويبلغ جهة محددة مثل جهاز الاستخبارات العسكرية أو جهاز الأمن فور وصوله للخرطوم وعند مغادرته لها ويتم استدعائه والتحقيق معه بصورة رسمية إذا خالف هذه التعليمات.
أعتقد أن هذا حل عملي سيغلق الباب نهائياً أمام أي تدخل مستقبلي للجيش في السياسة بدلاً عن المواثيق والاتفاقيات على الورق التي أثبت ساستنا أنهم لا يحترمونها عند أول مفترق للطريق ودنو بريق السلطة منهم.
والوسيلة الأخرى القوية التي يمكن أن تحد من تدخل الجيش في السياسة هي زيادة جرعة حساسية الشارع ضد حكم العسكر بكافة أشكاله وتعبيره عن ذلك بالمليونيات والإضرابات والمظاهرات والاعتصام والعصيان المدني فور اشتمام اي رائحة لتدخل العسكر في السياسية بأي شكل من الأشكال.

الصادق احمد عبدالسلام إدريس
[email protected]

تعليق واحد

  1. يجب ادراج ذلك في المناهج الدراسيه لكي يترسخ في اذهان الأجيال القادمه ان العسكر لم يوجدوا ليحكموا بل ليحمو

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..