مقالات سياسية

الفترة الانتقالية وجدل المناهج

اسماعيل عبد الله

المرحلة الانتقالية الممدة بالتعديل الدستوري المستحق عبر اتفاقية سلام جوبا شهدت تحديات كثيرة منذ انطلاقة مسيرتها قبل عام ونيف، بدءًا من صياغة الوثيقة الدستورية غير المعدلة وانتهاءً بتوقيع اتفاق السلام، ثم جاء الجدل حول المناهج التربوية وبروز رأي بعض علماء الدين حول ما ذهب اليه مدير مركز المناهج من مذهب، حسبوه خروجاً من الاطار العام لرؤية المركز فيما يتعلق بمقررات التربية الاسلامية والتاريخ، وكما هو متعارف عليه أن السودانيين بسجيتهم التلقائية لا ينسجمون مع الرؤى والافكار الفلسفية المتناولة لموضوع تدينهم بتلك الجرأة التي أثارها المدير المستقيل للمركز القومي للمناهج، وكعادة رجال الدين منذ عهود العصور الوسطى لا يتكيفون مع صراحة العلم والحديث من افكار المتعلمين والمستنيرين، ودوماً هنالك مساحة كبيرة تفصل بينهم وبين الصفوة المثقفة، لذا قامت قيامة دنيا الناس ولم تقعد وعصفت عواصف الآراء الناقدة لسياسة المركز ورئيسه، وعلت اصوات الائمة من منابر المساجد وداخل قاعات المؤتمرات الصحفية، منذ أن تم تعيين مدير المركز المثير لحفيظة رجال الدين وزعماء الطرق والطوائف الصوفية، لقد امتدت الفترة المثار حولها غبار جدل المناهج للعديد من الاشهر.
الثورة الشعبية المجيدة عندما اقتلعت الطاغية كانت واضحة الاجندة والاهداف، وكان من اكبر اهدافها بعد التعليم والصحة هو معالجة الازمة الاقتصادية والمعيشية، ورأينا كيف بذلت الطاقات واستنفذت المشاعر والعواطف في مضمار صراع المناهج التربوية المطلوب تنقيحها وتقديمها للطلاب في سنتهم الدراسية الجديدة، ولكي ندرك شغف السودانيين بتعليم ابناءهم علينا ان ننظر للرياح الهائجة والمائجة التي ضربت موضوع المناهج التعليمية، إنها دلالة كبرى على تمسك المواطنين بحق ابنائهم في الحصول على خدمات تعليمية جيدة، ومؤشر جيّد على دخول هذه المجتمعات السودانية الى مراحل ذات آفاق ارحب في تقديم الهدف الاكثر سمواً على الحاجة لملء البطون، فبرغم الجوع والمرض وانعدام الوقود وشح الخبز الا ان المتظاهرين في مليونيتهم الاخيرة هتفوا (الجوع ولا الكيزان)، الهتاف الدال على نبل وطهر السريرة السودانية وسعي الفرد لتحقيق الغايات النبيلة اكثر من كونه حائماً حول حمى المادة، وبناءًا على النتائج التي اظهرتها عصبية الطرف المؤيد لسياسات المركز القومي للمناهج وتشدد الآخر المتشنج برفضه لمجهودات المركز ورئيسه، تكمن الحقيقة الراسخة في أن هذا الشعب قد جبل على حب العلم وطلبه له من المهد الى اللحد.
الجدال الذي دار حول المناهج مع مفتتح تدشين مرحلة الانتقال، يعتبر تمريناً رياضياً لتقوية خصيصة الروح الديمقراطية في نفس المواطن، ويجيء هذا تصديقاً للمقولة القديمة التي تم تداولها في سنوات الديمقراطية الثالثة (لا تتحقق الديمقراطية الا بتعزيز مزيد من الديمقراطية)، واختباراً صعباً للمؤسسات الدينية في المجتمع عن مدى تقبلها للحديث من الافكار وجديد الرؤى المتناولة للطرائق القديمة للتعليم، وخضوع الطرفين المتصارعين لمحكمة رئيس الوزراء كان ايضاً نصراً لهيبة سلطة الانتقال التي ظن بعض الناس انها لا تقف من المتنازعين على بعد نفس المسافة تساوياً، فكان قرار رئيس الوزراء بتجميد المقترحات التي قدمها مدير المركز المستقيل قد اصاب كبد الحكمة باتاحة الفرصة للوقوف على الدقيق والمفصلي من الموضوعات المثارة، ولتلمس قائد سفينة الانتقال للأهمية المصيرية للقضية المطروحة وأنها ليست كمثيلاتها من القضايا البسيطة التي يمكن ان تحل بجرة قلم، فالامر يمس مستقبل اجيال وبناء وطن ارهقته الانقسامات واتعبته الاختلافات، لذلك رأى كثيرون أن ما توصل اليه حمدوك من قرار كان في منتهى الكياسة والتأني الايجابي.
الصراعات التي صاحبت اطروحات المركز القومي للمناهج سوف تكون مقدمة مفيدة للجدال القادم الذي سوف يتناول مشروع الدستور، والتشاكس الذي حدث بين المكونات الثقافية والفكرية والدينية حول المناهج، سيترك بصمته الواضحة على التناول القادم والخاص بوضع هذا الدستور، فقد كشفت الروح الخشنة احياناً والدبلومساية احياناً أخر بين المدرستين الفكريتين والدينيتين الحديثتين والقديمتين عن ظاهرة صحية فيما يتعلق بالفصل في القضايا الوطنية الكبرى، ووضحت وتجلت الحمولات الذهنية والتهيئات المعنوية للمكونات المجتمعية والكيانات السياسية بشفافية عالية، إذ أنه وفي سيرورة جدل المناهج لا تجد صاحب رأي متطرف ومتعصب ولا معتنق لفكر غريب وشاذ على ذوق عموم اهل السودان، إلا وتبين من خلال المعارك الفكرية التي اندلعت عقب الاعلان عن التصورات المثيرة للجدل التي تقدم بها المركز القومي للمناهج، هذه الظاهرة ان بحثت عنها في عهد الطغيان لن تجدها وامكانية وجودها تكاد تكون شبه منعدمة تماماً، وغير متاحة ولو بمثقال حبة من خردل الزمن والمكان، وهذا هو الفرق بين الزمان السالف والأوان الحاضر الذي يفرق بينهما جسر طويل جرت تحته المياه الكثيفة.

اسماعيل عبد الله
[email protected]
15 يناير 2020

‫2 تعليقات

  1. أنت جنجويدي جهول وحانق لسبب ما في نفسك من وهم الشمال النيلي وأسلوبك في بث ضغائنك هو أسلوب الخم وهذا أسلوب لا ينطلي علينا في الراكوبة!! يمكنك أن تكتب لأعاء منبر سودانيزاونلاين حيث تنحصر التعليقات في الأعاء فقط ولا يسمح لغيرهم بالمداخلات! أما هنا في الراكوبة فلا تمر نملة من أمامنا إلا وعلمنا من أين أتت وإلى أين تتجه!
    أولاً من قال إن المرحلة الانتقالية ممدة بتعديل دستوري مستحق عبر اتفاقية سلام جوبا؟؟! هل اتفاقية جوبا نفسها اتفاية دستورية حتى تعدل الفترة الانتقالية؟ فلتعلم أن الوية الدستورية تنص على تعديلها فط بواسطة المجلس التشريعي الانتالي وبلثي الأعاء ولا يجوز مطلاً تعديلها بغير هذه الآلية ! أما ما سمحت به للاجتماع المشترك لمجلسي الوزراء والسيادة فينحصر في اصدار التشريعات المؤقتة في غياب المجلس التشريعي شريطة أن تكون متفقة مع الوثيقة الدستورية الانتقالية مما يعني عدم جواز تعديلها بهذه الآلية أو خلافها مثل الاتفاقات مع المتمردين السابقين ضد النظام السابق أو مع فلول النظام السابق أو مع أي جماعات أخرى حتى ولو وقعت معها قحت بكامل عضويتها ومعهم مجلسا الوزراء والسيادة ورؤساء الدول المجاورة! فانتظر معنا إنا منتظرون تكوين المحكمة الدستورية إن كانت ستقر بجواز تعديل اتفاق جوبا للوثيقة الدستورية!

  2. ((المرحلة الانتقالية الممدة بالتعديل الدستوري المستحق عبر اتفاقية سلام جوبا …))؟!
    أنت جنجويدي جهول وحانق لسبب ما في نفسك من وهم الشمال النيلي وأسلوبك في بث ضغائنك هو أسلوب الخم وهذا أسلوب لا ينطلي علينا في الراكوبة!! يمكنك أن تكتب لأعضاء منبر سودانيزاونلاين حيث تنحصر التعليقات في الأعضاء فقط ولا يسمح لغيرهم بالمداخلات! أما هنا في الراكوبة فلا تمر نملة من أمامنا إلا وعلمنا من أين أتت وإلى أين تتجه!
    أولاً من قال إن المرحلة الانتقالية ممدة بتعديل دستوري مستحق عبر اتفاقية سلام جوبا؟؟! هل اتفاقية جوبا نفسها اتفاقية دستورية حتى تعدل الفترة الانتقالية؟ فلتعلم أن الوثيقة الدستورية تنص على تعديلها فقط بواسطة المجلس التشريعي الانتقالي وبثلثي الأعضاء ولا يجوز مطلقاً تعديلها بغير هذه الآلية ! أما ما سمحت به الوثيقة للاجتماع المشترك لمجلسي الوزراء والسيادة فينحصر في اصدار التشريعات المؤقتة في غياب المجلس التشريعي شريطة أن تكون متفقة مع الوثيقة الدستورية الانتقالية مما يعني عدم جواز تعديلها بهذه الآلية أو خلافها مثل الاتفاقات مع المتمردين السابقين ضد النظام السابق أو مع فلول النظام السابق أو مع أي جماعات أخرى حتى ولو وقعت معها قحت بكامل عضويتها ومعهم مجلسا الوزراء والسيادة ورؤساء الدول المجاورة! فانتظر معنا إنا منتظرون تكوين المحكمة الدستورية إن كانت ستقر بجواز تعديل اتفاق جوبا للوثيقة الدستورية!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..