مقالات وآراء سياسية

لا يا حمدوك! هذا لا يشبهك!

عثمان محمد حسن

* تعهد رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك بتنفيذ كافة وعود حكومته للثوار، مستهدفاً الأزمة الاقتصادية و إنجاز السلام ورفع العقوبات و جميع مطلوبات ثورة ديسمبر المجيدة بما فيها الترتيبات المفضية إلى الانتقال السلس لإجراء إنتخابات حرة ونزيهة بنهاية الفترة الإنتقالية..

* و يرى حمدوك في دعوات بعض القوى الوطنية للحوار ما يمهد الطريق إلى تحقيق أهداف الثورة..

*  لكن ما هي تلك القوى الوطنية التي ذكرها د.حمدوك، و على أساس دعواتها التقى دكتور غازي صلاح الدين، رئيس الجبهة الوطنية للتغيير، في يوم الخميس ٣٠/١/٢٠٢..

* صاحب العقل يستطيع أن يعرف هوية تلك القوى بتتبع مسيرة الثورة و تصريحات الأحزاب المشاركة فيها.. و قربها أو بعدها من الفلول.. و اللقاءات التي تمت مع الفلول من وراء ظهر الثوار..

* أما عن لقائه مع الرئيس حمدوك، فقد ذكر  د.غازي، في تعميم صحفي، أن اللقاء تم ” على خلفية رغبة مشتركة جددتها المعطيات الراهنة بالبلاد… و أنه تناول تشخيص التحديات الحرجة التي تواجه البلاد وتقريب وجهات النظر تجاهها…”

* هل كانت رغبة مشتركة (قديمة) حقيقةً ثم (تجددت).. أم أنها رغبة (قديمة) من طرف واحد مدعومة من أطراف داخلية أو خارجية، أو الاثنتين معاً..؟

* و هل بالإمكان نجاح أي محاولة لتقريب وجهات نظر الثوار، تجاه أي شأن من شئون السودان، من وجهات نظر من يعتبرهم الثوار إخواناً للشيطان؟

* إن لقاء حمدوك بغازي صلاح الدين يمثل لقاءاً (بالجبهة الوطنية للتغيير) و بأيقوناتها الأشد تشددا، و على رأسهم الداعشي عبدالحي يوسف و الداعشي الآخر محمد علي الجزولي و العنصري الخال الرئاسي الطيب مصطفى.. و آخرين انشقوا عن المؤتمر الوطني لأسباب ليس من بينها الانقلاب على سلطان البشير  و لا تغيير أفكاره و معتقداته (المدغمسة)..

* لكن ما هي (الجبهة الوطنية للتغيير)؟

* إنها تجمع أنشِئ في يوم ٣/١/٢٠١٩.. و يضم ٢٢ حزباً من أحزاب الفكة و هي:- حركة الإصلاح الآن ، الحزب الاتحادي الديمقراطي ، كتلة قوى التغيير ، حزب الشرق للعدالة والتنمية ، منبر المجتمع الدارفوري ، الحركة الاتحادية ، الحزب الاشتراكي المايوي ، المؤتمر الديمقراطي لشرق السودان ، حزب الأمة الموحد ، حزب الوطن ، تيار الأمة الواحدة ، منبر النيل الأزرق ، حزب الإصلاح القومي ، اتحاد قوى الأمة ، حزب مستقبل السودان ، حزب وحدة وادي النيل ، جبهة الشرق ، حركة الخلاص ، حزب التغيير الديمقراطي ، حزب السودان الجديد ، حزب الشورى الفيدرالي ،الجبهة الثورية لشرق السودان.

* هل الأحزاب و الاتحادات المكونة للجبهة أعلاه هي (بعض القوى الوطنية) التي استجاب الدكتور حمدوك لدعوتها للحوار، فالتقى بدكتور غازي، أم أن هناك قوىً وطنية أخرى دعت لذاك النوع من الحوار؟!

* عقب إعلان تكوين الجبهة إياها في يناير ٢٠١٩، أصدر حزب الأمة بياناً يرحب فيه و يشيد بتكوين الجبهة، و يؤكد أن تكوينها يصب في صالح عزل النظام وتجريده من اللعب على أوتار حوار الوثبة..

* ربما حزب الأمة واحد من تلك القوى الوطنية التي دعت الدكتور حمدوك للحوار، واستصحب حزب الأمة الأحزاب المكونة ل(قوى نداء السودان).. تلك القوى التي أصدرت بياناً يوم إنشاء (الجبهة الوطنية للتغيير) ترحب فيه بأحزاب الجبهة و بالقرارات التي اتخذتها.. و وقَّع على البيان السيد أركو مني مناوي الأمين العام لقوى نداء السودان..

* و الملاحظ أنه، بإستثناء قوى  نداء السودان، فإن مكونات قوى الحرية و التغيير الأخرى لم تُبدِ أي ترحيب بتكوين (الجبهة الوطنية للتغيير)..

* أما تجمع المهنيين السودانيين، فقد أبدى عدم ثقته في نوايا أحزاب الجبهة المنشقة عن النظام وقتها.. و صرح بأنه غير معني بالانشقاقات التي تحدث في معسكر نظام البشير، و أنه يرفض أية محاولة لإعادة إنتاج النظام..

* هذا، و سبق أن ذكرتُ مراراً أن قوى نداء السودان هي (كعب أخيل) قوى الحرية و التغيير.. و أنها الثغرة التي بإمكان أعداء الثورة أن ينفذوا منها إلى قلب الثورة النابض.. و من ثم يأخذون الثورة إلى حضن المجهول..

* لكن، هل في لقاء حمدوك بغازي صلاح الدين ما يشي بأخذ الثورة إلى حضن المجهول و من ثم إعادة إنتاج نظام (الإنقاذ) بإسم جديد؟!

* إن هذا أخشى ما يخشاه الثوار الذين استفزهم ذلك اللقاء استفزازاً غير مسبوق.. و ظلوا يستنكرون حوارَ رمزٍ من رموز  إنقلاب 1989 مع رئيس وزراء ثورة أطاحت بفكر و نظام ذلك الانقلاب؟

* و للثوار الحق، كل الحق، إذ أن قانون العزل السياسي يمنع رموز نظام البشير من ممارسة النشاط السياسي في السودان لمدة لا تقل عن عشر.. و حدد القانونُ الرموزَ بأنهم “أي شخص شغل منصباً في ما يسمى “مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني” أو أي شخص كان عضواً بمجلس شورى الحزب أو عضواً بالمجلس القيادي للحزب بمن فيهم من شغلوا منصب رئيس الجمهورية أو نائب رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس التشريعي أو والٍ أو وزير اتحادي أو ولائي أو مدير لجهاز الأمن أو نائب عام أو نقيب للمحامين أو رئيس للقضاء أو للمحكمة الدستورية لجمهورية السودان إبان نظام الإنقاذ”.

* و طالما غازي صلاح الدين من أولئك الذين شغلوا أكثر من منصب من المناصب المشمولة في قانون العزل السياسي.. فليس من حق د.حمدوك تجاوز هذا القانون بلقائه (سياسياً) مع رمز من رموز نظام البشير و التحاور معه في شئون (سياسية) بحتة..؟!

* لم يكن حمدوك موفقاً في ذاك اللقاء .. فقد استفز  أقلاماً كثيرة.. كما دفع ﻗﻴﺎﺩﺍﺕ من قوى  ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ للتعبير عن معارضتها القوية للقاء و ﻷﻱ ﺗﺴﻮﻳات ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ربما تجريها الحكومة الانتقالية مع المتأسلمين مستقبلاً..

* يعتقد بعض المحللين السياسيين أن دعاة الهبوط الناعم يسعون للتأثير على المشهد السياسي من وراء ستار.. و أنهم يخططون لمصالحات عرجاء مع فلول النظام السابق بما يقود إلى تحالفات تتوجه يميناً لإعادة السودان إلى الطريق الذي سلكته ثورة أبريل ١٩٨٥، و انتهى بها المطاف إلى إنقلاب ٣٠ يونيو عام ١٩٨٩..

* و بعيداً عن قانون العزل السياسي، إن رفض المثالية في التعاطي مع الفلول ليس رفضاً اعتباطياً.. فاللين معهم ربما أعاد البلاد إلى ما يشبه سنوات ما بعد ثورة أبريل ٨٥.. و ربما دفع بالثورة إلى (بيت طاعة) المؤتمر الوطني في النهاية..

* لقد أَخْطَأْتَ يا حمدوك، و ‏”‏ كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ‏”‏‏!

عثمان محمد حسن

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. الخطأ في البداية كان في اختيار حمدوك لهذا المنصب الحساس. فأي دور سياسي لعبه هذا الشخص في السودان طيلة السنوات السابقة؟.
    رجل لا يفقه الف باء السياسة يختارونه ليدير اصعب فترة في تاريخ السودان الحديث.
    المشكلة إن هذه ليست المرة الأولى التي يقع فيها الثوار في مثل هذا العوار. كانت الأولى في اختيار سر الختم الخليفة في أكتوبر والثانية في اختيار الكوز الجزولي دفع الله في ابريل ولا أحد يدري من هو هذا الحمدوك.
    كل الذي نعرفه عنه إنه هاوي في السياسة

  2. أليس من الواضح جدا أن أزمة السودان المركزية تتمثل في قوى الرجعية اليمينية التي تصارع من أجل مصالح ضيقة لا تتعدى الأسر و البيوتات المتسلطة باسم الدين و التي كشف الله تعالى عوراتها فأصبحت عصية على الستر و على القوى المستنيرة و الوطنية قيادة عمل فكري و تنظيمي لمواجهة عبث العابثين بوعي و مقدرات الشعب في هذه الفرصة التاريخية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..