*الشاهد (١)*
*كان الوضع جميلا في الماضي وكان الجميع معاً:*
*أما الآن فلا أدري أي مستقبل ينتظرنا؟*
دارفور تنزف وقد تبدلت الأحوال وأصبح الناس بين قتيل وساعي للإنتقام، وبين هذا وذاك آخر يبحث عن الهرب إذا سنحت له الفرصة ونجا. فعندما يكون مستقبل إبنك وبنتك مهدد؛ حتما ستكون مستعدا لفعل أي شيئ، وهذا ما يحدث اليوم في دارفور بلا استثناء، متفلتون – أو إن شئت قل منظمون – يقتلون وينهبون ويغتصبون في العلن وبلا هوادة، والساسة مثلهم ولكنهم يتآمرون ويقتلون في الخفاء.
لقد أتيحت لي فرصة العيش بدارفور طوال فترة الحرب منذ ٢٠٠٣م كما اتيحت لي فرص المشاركة في عدد من البحوث والدراسات وورش العمل التي قدمت بشأن مشكلة دارفور، لقد أتاحت لي كل ذلك الفرصة لمعرفة الحقائق السياسية والاجتماعية المتشابكة وملامسة الواقع الإنساني المؤلم المتمثل في الفقر والقهر والنهب وإراقة الدماء، وأتاحت لي زيارات متعددة لمواقع مختلفة بإقليم دارفور تقييم الواقع الاجتماعي من منظور العنف المتولد عنه والمصاحب له وتقييم مشاريع الإصلاح والتسويات والمؤتمرات والإتفاقيات التي تمت من أبوجا وطرابلس مرورا بالدوحة وانتهاءًا بجوبا، فكل تلك المجهودات بغض النظر عن النوايا؛ إنها كانت تنطوي على استغلال احتياج أهل دارفور للسلام والمساعدات وارتبطت بالشروط والإملاءات والضغوط المختلفة لتوطين نموذج من السلم والإصلاح في دارفور بطريقة لا يناسبها البتة.
تحتاج دارفور إلى نموذج يستوعب كل التنوعات ولا يرفضها أو يهمشها ويستوعب كل المصالح والقوى بلا أدنى صدام، نموذج ينتج التوافق بدل التعارض، والتعايش بدل الصدام، وحتى هذه اللحظة لا تبدو اتفاق جوبا أو حكومة الفترة الإنتقالية قادرة على ذلك، بل العكس ضعف أداء الحكومة وضعف هيبة الدولة الماثل سيعمق الخلافات ويؤجج العنف، لهذا سيتدهور حال دارفور من سيئ إلى أسوأ على كل الأصعدة.
مشكلة دارفور ليست التشكلات العرقية ولا التنوع والتعدد القبلي والعشائري التي تعتبر حالة تنوع طبيعي يمكن أن يتعايش كما كان منذ مئات السنين الفائتة وينصهر في البوتقة السودانوية أي الهوية الوطنية المحلية كمظلة تجمع وتحمي الجميع ويستظل بها الكل ويستفيد منها الجميع وفق القيم الوطنية والحقوق والحريات مقابل مسؤوليات وواجبات بغض النظر عن المعتقد أو اللون واللغة والقبيلة والطائفة والعشيرة، ويمكن أن يتحول هذا التنوع في أي لحظة كما يحدث الآن إلى برميل بارود مدمر يهدد الجميع ، فالمشكلة يا سادة فينا وفي حكامنا ومثقفينا وفي طريقة تفكيرنا. فهل استوعبنا الدرس لنعيد ضبط عقارب ساعات عقولنا ونفكر من جديد؟