مقالات وآراء

آلية إمتثال

خالد فضل

تجربة السودانيين في كيفية تعامل حكومتهم مع الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية يفترض أنّها أصبحت بالنسبة لغالبيتهم في حكم المعلوم بالضرورة . فقد وفّرت أطول فترات الحكم الشمولي خبرة تراكمية لمدة ثلاثين عاما , وهي فترة كافية للطفل الذي ولد يوم بدايتها , لإكمال جميع مراحل التعليم من رياض الأطفال وإلى درجة ما فوق الدكتوراة , وخبرة عملية بعدها لما لا يقل عن خمس سنوات .
خلال حقبة الحكم الديكتاتوري العسكري الآيدولوجي الإسلامي , التي استغرقت بحساب العمليات الإنتخابية في النظام الديمقراطي ؛ والتي تجرى كل أربع سنوات (7) دورات ونصف أي أنّ المواطن/ة الذي كان عمره يوم الإنقلاب في 30يونيو 1989م ثمانية عشر عاما , كان يفترض أنّه شارك لسبع مرات في اختيار ما يحكمه من بين برامج القوى السياسية المتنافسة , وينتخب من يتوسم فيه النجاعة من بين المرشحين للبرلمان ورئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية في حال إقرار دستور دائم يبين نظام الحكم الديمقراطي (برلماني/ رئاسي ) هل يتأمل هذا المواطن السوداني كم ضاع من عمره سدى وهو الآن في سن 54سنة !! يجد نفسه/ها وقد تدنى طموحه/ها للتشبث بأول درجتين في سلم هرم الحاجات الإنسانية المشهور الذي رسمه عالم النفس أبراهام ماسلو , ويشمل خمس حاجات تصاعدية , قاعدته الحاجات الفسيولوجية _المتعلقة بوظائف أعضاء الجسد _ وهي التنفس , الطعام , الماء , ضبط التوازن , الجنس , الإخراج والنوم. وكمثال على أنّ عدم تلبية هذه الحاجات يترتب عليه سلوك تعويضي ؛حالة الفقير الذي يصير غنيا فتكون معظم نفقاته على الأكل والشرب والزواج. الدرجة التالية في سلم الحاجات هي احتياجات الأمان , وتشمل : السلامة الجسدية من العنف والإعتداء , الأمن الوظيفي , أمن الإيرادات والموارد , الأمن المعنوي والنفسي , الأمن الأسري , الأمن الصحي وأمن الممتلكات الشخصية ضد الجريمة . يتصاعد الهرم بعد ذلك لتلبية الحاجات الإنسانية الإجتماعية , الحاجة للتقدير ثم الحاجة لتحقيق الذات . ورغم الإنتقادات التي وجهت لهذا الهرم خاصة فيما يتعلق بتسلسله إلا أنّه يقدم أرضية موضوعية للنظر إلى حاجات النفس البشرية .
المتأمل في تاريخ وخبرة الأجيال المتعاقبة من السودانيين/ات على مدى (7) عقود من نيل الاستقلال , يلحظ أنّ نسبة مقدّرة من الناس ظلت طيلة هذه الفترة وهي تكابد من أجل تحقيق الدرجتين الأولتين فقط ولم تتمكن , إزدادت هذه النسبة مع إشتعال حرب 15أبريل لتشمل أكثر من 70% من البشر في السودان . والحال لا يحتاج إلى إحصاءات , كل فرد يمكنه إحصاء حالته وأسرته الصغيرة ليصل إلى النتيجة المفزعة . لقد ظلّت مفردات مثل , منظمات , عون إنساني , إغاثة , إيواء , حفظ سلام , مساعدات إنسانية وقف إطلاق النار , حماية المدنيين , توفير الخدمات الاساسية .. إلخ من الكلمات الأكثر شيوعا في قاموس التداول اليومي على كافة المستويات محليا وإقليميا ودوليا .
إنّ العالم ينظر إلى ما يحدث في بلادنا من خارج الصندوق , لهذا تكون لغته ومفرداته أكثر دقّة وتحديدا في وصف الأوضاع , طبعا قد تكون هناك بعض المآرب والمصالح الخارجية التي تميل بالنظر هنا أو هناك ولكن ما هو مؤكد أنّ القاموس الاساسي يعتمد على الوصف كما هو . نجد محمد بن شمباس رئيس الآلية رفيعة المستوى التابعة للإتحاد الإفريقي يتحدث عن فرضية تكوين بعثة أممية لحماية المدنيين بإشارته إلى أن الدول الإفريقية وغيرها لا يمكنها المجازفة بجنودها في ظل واقع إحتراب بين الجيش السوداني الذي يمثل الجيش الوطني والدعم السريع الذي كان جزءا من هذا الجيش وساهم في الإطاحة بنظام البشير . ويرى ألا حل عسكري بل من خلال التفاوض , مع ضرورة وجود جيش سوداني واحد ومعالجة الوضع القائم وإصلاح الجيش السوداني . هذه نظرة من خارج الصندوق ترى الصورة كاملة وليس كما يريد طرف من أطراف النزاع أن ينظر إليها , وهذا فرق (لغة) يترتب عليه وقائع ماساوية هي الأسوأ إنسانيا في العالم اليوم ؛ دون أن تجد حظها المستحق من الإهتمام العالمي .
آلية الإمتثال التي وردت ضمن مشروع القرار (البريطاني / سيراليوني) إلى مجلس الأمن يمكن النظر إليها من منظور عملي وواقعي , ومعناها الحرفي هو ضرورة إمتثال طرفي النزاع بالقواعد والمبادئ الإنسانية في حالة النزاع المسلح , وهي تعنى مباشرة بحماية المدنيين وضمان الحدود الدنيا من هرم حاجاتهم الإنسانية المار ذكرها , بحيث يمكن السير بعد ذلك في مناقشة مواطن الخلاف بين الفرقاء , ومخاطبة مخاوفهم ومعالجة تطلعاتهم ,بعد ضمانات سلامة المدنيين , وإمتثال الأطراف الوالغة في القتال لهذه الضمانات . وقد يحتج محتج بأن هذه القواعد مضمنة أساسا في القوانين التي تحكم عمل الطرفين (الجيش / الدعم السريع) , هذه النقطة مهمة جدا في دفعهما لتنفيذ هذه الضمانات والتقيّد بها طالما هي موجودة أصلا في قوانينهما السارية , بمعنى آخر ما عليكما سوى التقيد بقوانينكما أيها القطبان المتصارعان وأنتما تشكلان منظومة واحدة اسمها (المكون العسكري السوداني) , ولتأكيد ومراقبة مدى إلتزامكما المشترك ورصد التفلتات من أي طرف منكما لابد من وجود آلية فعّالة للقيام بهذه المهمة . على الورق نجد أنّ كل طرف يتقيد بتلك المبادئ كما حدث في إعلان مبادئ جدة مايو2023م , أمّا على الأرض فحدّث ولا حرج . وهو ما يسبب الماساة للمدنيين , وتجعل العالم ينظر إلى النتائج الماثلة امامه , فهل من المنطقي أن يردد العالم الشعارات التي يتبناها كل طرف مثل حرب الكرامة , بما فيها تصفية المدنيين بتهمة التعاون مع المليشيا أو دك الحواضن الإجتماعية لها أو الحرب ضد الفلول , وتشمل العنف الجنسي وتهجير القرى بأكملها ؟ أين إلتزامات حماية المدنيين وأين موضعها من الكرامة ؟ وأين محاربة الفلول في قرية نائية من قرى الجزيرة أو صياصي دارفور ؟ هذه هي الاسئلة التي ينظر من خلالها العالم إلى المحرقة الإنسانية التي تهز الضمير الإنساني , ويستغرب بعض الإنجليز فعلا عندما يعرفون أن مظاهرة في قلب لندن تندد وتعتدي على من يدعو للسلام وإغاثة الملهوفين من أهالي المتظاهرين الآمنيين الطاعمين الشاربين , وتناصر استمرار كل الفظائع المترتبة على الحرب والإقتتال , فاي جنون هذا ؟ هكذا يتساءل من ينظر بموضوعية أو من خارج صندوق الأزمة . آلية الإمتثال لا تمثل أي مساس بوهم السيادة الوطنية , ولا تشكل تدخلا في الشان الداخلي , إنّها وسيلة للفصل في دعاوى الأطراف المتصارعة , ترصد وتكشف_ بحياد_ الانتهاك أين ومتى وكيف ومن المسؤول عن إرتكابه , لا مجال لرفض هذه الآلية إلا إذا كان الطرفان أو أحدهما يعرف أنّه المعتدي والباطش بالمدنيين والمتجاوز لقوانينه هو نفسه وبالتالي يريد مداراة تجاوزاته والإفلات من المحاسبة على انتهاكاته , بزعم رفض التدخل الدولي تحت مزاعم كرامة وطنية متوهمة .

 

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. لو الحرب دي فيها ١٥٠ الف قتيل
    الطيران لا اظن انو قتل ٥ الف

    بعدين منو الرفض اتفاق جدة ..؟
    الدعم السريع جماعه إرهابية
    كل منطقة تدخل عليها تقتل وتنهب وتختصب وتشرد أهلها الي مناطق تواجد الجيش

    سمو الاشياء بمسمياتها
    او اصمتو خير لكم ولنا
    .

    1. الأخ Turkey هؤلاء لا يستطيعون تسمية الأشياء بمسمياتها فقط يريدون التضليل و لوي عنق الحقيقة و مساواة الجيش مع المرتزقة و يغضون الطرف عن انتهاكات مليشيا مرتزقة عربان الشتات الإفريقي التي كل ما تدخل مدينة أو قرية ينزح مواطنين تلك المناطق الي مناطق سيطرة الجيش و هذا دليل واضح لإدانة المرتزقة و تبرأت القوات المسلحة السودانية من أكاذيب أبواق المرتزقة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..