مقالات سياسية

نظام الإبادة الجماعية ينتحر سياسيا وأخلاقيا بعد إستعماله للسلاح الكيميائي

ما زالت التداعيات وردود الأفعال الغاضبة تجاه المجزرة البشرية الرهيبة التي ارتكبها النظام العنصري المتمركز في الخرطوم بواسطة السلاح الكيميائي بحق الأطفال والنساء والشيوخ، بقرى جبل مرة الوادعة، الذين تم عرض صورهم المؤلمة وعليها آثار هذا السلاح المحظور دوليا، تلقي بظلالها على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، بعد التقرير المروع الذي نشرته منظمة العفو الدولية مدعوما بقرائن وأدلة دامغة تؤكد توثيقها للحقائق والأحداث المأساوية التي حدثت في الماضي القريب، وتحدث الآن أثناء كتابة هذه السطور، وترمي بالكورة في ملعب المجتمع الدولي كي يتحمل مسئولياته الأخلاقية والإنسانية والدولية، ويتحقق من صحة ما ورد في تقرير منظمة العفو الدولية من مزاعم وإتهامات.

وعلى طريقة يكاد المريب أن يقول خذوني، وكعادة أزلام النظام الذين يُعرفون دائما بحماقة التسرع في إرتكاب الفعل الإجرامي، والتنصل بكل خسة وجبن ودناءة من نتائجه وتداعياته ومآلاته، سارع منسوبوه على لسان وزير الخارجية الغندور، مقروءا بتصريح الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية، والمتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة، الشامي، والناطق الرسمي للحكومة السودانية، ووزير إعلامها، البلال بنفي تلك المزاعم التي نشرتها منظمة العفو الدولية جملا وتفصيلا.

والتزم رموزه المدنيون والعسكريون جانب النكران التام بأن قواتهم وميليشياتهم لم تمتلك هذا النوع من الأسلحة في يوم من الأيام، وبالتالي لم تقم باستعماله في جبل مرة أو غيره من مسارح عملياتهم الأمنية والعسكرية الممتدة بطول وعرض دولة السودان الجريحة، وأن تلك المزاعم لا تستحق التحقيق والتقصي، فعليه، يجب تجاوزها وتجاهلها وكأن شيئا لم يكن!. هكذا!!!.

بل ذهب النظام إلى أبعد من ذلك، واتهم منظمة العفو الدولية ذات المصداقية العالية بالكذب والتلفيق وعدم الحيادية، وان هذه المنظمة المغرضة تسعى إلى عرقلة جهود السلام وعربون المحبة والود والوئام التي بذلها نظام الخرطوم، التقي والورع من أجل عيون أطفال دارفور ونساءه وشيوخه وشبابه، هذا النظام الوديع، والذي دائما في حالة دفاع شرعي عن النفس أمام الحملات الظالمة والجائرة التي تشنها المنظمات الدولية العميلة والمأجورة، لكي تستفيد من الدعم والإعانات والتبرعات!، مسترشدا بحادثة تدمير مصنع الشفاء للأدوية في الخرطوم عام 1998، إستنادا لمعلومات استخبارية خاطئة زعمت أنه ينتج أسلحة كيميائية ثبت لاحقا عدم صحتها.

لا يملك رموز النظام وقادته، الذين أدمنوا الكذب والتدليس، إلا أن يسلكوا مثل هذا السلوك المراوغ والملتوي للي عنق الحقيقة، والهروب إلى الأمام من إتهامات جدية وخطيرة، لها ما يسندها على ارض الواقع، تمثلت في وجود ضحايا من لحم ودم وكيان، وصور للأقمار الصناعية التي تحصي كل شاردة وواردة، وخبراء وفنيين أكدوا واقعة آثار السلاح الكيميائي على أجسادهم النحيلة، وشهادات الناجين من الضحايا الذين قابلتهم المنظمة واستنتقطهم عما جرى هناك من مآس وويلات.

كل تلك الأدلة والقرائن لا يمكن نفيها بكلام مستهتر فطير غير متعلق ومنتج بأصل الإتهام الجدي، الذي لا علاقة له بمصنع الشفاء والأحداث التي صاحبته، والتي من ضمنها حق الرد الذي ما زال معلقا لحين ميسرة لن تأتي أبدا. فنظام الإبادة الجماعية قد وضع نفسه أمام إمتحان عسير، لا تنفع معه أساليب الخداع والغش، وخاصة أنه من ضمن الدول الموقعة والمصادقة على معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية سنة 1999، الأمر الذي يلزمه بالتعاون مع تلك المنظمة شاء أم أبى.

ان نظام الإبادة الجماعية لا يحتاج أن يصًنع تلك الأسلحة بنفسه، لقد سبقته في ذلك أنظمة قمعية شريرة لا تقدر قيمة الحياة الآدمية، وأمدته طوال العهود السابقة بمؤونة تكفيه لقتل وإبادة كل الشعب السوداني، وجيرانه من أصدقاء وأشقاء إن لزم الأمر، في سبيل المحافظة على كرسي السلطة، كي يكون نصيرهم وحليفهم، بل وشريكهم في اقتسام الشر والفظائع والآثام حتى لا تبدو تلك الدول وحيدة لتظهر بمظهر المعزولة سياسيا كي تتمكن قوى الخير من الإنتصار عليها.

فنظام اللحى والعمائم والأيادي المتوضئة بدماء الأبرياء والكروش الناتئة بمال السحت والحرام يمثل الشر المحض في أوضح تجلياته.

لأن من يقتل الملايين من البشر ويعترف ببضعة آلاف أمام الملأ، لا تهمه الوسيلة التي تعينه على قتل من يعتبرهم أعدائه وخصومه، ومهددي عرشه وصولجانه ومصدر نعمته. ومن ينكر إصطياده وقتله لشباب وشابات هبة سبتمبر المهيبة أمام مرأى ذويهم، وأنظار العالم ترقبه وترصد حركاته وسكناته لا يُعتد بنكرانه فيما يرتكبه من موبقات وجرائم في مجاهل جبل مرة وقراه التي تمثل المأساة الإنسانية الغائبة بأمر أمريكا التي تريد تطبيق سياسة إحتواء المارد المتسربل برداء الدين الإسلامي بعيدا عن أراضيها، ليقتل أطفالنا ونساءنا وشيوخنا لتنعم هي وأطفالها ونساءها وشيوخها وشبابها بالأمن والأمان.

أو هكذا هي سياسية الولايات المتحدة الأمريكية مع النظام المتأسلم راعي الإرهاب الدولي باعتباره حليفها في مكافحة الإرهاب الذي هو مصدره ومموله بإعتراف أمريكا نفسها، ألم تقل على لسان وزير خارجيتها جون كيري، في أكثر من مناسبة على النظام السوداني أن يوقف تمويل الإرهاب الدولي لمدة ستة أشهر؟.

ومن يقول واليه على جنوب كردفان أحمد هارون المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية على رأس الأشهاد ” سلمونا نضيف، أمسح، أكسح، قشو، ما تجيبو حي، ما عندنا مكان، لا نريد عبء إداري”، لا أحد يستطيع أن ينكر عليه بأن يوصي واليه على غرب دارفور أن ينجز المهمة، ويرفع له التمام، ولا تهمه الوسيلة مهما كانت قذارتها كيمياوي نووي جرثومي فالأمر سيان.

ومن يقول نائبه السابق على عثمان طه “أضرب لتقتل” لا يستطيع أن يدعي شرف الخصومة، وأخلاق الفرنسان، وينكر إستعماله لأحط وأقذر الأسلحة في قتل وإبادة خصومه حتى وإن كانوا أطفال رضع.

إن استعمال نظام البشير لهذه الأسلحة القذرة أكدت الحالة الهيستيرية التي يمر بها نظامه اليائس، وأكدت ثانيا بأن هذا النظام بحاجة إلى نصر سريع وبأي ثمن يريد أن ينقذ به نفسه من الإنهيار، ويقوي تاليا من مركزه التفاوضي أمام حلفائه وأصدقائه ليظل خادمهم المخلص، ويقدم لهم خدماته على حساب أجساد نساء وأطفال الشعب السوداني في دارفور.

ومما لاشك فيه أن الجرائم البشعة التي ارتكبها الجنرال الهارب من أمام العدالة الدولية عمر البشير بحق أطفال ونساء قرى جبل مرة، تمثل الوجه القبيح والكالح لهذا الطاغية المجرم، وسيظل يضيف ما زالت تشرق والشمس وتغرب إلى سجل جرائمه المثقل بالفظائع والموبقات والآثام جرائم من نوع مختلف، وبسلاح آخر، لكي يشبع نفسه التواقة لمنظر الدماء والدموع.

وهذه الجرائم البشعة التي تم إرتكابها بجبل مرة الوادع قد تجسدت فيها بشاعة الديكتاتور عمر حسن أحمد البشير وانحطاط عقله وتدني حسه الإنساني لتظهر طبيعته القمعية والوحشية التي لا يعرف إليها طريق الرحمة والشفقة من سبيل.

إن أطفال جبل مرة يستصرخون ضمير الإنسانية للوقوف معهم ومؤازرتهم في محنتهم مطالبين بالقبض علي الطاغية المستبد، وإرساله مجللا بسلاسل الجبن والعار إلى المحكمة الجنائية الدولية، ليحاكم على ما اقترفت يداه بحقهم، وحق ذويهم، لأنهم موقنون بأن مسلسل القتل والسحل لن يتوقف، ما دام هذا الوحش الكاسر طليق يتنفس الهواء المفلتر النقي، ويسمم عليهم هوائهم الطبيعي بالأسلحة الكيمائية، والجرثومية والقنابل العنقودية، وغيرها من أسلحة الدمار الشامل الفتاكة.

لن يستطيع الزمن وإن تقادم وتطاول أن يمحو من ذاكرتنا هذه الصور البشعة والمؤلمة، لأطفال كان الحاضر والمستقبل كله لهم، وستبقى ما بقيت ضمائر الشرفاء المؤمنين بالقيم الإنسانية والمدافعين عن إنسانية الإنسان بوصفه هذا، ولن تمحها الأيام حتى بعد القبض ومحاكمة من هم مسئولين عن إقترافها. فالخزي والعار سيظل ملاحقا للقتلة والجناة، والمجد والسؤدد لأولئك الأطفال الذين ما بخلوا في الدفاع عن أوطان أجدادهم بأجسادهم البضة.

الصادق حمدين
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. اوفيت وكفيت وقريبا سيرى الأوغاد الجبناء سوء فعلتهم وما سيحيق بهم من ما لم يكونوا يحذرون، وسيمحق الله الظالمين بالظالمين وهم غير معجزين

  2. اوفيت وكفيت وقريبا سيرى الأوغاد الجبناء سوء فعلتهم وما سيحيق بهم من ما لم يكونوا يحذرون، وسيمحق الله الظالمين بالظالمين وهم غير معجزين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..