مقالات سياسية

السودان: أين يقف المثقفون من عملية التغيير

زين العابدين صالح عبد الرحمن

قدمت كل البحوث و الدراسات التي تناولت المثقف و دوره في المجتمع تعريفات متعددة للمصطلح، و لذلك لا ندخل في مسألة التعريف، و كل تعريف للمثقف يتماشى مع الأطار الفكري للمفكر و الباحث في هذا المجال. و المثقف السوداني غاب دوره في ظل الصراع السياسي الجاري في السودان، و غاب الجدل حول التفريق بين دور السياسي و المثقف، خاصة في ظل نظام الإنقاذ الذي مكث ثلاثة عقود، و رسخ الثقافة الشمولية في المجتمع، و الإنقاذ أضعفت القوى السياسية من خلال محاصرتها و تقيد حركة عضويتها، ثم أحدثت فيها العديد من الانشقاقات، هذه الفترة العصيبة التي مر بها المجتمع أدت لهجرة العديد من العناصر التي تشتغل بالفكر، انعكس ذلك بصورة سالبة علي أغلبية الأحزاب السياسية، حيث صعدت لقمتها عناصر كان دوره في الحزب يتركز في العمل التنفيذي، الأمر الذي أضعف الإنتاج الفكري و المعرفي، و قلص المواعين الديمقراطية في هذه الأحزاب، لآن العناصر التنفيذية بحكم عملها ليس لها استعداد أن تدخل في حوارات مع أراء مخالفة رؤيتها، كما هي مهيأ بحكم معارفها المتواضعة تميل لفرض شروط العزل و الإقصاء و الفصل، و كان ذلك لابد أن ينعكس سلبا علي دور المؤسسة الحزبية.

كان الموأمل أن يصبح الوضع بعد الثورة أكثر حركة و فاعلية داخل هذه المؤسسات الحزبية، و يظهر في دورها لتوعية الجماهير و تثقيفها، فالصراع حول السلطة جعلها تتنافر و تتباعد في رؤأها في كيفية نجاح الفترة الانتقالية، و استثمار الاستنفار في الشارع لمصلحة عملية التحول الديمقراطي، لكنها فضلت الهث وراء غنائم السلطة و تعين عددا من كوادرها في الوظائف القيادية في مؤسسات الدولة. و الغريب في الأمر أن العديد من المثقفين الذين كان يجب أن يلعبوا دورا نقديا مهما يساعد علي عدم الانحراف عن أهداف الثورة، قد تم استقطاب أغلبيتهم في هذا الصراع، فطغت الحزبية علي القضايا الوطنية، و حتى المثقفين الذين كانوا يرشدون المتظاهرين اثناء الثورة، و يقدموا النصائح و الإرشادات المطلوبة و تواروا تماما، هل الرجوع للحاضنة السياسية ” الحزب” أهم من ممارسة الدور النقدي؟ أم أن إصلاح العمل السياسي ميؤس منه؟ أم أن فترة الإنقاذ التي غيبت دور المثقف قد جعلته يفضل أن يكون مثقفا تقليديا بدلا أن يكون عضويا علي حسب فهم غرامشي لأدور المثقف في المجتمع، أم أن الخوف أن يكون علي مرمى قزائف الحزبية، و الاتهام بخيانة الثورة؟

و المطلوب في هذا الظرف التاريخي الذي يمر به السودان، أن يتحرر المثقف من قيوده الأيديولوجية و غير الأيديولوجية لكي يعلب الدور المناط أن يلعبه في عملية التغيير الاجتماعي و السياسي في البلاد. مثقف كما عرفه الباحث هشام شرابي و يقول عنه ” المثقف المستوعب للثقافة، و يتميز بصفتين، هما الوعي الاجتماعي الذي يمكن الفرد من رؤية المجتمع و قضاياه في زواية شاملة، و تحليل القضايا علي مستوى نظري متماسك، و الدور الاجتماعي الذي يمكن أن يؤديه وعيه الاجتماعي فضلا عن القدرات الخاصة التي سيضيفها علي اختصاصه المهني أو كتاباته الفكرية” مثل هذا المثقف هو المطلوب في هذه الفترة التاريخية، كيف يستطيع أن يقدم مبادرات وطنية تخرج البلاد من الواقع المأزوم.

أن البلاد في أمس الحاجة إلي المثقف ذو الوعي السياسي و الاجتماعي، الذي يستطيع أن يتجاوز الممنوع و يقدم نقدا شاملا للذي يجري في المجتمع، و ربما ينطلق من طبقته كما قال غرامشي، و يعبر عن وظيفته و يمارس دورا توعويا. و كما يقول أدور سعيد أن المثقف الذي يملك موهبة تتعلق بمجال أختصاصه و يحمل رسالة ينقلها للمجتمع، و من خلال الرسالة يطرح العديد من الأسئلة المحرجة علي السلطة الحاكمة، لكن إذا استطاعت السلطة استقطابه سوف يفقد دوره النقدي” و يحدثنا أدورد أن المثقف لديه ميل مع الثابت في المجتمع أو السلطة، و رغم ذلك هو الذي يملك القدرة علي البوح بالمسكوت عنه في المجتمع.” و الاستقطاب الذي تحدث عنه أدورد سعيد ليس شرطا أن يكون فقط من قبل السلطة، يمكن أن يكون من قبل المؤسسة الحزبية، أو أي مؤسسة من مؤسسات الدولة ينتمي إليها المثقف، و الاستقطاب يفقد المثقف موضوعيته لأنه أصبح منحازا، و في الحالة السودانية تتكرر باستمرار تغليب المصلحة الحزبية علي الموضوعية، و التي تحمل الرسالة حمولات أيديولوجية أو شعاراتيه، و أصبحت الأغلبية تنطلق من منصات حزبية، تجعل رسائلهم ذات انحياز، يضعف قوتها. رغم أن الحزبية نفسها ليست سبة لأنها تنطلق من مرجعية فكرية معروفة، لكن البعض يحاول أنكار ذلك الأمر الذي يؤدي للشك و الريبة في رسالة نفسها.

أن الآزمات التي يعيشها السودان، بالفعل تحتاج لدور المثقف العضوي الذي يستطيع أن يلعب دورا مشهودا في توعية الجماهير، و لا يحابي شعارات الصراع الحزبي بل يجعلها موضوعا في مشروعه النقدي، أن سقوط تجارب الديمقراطية السابقة يرجع لغياب المثقف و تقاعسه في لعب الدور التثقيفي المناط كان أن يلعبه، و ألان يستطيع أن يلعب هذا الدور في ظل انتشار وسائط الإعلام الاجتماعي، و سرعة نقل الرسالة لقطاع عريض من الجمهور، لكن التخندق في الحزبية و صراعها العدمي سوف يعطل قدراته، خاصة أن الصراع السياسي بين الأحزاب لا يسلك طريق الفكر أنما اتهامات و أساءات تبين ضعف المخزون المعرفي في تلك المؤسسات. نسأل الله حسن البصيرة.

زين العابدين صالح عبد الرحمن
[email protected]

‫2 تعليقات

  1. المستقبل المشرق يبنى بمعطيات الحاضر..السلاح الذي بحوزة القوات النظامية ليس ميراثا من أجدادهم أو جداتهم,بل أمانة الشعب لهم لتحقيق الأمنين:الداخلي و الخارجي,فإذا تسلط حاكم دكتاتوري على الشعب إستنجد بحملة أمانته لتخليصه؛هذا هو الوضع الطبيعي..التوليفة التي لجأ اليها السودانيون من زواج العسكر و المدنيين المؤقت ليست مشكلة على الإطلاق,بل ضرورة لأن معالجة ملفات (فك الإرتباط) و العسكر داخل السلطة التنفيذية أسهل من معالجتها و هم خارجها . السؤال الكبير الذي يجب على الكل في السودان إيجاد إجابة صحيحة و موحدة له هو: كيف نؤطر للكيانات الحزبية في السودان حتى تحقق في الأخير أهداف الثورة الشعبية?لو سألني أحدكم:عرف السياسة بكلمة?لقلت:قرار. لو قال:بكلمتين?لقلت:حكومة,و معارضة. إن من أهم أسباب نجاح الولايات المتحدة الأمريكية وجود ماعونين رئيسيين للتنافس السياسي..و من ثم أحب أن يحذو السودان حذو الولايات المتحدة في تقليص المواعين..آمل أن تقوم مفوضية لإعتناء بشئون الأحزاب,و تنظم هذه الأحزاب الكثيرة في مواعين ثلاثة غير قابلة للزيادة:حزب الحرية,حزب العدالة, حزب السلام..كل يسعى في بناء ما يليه لتحقيق صالح الشعب.جوبا_دولة جنوب السودان

    1. قال عاوز ينظم الأحزاب الكثيرة في مواعين ثلاثة غير قابلة للزيادة:حزب الحرية,حزب العدالة, حزب السلام؟!
      إيه السذاجة دية، طب ما نسيت حزب المساواة وللا عشان دي ما بتستوعب الأحزاب العروبوية؟!
      وبعد عاوز المفوضية تعمل ليك شنو؟ تحنس الأحزاب عشان تتشكل في ثلاثة أحزاب ولا تعمل ليهم تصفية إجبارية؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..