مقالات وآراء

هل يتغيّر مفهوم أتباع الأحزاب السودانية لصالح مفهوم الدولة الحديثة

طاهر عمر

هل يتغيّر مفهوم أتباع الأحزاب السودانية لصالح مفهوم الدولة الحديثة؟.. طاهر عمر
الشعب السوداني من أكثر شعوب المنطقة حديثا عن التحول الديمقراطي إلا أن جبار الصدف يقف له بالمرصاد و يغيّب على الدوام الشخصية التاريخية القادرة على مفارقة العقل الجمعي الكاسد و فتح خط فكري جديد يجسر ما بيننا و مفهوم الدولة الحديثة و ممارسة السلطة بالمعنى الحديث.

مثلا في المجتمعات الحية نجد أن الفلاسفة و الاقتصاديين و السياسيين لهم القدرة و التأثير على السياسيين و خلق علاقة المتغير المستقل فيها الفلسفة السياسية و الاقتصاد مع جعل علم الاجتماع بعد معرفي جديد في صميم الديالكتيك لمجابهة هموم مجتمع حديث تمسك مشاكله بتلابيب بعضها البعض كما يقول ريموند أرون و لكن تسوقها معادلة الحرية و العدالة.

لهذا نجد السياسي في المجتمعات الحية متغير تابع لمتغير مستقل و هم علماء الاجتماع و الاقتصاديين و المؤرخيين غير التقليديين في مجابهتهم للظواهر الاجتماعية. نضرب مثلا على تغير السياسيين لنشاطهم المتعلق بتأسيس دولة حديثة و ممارسة سلطة في مجتمع حديث بسبب جهود علماء الاجتماع و الاقتصاديين و الفلاسفة.

منذ منتصف ثلاثنيات القرن المنصرم أو ما يقارب قرن من الزمن وصلت الأحزاب الشيوعية في الغرب الأوروبي و بفضل تقدم الفكر الذي يقدمه علماء الاجتماع و الاقتصاديين و الفلاسفة الى أن نمط الانتاج الرأسمالي لا يمكن المغالطة فيه كما يفعل الشيوعي السوداني الآن بنسخته الشيوعية السودانية المتحجرة و نؤكده بتطور الفكر في الاحزاب الشيوعية في الغرب و كذلك الأحزاب الاشتراكية في تيقينها من نمط الانتاج الرأسمالي مثلا في فرنسا لم يتردد فرانسوا ميتران في تطبيق فكرة الحد الادنى للدخل و هي فكرة كينزية من صميم أفكار جون ماينرد كينز.

لكن لابد من توضيح أن أغلب المفكريين في الغرب و هم على قدرة على التأثير على السياسيين نجد مثلا ريموند أرون فيلسوف و مؤرخ و عالم اجتماع و اقتصادي و لهذا السبب نجدهم لهم القدرة على إقناع السياسي بتغير مفهومه فيما يتعلق بالفكرة عن الدولة الحديثة و السلطة في المجتمع الحديث و هذا هو البعد الغائب في مجتمعنا السوداني.

أغلب الأحيان نجد من يهتم بالدراسات الاجتماعية يجهل النظريات الاقتصادية و تاريخ الفكر الاقتصادي و تجد المؤرخ السوداني تقليدي للغاية يجهل الفلسفة و الاقتصاد و علم الاجتماع و تجد أحسن اقتصادي سوداني يتبع لأحزاب الطائفية لأنه يجهل علم الاجتماع و أفكار فلاسفته بأن الايمان التقليدي كما هو سائد في احزاب الطائفية و أتباع المرشد لا يمكن أن يسمح بظهور فكر عقلاني يفارق الفكر الديني السائد في أحزاب الطائفية و هو ذو علاقة عكسية في ظهور نظم سياسية عقلانية تستطيع ترسيخ نمط الانتاج الرأسمالي.

لأن الرأسمالية عقلانية و دليل ماكس فيبر على عقلانيتها لأنها لم تظهر و تترسخ في المجتمعات التقليدية حتى اللحظة و لهذا يتضح لنا عدم عقلانية كل اقتصادي يصر على تبعية فكر أحزاب الطائفية.

و مسألة أن يكون اقتصادي سوداني يصر على أن يكون من أتباع الطائفية سببها تاريخنا الاجتماعي و الاقتصادي الذي لم يستطع الفكاك من ثقافة الاسرة الجذعية و هي ثقافة تجعل اكبر مفكر سوداني و أكبر اقتصادي سوداني لا يلاحظ أن إتّباعه و خضوعه للمرشد أو الامام أو الختم هو دليل على غياب الفكر العقلاني الذي يدلنا على الرأسمالية و نمط إنتاجها.

و بالتالي يفتح لنا الطريق لضخ فكر ليبرالي يخدم الصعد السياسية و الاقتصادية في زمن أصبح فيه خطاب الدين الطائفي لم يعد ذو بعد بنيوي في السياسة و الاقتصاد و الاجتماع و لكنها ثقافة الأسرة الجذعية و هي ثقافة تجر أكبر اقتصادي سوداني و أكبر مفكر سوداني أن يخدم سلطة الأب و ميراث التسلط و هي تتجسد في الامام و المرشد و الختم أو الأستاذ الشيوعي.

و بالتالي يصبح طموح الاقتصادي السوداني في أحزاب الطائفية بعد فوز حزبه الطائفي أن يكون وزير اقتصاد أما منصب رئيس الوزراء قطعا سيكون للامام و كأن الاقتصادي السوداني التابع لأحزاب الطائفية يردد سخرية الحيران أي طلاب المسيد دجاجة سمينة تغدي فكينا و خروف جربان للحيران. و هذا هو اقتصاد المسيد و عقل الخلوة و قد رسخته الحركة الاسلامية في أفقار الشعب السوداني خلال ثلاثة عقود بائسة تمثل عقل رجال الدين في السودان حيث كانت في زمن الكيزان الدجاجة السمينة للفكي أي الكوز و الخروف الجبران للحيران أي الشعب السوداني في ظل حكم الكيزان.

من هنا نقول مسألة تحول المفاهيم تحتاج لزمن طويل اذا لم نقل أن استقرارا سياسيا في السودان سيطول إنتظاره في ظل نخب سودانية ما زالت تخدم بإخلاص أسرة المرشد و الامام و الختم و قولنا أن الانتظار سيطول لأن تغيير الأفكار و التحول الهائل في المفاهيم يحتاج على أقل شئ ثلاثة عقود و في ظل نخب تشعر أن هناك لحظة إنحطاط و محاولة مفارقتها و الدخول لموعد مع التاريخ و موعد مع الحضارات و مثلهم غير موجود وسط النخب السودانية الفاشلة اليوم.

لهذا يمكننا القول سيكون حال النخب و لكلكتهم على ما هم عليه أفق المنشاط الفكرية الى حين ظهور أجيال جديدة تنعتق من ثقافة سلطة الأب و ميراث التسلط التي رسخت لفكر يجعل النخب السودانية لا يتحرجوا من أن يكونوا أتباع أحزاب الطائفية و المرشد و أتباع الشيوعية السودانية و بالتالي يندر بينهم وجود الأقلية الخلاقة القادرة على مفارقة العقل الجمعي الكاسد.
مثلا مدرسة الحوليات ظهرت مع ظهور الكساد الاقتصادي العظيم و لكن حتى تستقر أفكارها و تصبح أفق السياسيين في فرنسا إحتاجت لثلاثة عقود و خلالها قد أصبح السياسي الفرنسي متغير تابع لمتغير مستقل اي الفيلسوف و عالم اجتماع و الاقتصادي والمؤرخ غير تقليدي.

بدأت مدرسة مدرسة الحوليات بشعار لا لماركس و لا لماو و لا لأرنولد توينبي و لا للمسيح. ريموند أرون قال عندما تخرخ من الدراسة متفوق على سارتر أحس بأنه يجهل الكثير أو أن هناك الكثير الذي يغيب عن فكره و في حقيقة الأمر إحساسه بأنه يشك في معرفته لأن زمانه كان مفصل زماني إنتهت عنده فلسفة التاريخ التقليدية و بدأت فيه فلسفة التاريخ الحديثة.
و لهذا كان معذب بإحساس أنه لا يمتلك أي قدر من المعرفة و كان هذا نفس زمن ظهور مدرسة الحوليات و رفضها للمنهجية التاريجية و الوضعية و بالتالي لم يعد علم اجتماع دوركهايم و أفكار أوجست كونت ذات أهمية و من هنا كانت بداية ريموند أرون مع علم اجتماع ماكس فيبر.

لهذا نقول أن حال السودان و نخبه يشبه حال فرنسا في عام 1930 حيث ظهرت مدرسة الحوليات و ظهرت فلسفة التاريخ الحديثة في فكر ريموند أرون و لهذا قلت أننا نحتاج لثلاثة عقود لظهور أجيال جديدة يجتاحها إحساس ريموند أرون و صدقه في أن للزمن مفاصل و بالتالي أن فلسفة التاريخ التقليدية قد طوت أوراقها و غابت في سجل النسيان.

و لكن إنتبه أيها القارئ هذه الثلاثة عقود القادمة ستكشف ضعف و عجز النخب السودانية التي أفشلت ثورة ديسمبر كثورة شعب متقدم على نخبه و كثير منهم ستكون نهايتهم مأساوية و على أقل تقدير سيكتشفوا خواءهم أي كل فرد من بينهم و علاقته بحيز الفكر حيث أضاعوا ثورة ديسمبر بعقلهم عقل الحيرة و الإستحالة لأنهم جميعا أبناء ثقافة عربية إسلامية تقليدية قد أصبحت حضارة بلا لسان في زمن الحداثة.
بعد ثلاثة عقود سيرتفع مستوى الوعي و حينها سيصبح في حيز الفكر تحول في المفاهيم يسمح بإدراك أن الديمقراطية تعني البديل للفكر الديني و أن الديمقراطية تعني المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد و عندما نقول الديمقراطية نعني الديمقراطية الليبرالية بشقيها السياسي و الإقتصادي و ستأتي أجيال بأحزاب جديدة تغير مفهوم أتباعها لصالح معنى و مفهوم الدولة الحديثة و تفارق مفهوم النخب السودانية الفاشلة التي لم تستطيع تجاوز مفهوم البوتقة الصاهرة و قد إختنقوا داخلها كدورق تجربة فاشلة لم تقدم غير نخب فاشلة و أفشلهم الهووي الصاخب و هو يقدس الهوية و يجهل أدبيات الحرية.

عندما نقول على مدى الثلاثة عقود القادمة ستأتي أجيال على بالنا تغير مستوى الوعي بسبب التقدم التكنولوجي لجيل ثورة ديسمبر و قد فاجاء الكيزان بثورة ديسمبر المجيدة كذلك تطور العالم من حولنا سينقل مستوى الوعي لمستوى أعلى و حينها لا تجد المدافعين عن ثقافة عربية إسلامية تقليدية كحال نخب اليوم الفاشلة غير القادرة على إستيعاب أهمية عقلنة الفكر و علمنة المجتمع و كله بسبب غياب الأقلية الخلاقة.

عندما يظهر في ساحتنا السودانية بعد ثلاثة عقود من يكون مثل ريموند أرون فهو فيلسوف و عالم إجتماع و مؤرخ و إقتصادي حينها يستطيع المفكر التأثير في السياسي السوداني و يجبره على تبني فكره كما قبل فرانسوا ميتران كإشتراكي بنمط الإنتاج الرأسمالي بل قد أدخل المقطع الرأسي أي الحد الادنى للدخل و هي روح فكر الديناميكية الكينزية في وقت نجد نخبنا السودانية الى اللحظة منخدعة بفكر المفكر المنخدع بماركسية ماركس و لهذا تجد في السودان حتى غير الشيوعي يعتقد بأن الإشتراكية هي القادرة على تحقيق العدالة و هيهات و نقول أن الفكر الليبرالي وفقا لمعادلة الحرية و العدالة هو أقرب الطرق لتحقيق العدالة و معلوم في الفكر الليبرالي أن الحرية يتم توازنها على أساس ألا تفتح المبالغة في العدالة إلا فتح الباب لنظم شمولية كماركسية ماركس التي لا تجذب غير المثقف المنخدع.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..