التنطع شئ والصدق شئ آخر…!ا

إليكم

الطاهر ساتي
[email protected]

التنطع شئ والصدق شئ آخر…!!

** ومن لطائف الأهل أن أحدهم غادر إلى الأراضي المقدسة لآداء فريضة الحج بعد أن وصى صديقه بإدارة مزرعته ومتابعة إحتياجات أسرته ، فودعه الصديق بعد أن إلتزم له بالحرص على رعاية أسرته ومزرعته..غادر ذاك، وإلتزم صديقه بالعهد ، وظل حارسا أمينا ولم يبخل على الأسرة والمزرعة بأي جهد، ليس وفاء لصديقه ذاك فحسب، بل أملا في أن يعود الصديق من الحج ببعض الهدايا التي من شاكلة الملابس والأجهزة الإلكترونية وغيرها نظير جهد رعاية الأسرة والعناية بالمزرعة.. ظل على هذا الأمل، حتى عاد الحاج .. وبعد المباركة وإنفضاض الأهل والجيران، أدخله الحاج إلى غرفته الخاصة وفتح حقيبته وأخرج منها سبحة ذات حبات لامعة وخيط حريري يسر الناظرين، ثم ناولها لصديقه قائلا : ( دي هدية بسيطة جبتها ليك من مكة، إتبرك بيها، تب ماقصرت مع اولادي ومزرعتي ، تستاهل كل خير )، فإستلم الصديق تلك السبحة بحزن عميق، ثم أدار له ظهره قائلا بإستياء : ( هديتك مقبولة يا حاج الأمين، إلا الفيك إتعرفت) ..!!
** وهكذا تقريبا حال مؤسسات بالدولة.. تنتظرها الآمال بأن تجود إلى أهل السودان بالأفكار والبرامج التي تنتج حلولا لأزماتهم، بيد أن أفكار سادتها وبرامجهم ومشاريعهم لاتهدي كل تلك الآمال إلا هدايا من شاكلة ( السبحة )..تأملوا الإعلان التالي، ونصف شكله أولا..لوحة بلاستيك أنيقة على جدران بعض المساجد والخلاوي، وذات اللوحة بذات التصميم والأناقة على صفحات الصحف أيضا، شعارها المكتوب بالخط الكوفي العريق يقول (ختم القرآن مليون ختمة )، وتحت الشعار مباشرة تحدق في صورتين، إحداها لأمير دولة قطر والأخرى لوزير الإرشاد والأوقاف..هكذا شكل الإعلان الذي يستنفر به الدكتور أزهري التجاني – وزير الإرشاد والأوقاف – أهل السودان منذ الجمعة الفائتة إلى ختم المصحف الشريف مليون ختمة، ثم وهب ثوابها لأمير دولة قطر..والتفسير المنطقي لهذه الحملة – حسب منطق وزارة أزهري التجاني – هو : (هذه الحملة تأتي ضمن مشروع الدعاء والتضرع بأن يعم الأمن والسلام كل ربوع السودان، ووهب ثوابها قطر لأمير قطر لدوره الفاعل في إحلال السلام في ربوع السودان، وهذا أقل شئ يمكن أن نقدمه له ..)..هكذا المشروع، شكلا ومضمونا..!!
** حسنا، لن نعلق على تلك الوهبة ، فهي من وزارة الإرشاد لأمير قطر، لدوره في إحلال السلام في السودان، أوكما تقول الوزارة، رغم أن مائدة الدوحة لم تسفر سلاما بعد في أي ربع من ربوع السودان وكذلك موائد نيفاشا وأبوجا وأسمرا التي وفرت بعض السلام في بعض ربوع السودان لم تكن بالدوحة، ومع ذلك نقول ( خير وبركة)، ربما هي تعني بذاك الوصف – الدور الفاعل في إحلال السلام في السودان – بإعتبار ما سيكون..المهم، أي هدية وزارة الإرشاد التجاني لأمير قطر ليست بقضية تستدعي النقاش،ولكنها تطرح سؤالا على النحو الآتي : إن كان حرص وزارة الإرشاد على سلام دارفور وإستقرارها دافعا لها على إهداء مليون ختمة لأمير قطر، فماذا أهدت الوزارة للآلاف التي تكتوي بنار النزوح في معسكرات دارفور.؟؟
** على سبيل المثال، هل في أجندة الوزارة – منذ إندلاع الأزمة وإلى يومنا هذا – برنامج عمل من شاكلة ( التكفل بنفقات حج أم فقدت أنجالها في أتون الحرب و آواها معسكر كلمة )، أم أن ميزانية الحج الميري لا تخصص إلا للغارقين في هذا الميري.؟.. وكذلك، على سبيل المثال أيضا، هل في أجندة الوزارة – منذ إندلاع الأزمة و إلى يومنا هذا – مشروع من شاكلة ( تأسيس مدرسة قرآنية بالطينة التي حرقتها نيران الحرب)، أم أن ميزانية الوزارة لم تصطحب بنودها مثل هذا المشروع، وإنما هي فقط ميزانية للصرف على بنود إعلانات التنطع هذه ؟..ثم على سبيل المثال أيضا، هل في أجندة الوزارة ميزانية تكفلت برعاية وتعليم بعض يتامى معسكر أبوشوك، أم أن تلك ميزانية بنودها لاتتجاوز سقف تبديدها في مشاريع الشوفونية التي من شاكلة (هذا أقل شئ يمكن أن نقدمه له ).؟.. للأسف، كل سؤال يحمل في جوفه إجابته، وهي الإجابة التي تعكس بأن عقل الوزارة بحاجة إلى تفكير يهدي الناس والحياة أفكار وبرامج ومشاريع حين يترجمها الواقع يتوفر على الأرض (السلام والإستقرار).. أي إنسان دارفور – وليس أمير قطر – بحاجة إلى أفكار خلاقة وبرامج طموحة ومشاريع جادة، لينعم بالإستقرار والسلام..فالتنطع لايثمر عملا طيبا، وكذلك التزلف – وكسير التلج – للأمراء والسلاطين لا يحل الأزمات .. ومع ذلك، ( هديتك لأمير قطر مقبولة يا شيخ أزهري ، إلا الفيك إتعرفت )، أوهكذا لسان حال النازح واللاجئ حين يحدق في تلك ( الشوفونية )..!!
…………………
نقلا عن السوداني